وفاة مرسي وبكائيات الوهم الديمقراطي
 

غالب قنديل

غالب قنديل / كاتـب ومحلل سياسي لبناني-

شكلت وفاة الرئيس السابق محمد مرسي حدثاً سياسياً، لكونه كان سجيناً يحاكم بتهمة العلاقة بقطر وبحركة حماس، وجرت التفاعلات السياسية والإعلامية على خلفية المواقف من فصول ما سمي الربيع العربي ومن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومن السلطة السياسية الحالية في مصر برئاسة الفريق عبد الفتاح السيسي.. هذا المزيج من المواضيع والقضايا تجمع دفعة واحدة عند مسوقي الوهم الديمقراطي في بلداننا المستعمرة، الذين آلمهم "الاضطهاد" السياسي لتنظيم الإخوان الذي مارس بنفسه نهجاً إلغائياً وإقصائياً ضد جميع شركائه في "الثورة الشعبية" التي أطاحت بحكم الرئيس مبارك، وأقل ما يمكن وصف فترة رئاسة مرسي بمحاولة تكريس استبداد سياسي إخواني تحت الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية، وهذا ما لم يتحدث عنه أحد، وجميع المتفجعين نحوا جانباً كل نقاش أو تدقيق في الموقع الفعلي لهذا التنظيم من حركة الصراع في المنطقة ومن التناقض الرئيسي الحاسم الذي تتمحور حوله جميع القضايا الجوهرية.
بداية نؤكد أن الحكم الحالي في مصر حافظ على نهج التبعية لمنظومة الهيمنة واتفاقية كامب ديفيد والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ومجموع علاقات التطبيع التي أدخلت العدو إلى قلب مصر، وذلك ما كان بالأصل هو مضمون نهج الرئيس مرسي ومحتوى التزامات تنظيم الإخوان الذي قدم نفسه بديلاً أفضل وأكثر طواعية لمنظومة الهيمنة، بفارق ضمانه لتغطية شعبية أوسع لمنظومة الهيمنة الاستعمارية بفضل قاعدته العريضة في صفوف الطبقات الوسطى والفقيرة داخل المجتمع المصري.
بالتالي فالصراع بين هاتين القوتين ليس صراعاً بين مشروعين واحد للتبعية وآخر للتحرر الوطني، بل نزاع على اعتماد أي منهما وكيلاً لدى المركز الاستعماري الأمريكي، وهذا ما يجسده التسابق على الولاء لجناحي الرجعية العربية، فبينما يستند الرئيس السيسي إلى الدعم السعودي الإماراتي، كانت سلطة الإخوان تحظى بدعم تركي قطري غير محدود من ضمن الإدارة الأمريكية المنهجية لمنظومة الحكومات التابعة في المنطقة. 
ينافح جماعة الوهم الديمقراطي عن "الحريات والحقوق الديمقراطية" بعيداً عن قضية التحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية التي هي الأساس المحرك لكل ما يدور حولنا وفي بلادنا وداخل بناها الاقتصادية الاجتماعية والسياسية.
يتحول الأمر في مرويتهم الطالعة عن وفاة الرئيس مرسي إلى ندب مظلومية سياسية وشكوى من الاستبداد السياسي وما يدعونه بالعسكرتارية التي أطاحت بأول رئيس منتخب وفق خطب النعي والرثاء التي انهمرت بعد شيوع الخبر، وللتذكار والاعتبار فإن ذلك النوع من المصطلحات استعمل في الهجمات البريطانية والأمريكية والإخوانية وحتى السعودية ضد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر رمز التحرر الوطني والوحدة القومية في العصر الحديث، بل إن بعض الرجعيين والعملاء في البلاد العربية كانوا ينادون عبد الناصر برتبته العسكرية قبل ثورة 23 يوليو 1952، ولقبوه بالبكباشي، وقد تبنت الأحزاب الشيوعية العربية بعضاً من تلك الأدبيات لزمن غير قصير، وهو ما يفعله اليوم بلهاء الديمقراطية الموهومة في مستعمراتنا المزدهرة بخرابها العظيم في جميع المجالات!
يستحيل الفصل منهجياً بين سيرة الرئيس مرسي الفعلية وما سمي الربيع العربي الذي يوجب الحدث إعادة قراءته نقدياً، واستكشاف خلفياته الفعلية وموقعه من الصراع بين شعوب المنطقة والغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.
بينت التجربة الفعلية أن خطط ما سمي الربيع قامت على أساس انتقال السلطة من المجموعات الحاكمة المتفسخة والمضطربة التي فقدت قدرتها على الاستمرار في خدمة الهيمنة الاستعمارية بسبب الرفض والتذمر الشعبي الواسعين، والبديل الذي هيأه المخططون الأمريكيون، واشتغلوا عليه بالتفاصيل السياسية والتنظيمية بالشراكة مع النظام التركي، هو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وسمي ذلك جهاراً بعمليات نقل النموذج التركي للديمقراطية والحداثة، وهو في الواقع نموذج تابع لهيمنة الاستعمار.
رسم المخططون الغربيون هدفاً محدداً لثورات الربيع، هو تجديد الهيمنة، وحشدت بشراكة سياسية وأمنية مع تركيا، وبدعم مالي قطري، جميع فروع التنظيم العالمي، إلى محاولة ضخمة لتنفيذ عملية تغيير سياسي شاملة في العديد من البلدان العربية، وكانت على هذا الأساس توليفة تكوين الآليات السياسية والتنظيمية للتحكم بمسارات الاحتجاج الشعبي والانتفاضات التي شهدتها عدة دول عربية تتقدمها مصر وتونس واليمن والسودان، ولاحقاً الجزائر وغيرها.
تم شن العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على سورية بواسطة تلك الأدوات الإخوانية وداعميها، وتم حشد عشرات آلاف الإرهابيين التكفيريين من جماعة الإخوان وفروعها في العالم إلى سورية لتحريك مسار دموي مدمر كانت غايته الصهيونية تدمير قلعة المقاومة وقلب محورها، وانتدب الرئيس الراحل محمد مرسي نفسه آنذاك لتجنيد 100 ألف محارب للمشاركة في غزو سورية وتدمير دولتها الوطنية، وزفَّ إلى المحازبين والمشغلين تعهده بذلك مع قراره بإغلاق السفارة السورية في القاهرة، بينما لم تمض أيام على رسالته الغزلية الإذعانية والذليلة إلى رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز.
*  عن صفحة مجموعة العمل الوطني العربي - فيسبوك

أترك تعليقاً

التعليقات