التوحش الأمريكي السعودي والانتصار اليمني
 

غالب قنديل

غالب قنديل / لا ميديا -
سيرة الغزاة والمعتدين عبر التاريخ حافلة بأفعال انتقام وتوحش وسفك دماء عندما ينقلب الاتجاه وتلحق الهزيمة بالغطرسة، فتنكسر شوكة المتجبر المستعلي وتنقلب الصورة. وكم آلة حرب حديثة متطورة في عصرنا أقحمها العجز والانكسار السياسي في أعمال قتل بربرية لتعوض اهتزاز صورة جبروتها وعتوها السياسي وتفوقها العسكري والمعنوي، فحفرت قبورها بتجبرها. ولنا في يوميات وفصول الصراع العربي ـ الصهيوني، وفي جميع الحروب الإمبراطورية المهزومة، شواهد نافرة على ذلك، ووفق القواعد العلمية تستخرج القوانين من تكرار الظواهر المتشابهة.
عندما يستدعى الطيران الحربي لكي يدك الأبنية والتجمعات السكنية والأسواق، فيدمر المباني ويقتل ويصيب آلاف المدنيين، ليستر بدخان الحرائق تهتك جبروت واستعلاء، وليطمس هزائم بينة في الميدان أمام المدافعين الشجعان الأبطال، فتلك ذروة الجبن والانحطاط السياسي والأخلاقي والخسة والنذالة في إدارة الحروب والمعارك. وما نشهده في الحرب على اليمن يكرر أفعال انتقام خسيسة تنتمي إلى مدرسة العسكرية الصهيونية، وتذكرنا بها وبمآثرها القذرة في لبنان وفلسطين وسورية.
إن المفارقة الأخلاقية في إدارة الحروب تنطلق مع البداية بين ضفتي الدفاع المشروع والعدوان والاستكبار. ولا انفصال بين الموقع والأسلوب في إدارة الحرب وعملياتها، ولا انفصام بين الغاية والوسيلة عند الشعوب وحركات التحرر، على النقيض من المنطق الاستعماري الرجعي الذي هو دائماً ذرائعي يبرر سفك الدماء وارتكاب جرائم النهب والسلب.
كان بمستطاع أبطال اليمن أن يردوا المجزرة بمجزرة، وقد أثبتوا بابتكاراتهم وبتمثلهم للعلوم والتقنيات الحديثة أنهم قادرون على إصابة أهداف في عمق شبه الجزيرة. لكنهم لم يضعوا هدفاً مدنياً في دائرة التصويب، بل اتبعوا أسلوباً راقياً تمثل باستهداف مواقع عسكرية وبإنذار الأشقاء في شبه الجزيرة من المواطنين مسبقا بوقوع هجوم وشيك ليكون لديهم ما يكفي من الوقت لتدبر الوقاية الممكنة.
إن هذه الأخلاقيات الثورية في خوض القتال وإدارة النيران بدقة تنسجم مع المثل الأخلاقية والقيم الإنسانية. وكل تصرف معاكس هو توحش مدان وبربرية كريهة تنافي أي مثل إنسانية. فلا مكان عند قوى التحرر الوطني لمنطق "الغاية تبرر الوسيلة"، الذي يجعل من تنفيذ المجازر عملاً مشروعاً تخترع له التبريرات بذرائعية فاجرة وغاشمة. وأبطال اليمن الشجعان لم يحولهم تغول العدوان الوحشي إلى وحوش، فركزوا الردود المحسوبة على أهداف عسكرية، وتمسكوا بمناقبية ثورية وأخلاقية يغمطون عليها، وهم لم يفرطوا بها رغم فظاعة الإجرام الدموي بحق بلدهم وشعبهم، وهذه بذرة انتصار آت لا محالة.
* كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات