إيران رافعة التحولات الشرقية
 

غالب قنديل

غالب قنديل -

في قمة شانغهاي، لمع نجم الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، إلى جانب زعماء الصين وروسيا والهند، الذين رسخوا شراكات وتفاهمات تنسجم مع مشاريع الطوق والطريق الصينية، دون أن تضعف من حرارة التطلعات الصينية والإيرانية لاحتواء باكستان على طريق تفكيك سلسلة النفوذ الأمريكي في آسيا.
السعي الإيراني والصيني لتنحية باكستان عن الأحلاف الحربية الأمريكية أظهر فاعليته بقوة في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد انطلاق المذبحة الكبرى ضد الشعب اليمني، بشراكة أمريكية سعودية وصهيونية، لم تفلح معها الرياض في توريط باكستان بعملياتها العسكرية رغم الإغراءات التي ما انفكت تعرضها على كراتشي.
شكّل التنسيق الصيني مع إيران وروسيا حول أفغانستان والعمل المشترك لبلورة حوافز مالية واقتصادية لجذب باكستان تحولاً بارزاً، تمّت، بالتوازي معه، تهدئة المخاوف الهندية والحساسية المزمنة نحو باكستان من خلال توطيد الشراكة الروسية والإيرانية مع الهند.
إنه تكتل شرقي مركّب يتحرك بتناغم لتحرير العلاقات الدولية من الهيمنة الأحادية الأمريكية ولاستقطاب حكومات ودول دارت لعقود في الفلك الأمريكي، وقوة التأثير التي تستخدمها الدول الصاعدة هي الشراكات النفطية والتجارية وحوافزها الكثيرة، بالنظر لما لديها من عناصر تفوق تقنية ومالية ومن مخزونات كبيرة من النفط والغاز، وهذا عامل تفوّق ينطبق بالذات على روسيا وإيران، بينما طاقة التمويل الصينية الضخمة يشهد لها حجم السندات الأمريكية في بكين.
لم يكن من الواقعية توقع نشوء هذه الصورة، التي طغت على العديد من اللقاءات والقمم الآسيوية، لولا التطور الكبير الذي تحقق في العلاقات الهندية الصينية التي خطت بسرعة إلى الأمام منذ القمة التي جمعت الزعيمين الصيني والهندي على هامش قمة شانغهاي.
تُحرّك الصين عشرات المبادرات من خلال رزمة حوافز الطريق والحزام في اتجاهات عديدة من أجل الأهداف المشتركة التي تجمعها بروسيا وبإيران، وأهمها استراتيجياً التخلص من الهيمنة الأحادية الأمريكية في العالم، وتفكيك منظومة العقوبات الأمريكية التي تطارد جميع المنافسين والطامحين.
ترعى روسيا من جانبها، وعن قرب، تطوير الشراكات بين حلفائها المتنافرين أحياناً من خلال التفاهم المشترك على سبل التصدي للعقوبات الأمريكية، ويمثّل شراء الهند للنفط الإيراني بكميات ضخمة ومشاريع الأنابيب المشتركة ميداناً للتعاون، تحفّزه صيغة مدروسة لشل مفاعيل العقوبات الأمريكية التي تم إقناع الاوروبيين باعتمادها (الصيغة) في لقاءات فيينا الأخيرة بتحفيز روسي صيني، وتم تظهيرها خلال الاجتماعات المشتركة حول الاتفاق النووي الإيراني.
من شأن توسيع دوائر التعامل على أساس الآلية الأوروبية الإيرانية، بشمول دول أخرى تشتري النفط والغاز الإيرانيين، بلورة فرصة قوية لتعزيز مكانة اليورو في الأسواق العالمية، وخصوصاً في الصفقات النفطية الضخمة، وفي حال صمدت الحكومات الأوروبية أمام التهديد الأمريكي وثبّتت ما تم الاتفاق عليه، عملياً سنكون أمام نقلة جديدة لصالح خطة بوتين – تشي القائمة على استثمار التراجعات والثغرات الأمريكية في مراكمة مزيد من الأوراق في رصيد تصور جديد لخارطة العالم متعدد الأقطاب.
في قمة الـ20، ظهر ثلاثي بوتين – تشي – مودي بوصفه كتلة متقاربة، وقد بدأت هذه الشراكة تتبلور من سنوات مع بروز مصالح ثلاثية في تطوير طريق الحرير القطبي في القطب الشمالي، والذي يمثّل، باختصار، مجال التقاء مبادرة الحزام والطريق مع طريق بحر الشمال الروسي.
في ذات التوقيت، تناقلت وسائل إعلام آسيوية معلومات عن تبلور مبادرة صينية نحو الهند، عبر تحريك مشروع ممر بنغلاديش - الصين - الهند – ميانمار، وهو مشروع رئيسي آخر للحزام والطريق، وكذلك تحسين الاتصال من التِّبت إلى نيبال والهند.
منذ القمم المتلاحقة التي عقدها الرئيسان بوتين وتشي، بدا أن الصين وروسيا تعملان وتخططان معاً لترسيخ دعائم الخرائط الجديدة للطاقة وللطرقات العابرة للحدود في أوراسيا، وتمثّل إيران شريكاً أصيلاً في تلك الخطط التي تلتقي عليها التطلعات إلى عالم جديد متحرر من قبضة الهيمنة الأمريكية وأدواتها الحربية والاقتصادية القاهرة، بينما يثمر التنسيق والتعاون بين الدول الرافضة للهيمنة مزيداً من القدرة على استقطاب دول تقف في الزاوية الرمادية من مشهد عالمي متحول.
تظهر الخطوات الجديدة لدول الشرق الكبرى قدرات هائلة على اعتراض العقوبات الأمريكية والحد من تأثيرها، بفعل وجود إرادة قوية للتحرر من الهيمنة، ولتخليص العالم بثرواته وأسواقه من القبضة الأمريكية المتربصة بالحكومات المستقلة لإخضاعها، ويبدو بوضوح أن إيران تشق طريقها كشريك فعلي لروسيا والصين والهند وباكستان في تطلعات ومشاريع مشتركة تعاكس الرغبات الأمريكية، وهي تفتح فرصاً جدية لتجريد الإمبراطورية الأمريكية من حرارة التحاق شريكها الأوروبي الذي ألحقته منذ مشروع ماريشال، ثم أخضعته بقوة مؤخراً بعد احتلال العراق وأفغانستان.

أترك تعليقاً

التعليقات