النكبة الحقيقية
 

عدنان الشامي

عدنان الشامي  / لا ميديا -
عندما كنا أطفالاً، علمونا أن اليهود هم المحتلون، وأن فلسطين هي الجرح الذي نزف على خارطة الأمة. كبرنا مع صور المنازل المهدمة، والمخيمات التي تضيق بأهلها، وحكايات البطولة التي يرويها الحجر ضد الدبابة. كبرنا ونحن نظن أن القضية واضحة، العدو واضح، والخيانة استثناء. لكننا كبرنا أيضاً لنكتشف أن الصورة أكبر وأشد قتامة مما ظننا.
اليهود لم يحتلوا فلسطين فقط؛ لقد احتلوا عقول الأنظمة، وسيطروا على قراراتها، وأحكموا قبضتهم على سياسة أغلب الحكومات العربية. تلك الحكومات التي كنا نظنها قلعة الدفاع عن الأمة، أصبحت قلاعاً لحماية المشروع الصهيوني، متسترة بشعارات كاذبة عن السلام والوئام.
علمونا أن فلسطين هي نكبة العرب؛ لكننا اكتشفنا أن العرب هم نكبة فلسطين. لم تكن النكبة في 1948 فقط، بل استمرت وتجددت في كل صفقة تطبيع، في كل مؤتمر تصالح، وفي كل اتفاقية سلام زائف. كلما رفرفت رايات التسويات الخادعة، سقطت راية فلسطين في قلب الأمة أكثر.
نكبة فلسطين ليست فقط في الأرض التي اغتصبها الاحتلال، بل في العقول التي انهزمت قبل أن تقاوم. الاحتلال لم يكن ليحقق نجاحاته الكبرى لولا تلك العقول المنبطحة التي آثرت السلامة على الكرامة، والمصلحة الشخصية على المبادئ، والعمالة على المواجهة.
في وقت تخاذلت فيه الأنظمة، كانت فلسطين وحدها على خط النار. أطفال الحجارة وشباب المقاومة هم من رفعوا راية الأمة التي أسقطها حكامها. بينما انشغل البعض بتبرير الخيانة، وقف الفلسطينيون، رجالاً ونساءً، يقاتلون عن شرف الأمة وكرامتها.
نكبة العرب ليست فقط في احتلال فلسطين، بل في انحراف البوصلة. بدلاً من مواجهة العدو الحقيقي، غرقوا في صراعات داخلية، وتآمروا بعضهم على بعض، وأصبحوا أدوات بيد الصهاينة، ينفذون مخططاتهم دون أن يدركوا أنهم بذلك يدمرون أنفسهم.
العرب الذين كنا نظنهم سنداً لفلسطين، باتوا عبئاً عليها. بدلاً من أن تكون فلسطين قضيتهم الأولى، أصبحت ملفاً جانبياً يستخدمونه للمزايدات السياسية أو يغلقونه بحجة المصالح الوطنية.
رغم كل ما حدث، تبقى فلسطين هي جوهر الصراع، والمعيار الذي يحدد به التاريخ مواقف الرجال والأمم. من خان فلسطين، خان أمته ودينه. ومن وقف مع فلسطين، وقف مع الحق والعدل. وعلى الرغم من التآمر والخيانة، لا تزال فلسطين حيّة في قلوب الشرفاء. لا تزال المقاومة تثبت أن النكبة الحقيقية ليست في الاحتلال، بل في الاستسلام له.
إن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير العقول والأنظمة. النكبة الحقيقية ليست في سقوط الأرض فحسب، بل في سقوط الإرادة والكرامة. حين يستعيد العرب وعيهم وإيمانهم، وحين يطهرون صفوفهم من الخونة والمطبعين، سيعود الحق إلى نصابه، وستتحرر فلسطين من الاحتلال، كما ستتحرر الأنظمة من عبوديتها للصهاينة.
فلسطين ليست نكبة، بل هي شرف الأمة المعلق. والخزي كل الخزي لمن اختار أن يسقط في وحل العمالة، بينما تظل فلسطين تقاوم وتنتصر، وليست وحدها، بل أحرار اليمن يقفون معها وكل محور المقاومة.

أترك تعليقاً

التعليقات