العقوبات الأمريكية ليست قدراً
 

د.ميادة رزوق

د. ميادة إبراهيم رزوق أكاديمـية وكاتبة سورية -

يُعد قانون قيصر وتمديد العقوبات الأوروبية على سورية لعام جديد، وبما يخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، إمعاناً في الإرهاب الاقتصادي الأمريكي والنفاق الغربي لرافعي شعارات الحرية وحقوق الإنسان، لتجويع وتركيع الشعب السوري، وتفجير الساحة الداخلية، وانهيار الدولة الوطنية السورية قبل انتخابات الرئاسة السورية في العام المقبل، لترصيد النقاط في آخر أوراق الأمريكي في المنطقة بعد خسارة رهاناته بالتغيير الجيوسياسي باستخدام الحرب الإعلامية والقوة العسكرية وتحشيد وحوش الأرض من عصابات إرهابية تكفيرية، ومليارات الدولارات، لتقسيم وتمزيق المنطقة وفق الأجندة الصهيوأمريكية.
تتماهى دول الاتحاد الأوروبي مع الإملاءات الأمريكية في كافة الملفات الإقليمية والدولية، بما فيها بروباغندا الحصار والعقوبات على الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية، دون أن تمتلك سياسة خارجية موحدة مستقلة تحقق مصالحها الذاتية في علاقاتها الدولية رغم إمكاناتها الاقتصادية، فأكثر من 50 قاعدة ووحدة عسكرية أمريكية تنتشر على كامل مساحة القارة العجوز كفيلة بالتبعية الأوروبية العمياء للإرادة والإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني، بما يحقق علاقة وثيقة بين النخب الأوروبية والأمريكية التي تتوزع على طرفي الأطلسي، ليكون الاختلاف بينها ببعض التفاصيل، وليس في الجوهر والبعد الجيوسياسي، بل بتكامل كبير ووحدة حال في سياسة الهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها.
عبّدت إيران الطريق لكسر الحصار والعقوبات الأمريكية، بعبور سفنها النفطية المحيطات والبحار والمضائق إلى المياه الإقليمية الفنزويلية، غير آبهة بالتهديدات الأمريكية، التي لم يتخط ارتفاع سقفها أمواج المحيطات التي رافقت الناقلات النفطية، مع الإعلان أنها مستمرة بتزويد كراكاس بشحناتها النفطية إذا طلبت ذلك. كما أعلن وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان، إبرام عقد مدته عامان بتصدير الكهرباء الإيرانية إلى العراق، مع الالتزام بمساعدة العراق بخطة لإصلاح منظومة الكهرباء، رغم أن الإعفاء الأمريكي من العقوبات لاستيراد العراق الكهرباء من إيران مدته 120 يوماً، كل ذلك في ظل العقوبات الأمريكية لحظر شراء الطاقة الإيرانية.
تزامن التحدي الإيراني في عشية تطبيق قانون قيصر، بآخر روسي تمثل بتسليم الجيش العربي السوري وفي إطار التعاون التقني بين روسيا وسورية، الدفعة الثانية من طائرات "ميغ 29" المتطورة، ضمن مراسم رسمية في قاعدة حميميم الجوية، حيث تستخدم هذه الطائرات للقتال الجوي وحماية الأجواء السورية من الانتهاكات، وتتميز بقدرة مناورة عالية، وذلك في رسائل موجهة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والكيان الصهيوني بتقوية القدرات الجوية السورية لمواجهة أي اعتداء على سيادة الأجواء السورية، وبما يؤكد أيضاً استعادة الجيش العربي السوري عافيته بعد الإنجازات والانتصارات التي حققها، وإعادة بناء قدراته وبالتعاون مع الحليف الروسي الذي مازال يزوده بأسلحة جديدة ومتطورة من "S300" إلى منظومات "بانسر"، إلى طائرات "ميغ 29" المحدثة، والتي أصبحت من أفضل الطائرات وتضاهي من حيث الجودة والقدرات القتالية طائرات الـ"F16" التي تمتلكها كل من تركيا وكيان العدو الصهيوني. كما وسع الحليف الروسي حضوره العسكري وبالاتفاق مع الدولة السورية في أكثر من مكان، بإطار وظيفي قادم في إجهاض مفاعيل قانون قيصر، من قاعدة حميميم الجوية إلى قاعدة طرطوس البحرية إلى مطار القامشلي العسكري، وترافق ذلك أيضاً مع وصول شحنة المساعدات الطبية الصينية لوزارة الصحة السورية (أجهزة ومعدات وقائية للكوادر الطبية أثناء عملها في المشافي لمواجهة وباء كورونا).
وبالتالي يمكننا القول إن ما سبق تمهيد لتحدي العقوبات الأمريكية في عشية تطبيق قانون قيصر، ويمكن استمرار كسر هذه العقوبات وتفريغها من مضمونها وفق رؤيتين:
• رؤية بالمدى المنظور تقوم على الاستفادة من التجربة السورية الذاتية السابقة بعد بدء فرض العقوبات الأمريكية عام 1979، ومن تجارب الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية (إيران وكوبا وفنزويلا و..) في تجاوز العقوبات، بالعودة إلى الاكتفاء الذاتي الزراعي والصناعي، والاعتماد على الورشات الصغيرة ودعم المبادرات الفردية، وتطوير الصناعات الداخلية والحرف الصغيرة، للنهوض بالاقتصاد الوطني والاستغناء عن الواردات الأجنبية، وتعاون الحلفاء في استمرار تقديم الدعم، من خلال إعادة تفعيل الخطوط الائتمانية الإيرانية، أو الدعم بالمحروقات، والمساعدات الروسية والصينية الطبية والعلمية والبعثات الدراسية والتدريبية، مع المضي بتحرير الجغرافيا السورية من مجاميع العصابات الإرهابية التكفيرية، وكل من الاحتلال التركي والأمريكي، وعودة الخيرات السورية الزراعية والثروات الباطنية إلى قبضة الدولة السورية. 
• أما الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى فتعتمد على التكامل الاقتصادي بين الدول الحلفاء التي تعاني جميعها من العقوبات الأمريكية، ضمن منطقة جغرافية واسعة تمتد من روسيا إلى أوراسيا إلى منطقة الخليج العربي وسواحل البحر الأبيض المتوسط، يسكن فيها مئات الملايين من البشر، وفيها الموانئ ومكامن النفط والغاز والمصانع، ترتبط مع بعضها البعض بشبكة من خطوط السكك الحديدية من خلال: 
1 ـ العمل بشكل مكثف على إتمام تنفيذ مشروع "شمال ـ جنوب" بين روسيا وإيران وأذربيجان، الذي سيربط روسيا وشمال أوروبا وعبر ممر إيران وأذربيجان بدول جنوب المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا، بشبكة من السكك الحديدية. 
2 ـ إنجاز الطريق البري (إيران ـ العراق ـ سورية) الذي يربط إيران بالسواحل السورية على البحر المتوسط، وأيضاً من خلال شبكة سكك حديدية. 
3 ـ إنجاز مشروع الحزام والطريق، أكبر المشاريع التجارية في العالم. 
مما يشجع وينشط التجارة البينية بمئات الملايين من البضائع والسلع، مع المشاريع والاستثمارات الصينية والروسية في الإقليم، في ظل تآكل الهيبة وتحطم الهيمنة الأمريكية، وانهيار مكانة الدولار العالمية، والتسريع لإقامة نظام عالمي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً لشعوب العالم وقضاياها.

أترك تعليقاً

التعليقات