د.ميادة رزوق

د. ميادة رزوق - كاتبة سورية -

كانت الأهمية الاستراتيجية لتركيا خلال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، تتلخص في مواجهة الخطر الشيوعي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة «سد المنافذ»، والتي وفرت لتركيا دوراً مهماً، ولم ينته دورها بنهاية هذه الحرب، بل انتقل الى مرحلة أخرى، خصوصاً بعد أحداث الـ11 من أيلول/سبتمبر عام 2001، وكجزء أساسي من حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وأحد المفاتيح الاستراتيجية في المنطقة الممتدة من أوروبا وحتى القوقاز مرورا بالبلقان والشرق الأوسط.
وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية طيلة نصف قرن مضى على توطيد علاقتها بأنقرة ودعمها عسكرياً واقتصاديا، وقد توطدت العلاقات بين البلدين خلال مرحلة الحرب الباردة وما بعدها، خصوصاً في ظل تكثيف الولايات المتحدة لوجودها في منطقة الشرق الأوسط عقب حرب الخليج الثانية عام 1990.
ومع بدء ما يسمى «الربيع العربي» تكشّفت أبعاد دور جديد لتركيا بزعامة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، في إطار أطماعها بمشروع العثمانية الجديدة، المصطلح الذي أطلقه فيلسوف تركيا ورجلها الثاني سابقاً أحمد داوود أوغلو، مع المخططات الأمريكية التي أتت نتيجة إقرار الفشل بالحروب المباشرة بعد هزيمتها في فيتنام والمستنقع الأفغاني والعراقي، فأوكلت مهمة تشكيل خلافة إسلامية إخوانية تسيطر على منطقة الشرق الأوسط تقودها تركيا تصل إلى جدران روسيا والصين، وتعمل على محاصرتهما باعتبارهما الخطر الأكبر عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وبالتالي السيطرة وفرض الإملاءات بمحدودية معدل النمو الاقتصادي الصيني حتى لاتستطيع البضائع الصينية منافسة البضائع الأوروبية والأمريكية في أفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى تطويق روسيا المنافس الرئيسي للولايات المتحدة بامتلاك منابع النفط والغاز في آسيا الوسطى وحول بحر قزوين وأنابيب الغاز التي تمتد منها عبر المياه الدافئة إلى الدول الأوروبية، وبالتالي السيطرة على مصادر الطاقة والاقتصاد الأوروبي، مما ينعكس على القرار الأوروبي.
فكان انتصار حلب السورية عام 2016 وتحريرها من العصابات الإرهابية التكفيرية المدعومة عسكريا ولوجستيا واستخبارتيا من قبل النظام التركي، إسفينا كبيرا يدق في تفاصيل هذا المشروع ويحكم عليه بالفشل، إلا أن تركيا استمرت بأساليبها العدوانية الإجرامية الاستعمارية مع الانتقال إلى سياسة اللعب على الحبال في علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، والنقض وعدم الالتزام بتعهداتها باتفافيات سوتشي وآستانة في مناطق خفض التصعيد في إدلب، والعمل على الاستمرار برعاية ودعم العصابات الإرهابية التكفيرية في معركة إدلب، مستخدمة آلياتها واستخباراتها وضباطها وجنودها، بالإضافة إلى الضخ الإعلامي والأخبار الكاذبة.
ومع المزيد من الخسائر والانكسارات على وقع ضربات الجيش العربي السوري، تبحث تركيا عن كل الوسائل لحفظ ماء وجه أردوغان أمام شعبه الذي يراقب مغامراته العدوانية الخاسرة.
فبعد الانتصارات المتلاحقة والسريعة للجيش العربي السوري في منطقة شمال غرب حلب ومنطقة إدلب، يجب أن تترجم وتصرف في الميدان السياسي الذي انعكس سياسيا واقتصاديا على الداخل التركي وبدأ حزب العدالة والتنمية يفقد سيطرته على إسطنبول التي سيطر عليها لمدة 25 عاما، بالإضافة إلى استقالة عدد من أعضائه وانخفاض عدد أعضاء الحزب خلال عام واحد بمقدار 788 ألفا.
ورغم ذلك يستمر تعنت رجب طيب أردوغان بالتورط أكثر في ملفات المنطقة بنقل جزء من المجموعات الإرهابية التكفيرية مع ضباط وعساكر أتراك إلى ليبيا لدعم فايز السراج ومن معه من مرتزقة ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، مكرساً مزيداً من الفوضى في المنطقة، وليحجز له موطئ قدم في شمال أفريقيا في إطار سياسة اللعب على الحبال والابتزاز السياسي والاقتصادي في بازار إرسال النازحين باتجاه الدول الأوروبية، وعودة الإرهابيين إلى الدول التي انحدروا منها في روسيا والصين وبقية دول آسيا الوسطى والقوقاز.. أملاً بأنه كلما ازداد انخراطه في ملفات الشرق الأوسط، ازداد الطلب الأمريكي عليه، وارتفعت أسهمه كحليف حتى لروسيا يجب استرضاؤه والاعتماد عليه في ملف التسويات وغاز شرق المتوسط.
(*) أكاديمية وكاتبة سورية

أترك تعليقاً

التعليقات

كمال نزيهة
  • الجمعة , 28 فـبـرايـر , 2020 الساعة 7:17:18 AM

بوركت جهودك إنها دراسة ورأي في محلّه وهذا فعلا دور العثماني في هذه المرحلة بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب الأمريكية لتقاسم المنطقة وما محاولات استغلال نقاط الضعف والدخول منها ( ليبيا) التعاون ودعم الإرهاب في سورية، استغلال تهجير الإرهاب لسكان بعض المناطق في شمال سورية... الخ دليل واضح وتأكيد لدوره كما تفضلتي بشرحه.. شكراً دكتورة ميادة