صفقة القرن من الألف إلى الياء
 

د.ميادة رزوق

د. ميادة إبراهيم رزوق- 

هي صفقة تصفية القضية الفلسطينية، انتهاك حقوق العرب وشرفهم وكرامتهم ومقايضتها بحفنة من أموالهم، هي ثمرة تنسيق بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني مع الكيان السعودي، وخصوصاً بعد فشل تحقيق مشروع «إسرائيل الكبرى» كما عرفها دافيد بن غوريون بأن حدودها حيث تطأ أقدام جنود جيوشها.
وتكرس هذا الفشل بالانسحاب المذل للعدو الصهيوني من جنوب لبنان دون قيد أو شرط عام 2000، وانسحابه من غزة عام 2005، وبدء تراجع قدرة الردع العسكرية بعد الهزيمة التي مني بها بعدوانه على جنوب لبنان في تموز/ يوليو 2006، لتسقط نظرية الاحتلال والقدرة العسكرية، وتُستبدل بمقايضة قدرة الردع العسكرية بدور قيادي اقتصادي أمني للكيان الصهيوني «إسرائيل العظمى» في نظام إقليمي جديد وفق نظرية الشرق الأوسط الجديد التي بشر بها شمعون بيريز خلال المؤتمر الاقتصادي حول الشرق الأوسط الذي انعقد في الدار البيضاء عام 1994، ليمرر مشروعه السياسي، الذي كانت بداية هندسته بوثيقة برنارد لويس «مخطط تقسيم الشرق الأوسط»، الذي نُشرَ في مجلة «كيفونيم» الصهيونية عام 1982.
مع تنامي ونهوض قوى محور المقاومة وازدياد قوتها وتعمق مآزق الكيان الصهيوني وفشل المخطط الرجعي 
 العربي في القضاء على قوى المقاومة (من سورية إلى العراق واليمن وحزب الله في لبنان حتى إيران التي أسقطت المهابة السعودية والإسرائيلية والأمريكية الداعم الأساسي وسبب استمرار وجود الكيان الصهيوني الغاصب حتى اللحظة..
فكان مشروع ترامب بصفقة القرن كتغطية ومواربة لسلسلة هزائمهم في المنطقة لصناعة «إسرائيل الصغرى» كدولة يهودية تقبع وراء الجدران عاصمتها القدس، تنعم بالاستقرار وتحظى بالاعتراف كجزء من مكونات المنطقة.
ولم يكن ليتم التجرؤ على إعلان هذا المشروع لولا خطوات تآمرية من قبل بعض الحكام العرب وقادة الفصائل الفلسطينية.. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن أول اعتراف عربي ضمني بوجود «إسرائيل» كدولة كان من خلال مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز، عام 1981، في القمة العربية في فاس، والتي انتهت بفشل كبير بسبب إصرار بعض الدول العربية (سورية، الجزائر، ليبيا، العراق، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية) على حذف البند السابع من المبادرة، والذي يتحدث عن اعتراف ضمني بإسرائيل، لكن أُعيد طرح المبادرة من جديد على قمة عربية ثانية عقدت في فاس بعد أشهر في 1982، ليتم اقرارها، إلا أنها فشلت وأصبحت طي النسيان بسبب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وتلتها اتفاقيات سلام (أوسلو 1) عام 1993م، و(أوسلو 2) عام 1995، وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع «إسرائيل» في مدينة واشنطن الأمريكية، تكرس الاعتراف بحق «دولة إسرائيل» في العيش بسلام وأمن، وتبعَ هذه الاتفاقيات المزيد من القمم «قمة كامب ديفيد 2000»، و»قمة طابا 2001»، إلى خارطة الطريق 2003، وجميعها تجاهلت وضع القدس وقضايا اللاجئين الفلسطينيين ضاربة قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط.
وأعيد طرح مبادرة أخرى في القمة العربية في بيروت عام 2002 ـ على خلفية أحداث انتفاضة الأقصى واجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدن الفلسطينية وتدمير البنية التحتية وقتل وأسر آلاف الفلسطينيين ـ من قبل الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، وسميت مبادرة السلام، والتي تعترف بـ»إسرائيل» كدولة، وتنتقص من حقوق الشعب العربي الفلسطيني، إلا أنها فشلت أيضاً بسبب اجتياح شارون للضفة الغربية بشكل كامل.
إلى أن تبلورت صفقة القرن بصيغتها الحالية بعد خطوات سبقتها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس اعترافاً منها بأنها عاصمة «إسرائيل» الأبدية، وأنَّ هضبة الجولان السورية المحتلة جزء من «دولة إسرائيل»، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والانسحاب الأمريكي من منظمة اليونيسكو، وقطع المساعدات المالية عن الأونروا والسلطة الفلسطينية، ليطرح جاريد كوشنير عقد ورشة المنامة الاقتصادية في البحرين في 25 و26 حزيران/ يونيو 2019، والتي شملت إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة كتمهيد لإعلان صفقة القرن، وتوافق ذلك مع العديد من الإجراءات والعلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والرياضية والدينية التطبيعية بالخفاء والعلن بين الكيان الصهيوني والعديد من الدول العربية، وخصوصاً الكيان السعودي.. وليس انتهاءً بتوقيع وإعلان المرسوم الإسرائيلي الذي يقضي بالسماح لليهود ولكل من يحمل الجواز الإسرائيلي بالسفر إلى السعودية لأغراض تجارية ودينية.. وما نتج عن هذا المرسوم بالمغادرة إلى المملكة العربية السعودية بشكل علني لأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني، علما أن السلطات الإسرائيلية كانت تمنع السفر للسعودية بالجواز الإسرائيلي، وكان السفر العلني غير الرسمي مقتصراً على فلسطينيي 48 لأداء مناسك الحج والعمرة بموجب الوصاية الأردنية، مما يعني أيضاً العمل على تقويض الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمقدسات الدينية وفق اتفاقية وادي عربة 1994.
لا يمكن وصف هذه الصفقة إلا بـ»وعد بلفور 2» الذي نفذت بريطانيا نسخته الأولى ورعته الولايات المتحدة الأمريكية.. إلا أن النسخة المجددة التي يحاول ترامب تمريرها مصابة بفراغ وتوعّك طالما هي مطوقة بالرفض الفلسطيني المتمسك بإنجازات محور المقاومة وخيارات المواجهة.
(*) كاتبة سورية

أترك تعليقاً

التعليقات