هل تتحول الحرب بين «إسرائيل» وإيران إلى حرب عالمية ثالثة؟
- صريح صالح القاز الأثنين , 16 يـونـيـو , 2025 الساعة 2:00:01 AM
- 0 تعليقات
د. صريح صالح القاز / لا ميديا -
من البديهي أن الحرب العالمية ليست مجرد صراع شديد أو حرب في نطاق إقليمي، بل نزاع شامل تشترك فيه قوى كبرى في النظام الدولي، وتُعيد تشكيل موازين القوة العالمية (كما حدث في عامي 1914 و1939).
فالحرب الراهنة حتى اللحظة، ومهما اشتدت، ستبقى ثنائية إقليمية، ولا نتوقع أن تكون حرباً عالمية ثالثة؛ للأسباب والعوامل الآتية:
1 - عدم وجود اصطفاف عسكري مباشر بين القوى الكبرى، أو تحالفات وثيقة، ثلاثية أو رباعية أو أكثر، بين الدول الإقليمية والدولية، محكومة بمعاهدات واتفاقيات، كما كان الحال قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ففي الحرب العالمية الأولى، كان هناك "التحالف الرباعي" (ألمانيا - النمسا - المجر - إيطاليا) في مواجهة "وفاق ثلاثي" (بريطانيا - فرنسا - روسيا)، وفي الثانية، تحالفت ألمانيا النازية مع إيطاليا واليابان ضمن محور عسكري واضح.
أما اليوم، فرغم الإسناد الذي تقدمه أمريكا لـ"إسرائيل"، إلا أنها لا تتدخل بصورة عسكرية مباشرة، وكذلك الحال مع روسيا والصين كدولتين عظميين لم تدخلا عسكرياً إلى جانب إيران، رغم التعاطف الدبلوماسي أو الدعم التقني غير المباشر.
فأمريكا تُركّز قبل كل شيء على ضبط تحركات وأنشطة الصين في المحيطَين الهادئ والهندي، ولا ترغب في فتح جبهة صراع ثانية في ما تسميه "الشرق الأوسط"، حيث توجد قواعدها العسكرية ومصالحها الاستراتيجية وحلفاؤها التقليديون.
وروسيا الغارقة في أوكرانيا لا ترغب هي الأخرى في الانخراط في صراع لا يشكل لها الأهمية أو الأولوية ذاتها التي تشكلها المعركة مع كييف.
أما الصين، فلا يهمها شيء حالياً أكثر من مشروعها "الحزام والطريق"، الذي من أهم عوامل نجاحه هو الاستقرار في المنطقة العربية أو الشرق الأوسط، فضلاً عن أن توسع الصراع وضرباته قد يمنع تصدير النفط الإيراني الرخيص إليها، ما سينعكس سلباً على اقتصادها وتوازنها التجاري عالمياً.
والدول الأوروبية، غير موحدة عسكرياً، وغير متفقة في الرؤى والتصورات، ومن ثم لا تكترث كثيراً لما يجري بين إيران و"إسرائيل"، لأسباب كثيرة، أهمها وجود تيار سياسي محافظ ورأي عام أوروبي يؤيد الفكرة التي تقول: "إذا ما كانت الدول الأوروبية ترغب في أي تدخل عسكري، فالأولى والأجدر بها أن تدافع عن ذاتها فقط، أو تدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا".
كل ما سبق، إلى جانب الوضع الاقتصادي الأوروبي المضطرب نتيجة تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، هو ما جعلنا نتصور استمرار هذا الموقف الأوروبي الحذر.
2 - الردع النووي المتبادل: "إسرائيل" تُعتبر نووية، ولو أنها لم تعلن عن ذلك. وإيران، رغم أنها لم تعلن امتلاكها قنبلة نووية، إلا أنها تملك المعرفة والمقدرة على صناعة واحدة بسرعة وفي وقت قياسي، فضلاً عما نتوقعه بحوزتها من ترسانة صاروخية بالستية هائلة.
هذا التوازن في الردع يُذكّرنا جزئياً بما عُرف خلال "أزمة الصواريخ الكوبية" عام 1962، حين كاد التوتر النووي بين واشنطن وموسكو أن يتسبب في حرب عالمية ثالثة؛ لكن الردع النووي المتبادل حينذاك حال دون الانزلاق إلى المواجهة.
وهكذا قد يعمل الردع النووي، إلى حد ما، على فرملة الطرفين من الانزلاق نحو الوضع السياسي والعسكري المجهول.
3 - الطبيعة الثنائية المحدودة للصراع (حتى الآن) بين "إسرائيل" وإيران، حيث لا يوجد تدخل عسكري إلى جانب إيران سوى من اليمن - رغم بعدها؛ إذ لا يوجد هجوم على العمق "الإسرائيلي" من حزب الله في لبنان، ولا من الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران.
كما أن إيران لم تستهدف بشكل مباشر أيّاً من القوات أو القواعد الأمريكية في المنطقة، ولم تقم بإغلاق مضيق هرمز، ولم تقم أمريكا من جانبها بإغراق أي سفينة إيرانية مثلاً، ما يشي بأن قواعد الاشتباك لا تزال مضبوطة.
هذا يعكس ما يُسمى في الاستراتيجية العسكرية بـ"الحرب بالوكالة"، حيث لا تتواجه القوى الكبرى مباشرة، بل تُخاض المعركة عبر أطراف محلية أو إقليمية.
4 - الوهن داخل الدول الإقليمية الحليفة لكل من أمريكا وإيران: فدول الخليج لا ترغب في أي تصعيد ضد إيران، خشية ردود الفعل العسكرية والاقتصادية، وسورية في حالة إنهاك وغير قادرة على الدخول في أي صراع عسكري، والعراق يعاني من انقسام سياسي داخلي لا يسمح له بأي تدخل مباشر مع أو ضد. أما تركيا فهي كعادتها تمسك العصا من الوسط.
يمكن القول: إن الصراع بين إيران و"إسرائيل"، رغم حساسيته وما يشهده من تصعيد، ما زال يُدار حتى الآن وفق صيغة "الحرب المضبوطة"، وليس "الانفجار الكوني".
لأن اللاعبين الكبار لا يريدون حرباً عالمية؛ لكونهم ليسوا مستعدين لها اقتصادياً، ومتخوفين من نتائجها النووية، وحريصين على ألا يتجاوز التصعيد قواعد الاشتباك الراهنة.
ورغم كل ما سلف، فإن الخطر سيظل قائماً إذا ما حصل خطأ استراتيجي قاتل، مثل ضربة نووية، أو هجوم سيبراني مفاجئ، أو اندفاع أحد الأطراف (إيران، أو "إسرائيل" أو أمريكا)، في لحظة غضب فارقة، لتحويل حالة الحرب من حالة "الحرب المضبوطة" إلى حالة "الانتقام الوجودي".
كأن تقوم إيران مثلاً باستهداف منشأة "ديمونا" النووية "الإسرائيلية" مباشرة، ما قد يجعل "إسرائيل" تقوم برد نووي تكتيكي تقريباً، الأمر الذي قد يدفع الصراع إلى نقطة اللاعودة.
المصدر صريح صالح القاز
زيارة جميع مقالات: صريح صالح القاز