صريح صالح القاز

د. صالح صريح القاز / لا ميديا -
لما كانت «إسرائيل» وما زالت عبارة عن كيان استيطاني دخيل وطارئ على المنطقة العربية وهويتها وخصوصياتها، ولما كان أعضاؤها متعددي الثقافات والتوجهات السياسية والفكرية لم يجمعهم من قبل لا وطن واحد ولا هوية واحدة لكونهم من بلدان وشعوب وثقافات مختلفة، فإن ذلك دون شك قد جعل «إسرائيل»، قيادةً ومجتمعات، تعيش هاجس التهديد الوجودي.
ولما كان الأمر كذلك، فقد كرّس الآباء الصهاينة المؤسسون من النخبتين السياسية والعسكرية، ومن سار على شاكلتهم حتى اليوم، جهودهم لفعل ما يضمن تجذير وجود هذا الكيان وحمايته من جميع المهددات الوجودية في المنطقة.
إذ عملوا -وما زالوا- على التمسك ببقاء وحيوية العديد من المقومات، التي من أهمها مقومان رئيسيان:
• المقوم الردعي: يهدف إلى جعل الذهنية العربية والإقليمية تظل مقتنعة بأن «إسرائيل» قادرة على ضرب أي مهدد، كيفما كان وحيثما كان، وأن لديها من التفوق والقدرات والميزات العسكرية والتقنية والاستخباراتية والدعم الغربي، بم فيها السلاح النووي، ما لا يفوقها فيه أحد.
لأن ترسيخ مثل هذا الاعتقاد، حسب «إسرائيل»، هو ما سيمنع عنها التهديدات والأخطار الخارجية، سواء كانت حقيقية أو محتملة، مما يجعل مَن تعتبرهم أعداؤها، أكانوا فلسطينيين أو غيرهم، يصابون بالإحباط وفقدان الأمل في هزيمتها أو إيقاف مشاريعها الاستيطانية، حتى تستمر في إدارة الصراع سلماً وحرباً وفق إرادتها وتصوراتها.
• المقوم الأمني: يهدف إلى ديمومة شعور المستوطن «الإسرائيلي» بأن السلطة «الإسرائيلية» قادرة على حمايته وحماية ممتلكاته، ولديها من الإمكانيات العسكرية والأمنية والاستخباراتية ما يؤهلها لضمان ذلك.
وهذا المقوم على قدر كبير من الأهمية؛ لأن شعور المستوطنين بالأمان الشخصي والاقتصادي والسياسي هو أساس بقائهم. فلو تبين لهم أن سلطتهم باتت غير قادرة على تأمين حياتهم حاضراً ومستقبلاً، فإنهم سيتراجعون عن البقاء أو الاستمرار داخل فلسطين المحتلة، وسيكون خيار الرحيل إلى بلدانهم الأصلية هو الأنسب للحفاظ على حياتهم وحياة أولادهم وأموالهم ومستقبلهم التعليمي والاقتصادي، خاصة وأن للعديد منهم جنسيات بلدانهم الأصلية.
 لأن هذا المستوطن أو ذاك لا يمكن أن يغامر بالبقاء في فلسطين المحتلة وهي تسير نحو المجهول المركب، ولديه الكثير من الفرص البديلة الميسرة.
وبما أن ما سبق سيؤدي إلى تفريغ المستوطنين من فلسطين المحتلة تدريجياً، الأمر الذي يمس مكانة «إسرائيل» ووجودها، فإن سلطة الاحتلال لطالما حرصت على الظهور أمام مستوطنيها بمظهر القوي المتمكن على مجابهة كل التحديات، والذي لن يقبل الهزيمة، ولو كلفها ذلك أثماناً باهظة وخسائر فلكية.

أترك تعليقاً

التعليقات