هاني شاهين

هاني شاهين / لا ميديا -
تحالفات سياسية وتمويلات بمليارات الدولارات تفتح الباب لقراءة أدوار مشبوهة في تفتيت الشعوب العربية، من اليمن إلى ليبيا وسورية وفلسطين ولبنان والعراق والسودان.
في ظل التحولات الجذرية التي شهدتها المنطقة العربية خلال العقدين الأخيرين، لم تعد التحالفات الإقليمية مجرد خيارات دبلوماسية، بل تحوّلت إلى أدوات حسم في مشهد الصراع العربي - العربي. ومن بين أبرز اللاعبين الذين تركوا بصمات واضحة -بل دامية- في جسد الأمة العربية، تبرز السعودية والإمارات وقطر كأطراف رئيسية، لا بوصفها ضحية للتدخلات الأجنبية، بل كمشاركين نشطين في صنع المأساة.

السعودية: تريليونات من أجل العرش.. لا من أجل اليمن
منذ العام 2015، تقود المملكة السعودية تحالفاً عسكرياً في اليمن بزعم دعم الشرعية؛ لكن النتائج على الأرض رسمت صورة مغايرة تماماً. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية صنّفت الأزمة اليمنية كواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، وسط اتهامات مباشرة للسعودية باستخدام أسلحة محظورة واستهداف منشآت مدنية.
دفعت الرياض أكثر من 100 مليار دولار على الأقل في شراء السلاح الأمريكي والبريطاني منذ بداية الحرب، بحسب تقارير صحفية غربية، ما يعكس استعداداً غير محدود لحماية النظام، ولو على حساب تمزيق بلد فقير كاليمن.

الإمارات: طموحات إمبراطورية على أنقاض الدول العربية
الإمارات، التي باتت تُعرف في الأوساط الدولية بـ»دولة الموانئ والمليشيات»، تبنّت سياسة توسعية عبر وكلاء محليين في دول عدة، من اليمن إلى ليبيا، ومن القرن الأفريقي إلى شمال أفريقيا.
في ليبيا، لعبت دوراً بارزاً في دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالسلاح والمال، متحدية قرارات مجلس الأمن بحظر التسليح. كما أن تقارير لجنة العقوبات الدولية أكدت استخدام الطائرات الإماراتية المسيّرة في استهداف المدنيين في طرابلس.
وفي اليمن، تبنّت الإمارات أجندة موازية للسعودية، إذ سعت إلى تفكيك اليمن الجنوبي والسيطرة على موانئه الحيوية، كعدن وسقطرى، وهو ما أوجد توترات حتى داخل التحالف العربي نفسه.

قطر: الوجه الإعلامي والدبلوماسي للفوضى
رغم حجمها الصغير جغرافياً، إلا أن تأثير قطر في المشهد العربي تجاوز الكثير من الدول الكبرى، خاصة من خلال أداتها الإعلامية النافذة وقوتها المالية الضخمة.
خلال موجة «الربيع العربي»، دعمت قطر عدداً من الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ومولت فصائل مسلحة في سورية وليبيا، تحت عنوان «دعم الثورات»؛ لكنها كانت تُتهم في الوقت نفسه بتمويل جماعات متطرفة مصنفة دولياً.
في سورية، وُجّهت أصابع الاتهام إلى الدوحة بدعم مجموعات مثل «جبهة النصرة»، الأمر الذي أثار حفيظة حلفاء دوليين لاحقاً، وأجبرها على مراجعة خطابها السياسي جزئياً، دون أن تتخلى عن دورها في التأثير على الداخل العربي.

من يدفع أكثر يبقَ أكثر
رغم اختلاف الأساليب، فإن ما يجمع هذه الأنظمة الثلاثة هو الخوف العميق من فقدان الحكم، وهو ما جعلها مستعدة لضخ تريليونات الدولارات في خزائن القوى الغربية، تحديداً الولايات المتحدة، لضمان «الحماية».
بحسب تقديرات غير رسمية، بلغت الأموال التي دُفعت من الخليج للغرب خلال العقدين الأخيرين أكثر من أربعة تريليونات دولار، لم تُستثمر في تنمية حقيقية أو دعم الشعوب العربية، بل صُرفت على صفقات سلاح، ودعم تحالفات أمنية، وتثبيت نفوذ في ساحات ملتهبة.

من اليمن إلى فلسطين.. الخراب برعاية عربية
لم تسلم دولة عربية واحدة من تبعات هذه السياسات:
• اليمن دُمّر بفعل الحرب الخليجية المفتوحة.
• ليبيا أُغرقت في فوضى بسبب التدخلات الممولة خليجياً.
• سورية تحولت إلى ساحة صراع دولي بمباركة قوى عربية.
• السودان ظل رهينة للانقلابات بدعم من محاور خليجية متضاربة.
• الصومال والجزائر ولبنان تأثرت بأشكال متعددة من التمويل والتدخل.
• فلسطين باتت في خلفية المشهد العربي، بعد تطبيع علني شجّع الاحتلال على مزيد من التوسع.
أما مصر، فلا تزال ساحة تجاذب وتأثير، وسط دعم خليجي واضح لنظام الحكم القائم، وتدخل في سياساتها الاقتصادية والإعلامية.

خاتمة: لا تحرر دون كشف الدور العربي التخريبي
إذا كان الغرب يُلام على تاريخه الاستعماري وتدخله المتكرر في شؤون العرب، فإن من الإنصاف أيضاً إلقاء الضوء على الدور الداخلي -العربي- في تفكيك العالم العربي.

أترك تعليقاً

التعليقات