تسطيح الفكر والقضايا
 

مجاهد الصريمي

مجاهــد الصريمـي / لا ميديا -
النزوع إلى السطحية مع المساعي المحمومة لتعميمها على الواقع كله وفرضها كنافذة وحيدة للإطلالة على كل شيء من حولك، والعمل على برمجة العقول وتسخير المواهب والأفكار في سبيلها، من أجل أن تصير هذه السطحية هي القيمة التي تحاكم بموجبها العقول وتحتكم إليها الأفهام، وتُرَبى وتساغ وفقها الأذواق وتتأطر بإطارها، بات اليوم أكثر كثافة وحدية أكثر من أي وقتٍ مضى، على الرغم من أن هذه المرحلة أخصب مرحلة عرفها اليمانيون بعد مرحلة صدر الإسلام التي ميزتهم عن سواهم من سكان الجزيرة العربية من ناحية تلقيهم لهذا الدين في كماله وصفائه وطهارته وشموليته من قبل أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، ولسنا هنا نتحدث من واقع الخيال النزاع أبداً نحو عالم الأحلام المحاط بفضاءٍ من الشاعرية، بل نتحدث من واقع الإحساس بهذه المرحلة وعلى أساس الإدراك لكُنْهِ عظمتها من خلال المعايشة لجميع تفاصيلها والمشاهدة الحية التي ترينا مقدار ما لها من أهمية بالتجربة المتحركة في أكثر من صعيد لعل أوضحها بياناً التجربة الجهادية والعسكرية وما قدمته وتقدمه في ساحة المعركة التحررية العادلة.
نعم، هذه المرحلة أخصب المراحل التي عشناها أو قرأناها في كتب التاريخ، وعامل قوتها وباعث النماء والخصب في كل جوانبها هو كتاب الله سبحانه، الذي يصنع لدى من عرف باب الدخول إلى عوالمه الرحبة الشخصيةَ المتوازنة الواعية التي تتحرك وفق نظام معرفي متكامل لا مجال فيه لبقاء ذرة من جهل أو غفلة، لأن هذا الكتاب يقرر أن معرفة الخالق لا تتأتى إلا بمعرفة المخلوق لذاته ومعرفته لكل الظواهر الكونية وكل الموجودات من حوله، المعرفة التي لا تصدق على هذا أو ذاك إلا بمستوى ما يقوم به من عمل ويبذله من جهد من أجل جعل كل ما سخره الله له في السماوات والأرض مواد تربوية وعلمية وإيمانية تبني الحس والعاطفة وتنمي الفكر والإرادة.
من هنا نعرف أن دعاة التسطيح للفكر وللقضايا وللأحداث لا يصدرون عن النهج ولا يعبرون عن الخط ولا يعيشون أدنى التزام حقيقي بالإيمان بالله سبحانه بمفهومه العام، صحيح قد يكونون مؤمنين ولكن إيمانهم ظل عبارة عن معلومات وعوامل حال بينها وبين التحول إلى برنامج ونظام فكري وعملي وأخلاقي ومعرفي عامل الطمع والأنانية والحسد وحب الذات، تماماً كما هو الحال لدى إخوة نبي الله يوسف (عليه السلام)، وهم اليوم كثر، إذ بإمكانك التدليل على كثرتهم بعدد القمصان التي يجيئون بها تباعاً إلى مقام القيادة والثورة والشعب بعد أن ضمخوها بدمٍ كذب.

أترك تعليقاً

التعليقات