ورد ومورد «الحلقة الثانية»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، والحمد لله الذي حبانا بدينه واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه. حمداً يتقبله منا ويرضى به عنا حمداً دائماً على نعم دائمة لا تنقطع.
لعل أول ما يجب أن نقف عنده في ما توحي به هذه الومضة هو ما تدل عليه كلمة الحمد في ما اشتملت عليه من تطلع دائم على الله سبحانه وتعالى، فلولاه لما انطلقت كلمة الحمد مشتملة على قيمة الهداية التي هدى الله سبحانه الإنسان إليها من خلال ما أودعه الله في تركيبة هذا الإنسان من وسائل وأدوات توصله إلى درجة الكمال في معرفة ربه والإدراك لسعة ملكه، ومدى عظمته ودوام سلطانه، وعلو شأنه.
فكل وسيلة يتسنى للإنسان من خلالها الحصول على معرفة، والوصول إلى منزلة كالسمع والبصر والإحساس والإدراك، كلها حقائق تجعل الإنسان يشعر بعظمة وفضل من زوده بها ووهبه إياها. من هنا نكتشف أن الإنسان لو التفت فقط إلى نفسه، وتأمل في ذاته، لما احتاج لمن يوقظه من سبات نومه، ويخرجه من ضلال غفلته، وأودية تيهه وتخبطه في هذه الحياة، ولاستوعب أول ما يجب استيعابه، وهو التذكر الدائم لله من خلال التفكر بإحسانه إليه وتفضله عليه ولطفه به ورحمته له، ثم تتعزز هذه المضامين عندما ينظر أحدنا في الكون من حوله وحركة الحياة في هذا الكون، فيتوصل بعد ذلك إلى أن كل ما لديه من نعم خاصة وعامة هي مما تفرض عليه أن يكون الحمد لله ملازماً له ومتداخلاً به وصادراً عنه.
وكلما شعر بحجم إحسان الله إليه تحرك ليؤدي شكره لله على ما من به من إحسانه عملياً في كل ساحات العمل والقيام بواجبه كعبد لله وكفرد ضمن أمة تدين بدين الله جاعلاً من إحسان الله إليه منطلقاً لتحويل كل حياته وحركته، إحسان في كل شيء وإلى كل الناس والخلق لأنه يطمح لنيل ذلك الجزاء الذي اختص الله به المحسنين، ولذلك أصبح دائم السعي ليكون واحداً منهم وداخلاً في عدادهم، لأن الإحسان باختصار طريق الحصول على رضى الله وسبيل الوصول إلى جنته، ثم ينطلق الحمد لله من جديد بكل معانيه ليقدم مصاديق الوعي به من خلال تحويله إلى شكر في سياق عملي وضمن حركة فعالة، وذلك عندما يعي الإنسان أسس كمال هذا الدين الذي حباه الله به، فهو سبيل الحصول على السعادة في الدنيا والآخرة في ما تضمنه من نهج وعقيدة وأفكار وتعاليم وقيم أنزلها الله في كتابه الذي أُنزل على رسوله صلى الله عليه وآله.
من هنا يعمل على صياغة نفسه على أساس الدين ويربيها وفق ما تقتضيه هذه الملة التي اختصه الله بها لكي لا يضيع في الفراغ ويتبخر عند التحديات.

أترك تعليقاً

التعليقات