في الخانة الأسوأ
 

وائل إدريس

وائل إدريس / كاتب يساري ليبي -

إذا كان التواجد الإيراني في العراق المحاصر أمريكيا منذ عقود، والذي تقابله القواعد الأمريكية المحيطة به من كل الاتجاهات، وعلى رأسها الموجودة في العراق، هو احتلال إيراني للعراق ويجعله مساوياً للأمريكي برأي بعض العملاء من الخضر وتيار الإمارات، أو حتى البعثيين أو اليسار العربي... الخ، فهذا يعني أن التواجد الليبي في تشاد هو المرتبة نفسها من التواجد الفرنسي والأمريكي هناك حينها وفي أفريقيا كذلك!
هذه القراءة بعيدة كليا عن فهم الصراع في العالم، وهي لا تفهم معنى الهيمنة وعندها كل تواجد تاريخي لقبائل أو مجتمعات في جغرافيا أخرى استعماراً مهما اختلف السياق التاريخي والعوامل الاقتصادية كطبيعة الإنتاج الرأسمالي، وهذا سيقودهم بالضرورة إلى تناقض وجهل فاضح، فعلى هذا المعيار سيقال بأن دخول الجيش الشعبي الصيني في كوريا عندما كانت كوريا مهددة بالحرب الإمبريالية الأمريكية في مطلع الخمسينيات احتلال أيضا من وزن الأمريكي نفسه يومها، وهذا الكلام يومها يعني بالضرورة دعم الأمريكي للسيطرة على كامل كوريا.
وكذلك الحال في فيتنام، إذا اعتبرنا أن الدعم الصيني والسوفييتي لقوات هوشي منه مشابهاً تماما لتواجد القوات الفرنسية والأمريكية في سايغون. وهذا الرأي يعني بالضرورة دعم الهيمنة الغربية على فيتنام.
لذلك ننطلق دوما من فهم أن الكوكب لا يمكن أن تكون كل دوله أعداء في اللحظة ذاتها. وهذا الكلام في سخفه يعني أنه يدفع لنتيجة قطعية واحدة وهي دعم الهيمنة ضدك. فأنت لا تستطيع أن تقاتل دولة غربية واحدة فكيف بعد أن حولت العالم كله إلى أعداء في اللحظة ذاتها. لهذا سبق وتحدثنا أن هناك تناقضاً رئيسياً وهناك تناقضات ثانوية (على اعتبار أن هناك تناقضات ثانوية دائمة في كل صراع كمثال) وأن المركز الرأسمالي متمثل في الدول الغربية التي تنهب هذا العالم وهي من تملك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتطور مركزها على حساب تخلف الأطراف والهيمنة عليها.
لذلك ببساطة فإنك ستجد هذه الدول خلف الانقلابات والحروب في معظم العالم، وهي ذاتها الدول الاستعمارية السابقة، وهي بتعريف لينين في أعلى مراحل الرأسمالية، وبتعريف سمير أمين قائمة على التبادل اللامتكافئ مع دول الأطراف، وهذه الأطراف تشمل جميع الدول خارج المركز الرأسمالي.
مع التأكيد هنا أن الهيمنة تتلخص في منطقتنا العربية في التجزئة، والكيان "الإسرائيلي"، كشُرطي حراسة وردع، ووكلاء أو نواطير على رأس الكيانات العربية ملحوقا بالريع النفطي الخليجي والذي يُنفق على كيانات عربية كسيحة أخرى خارج الخليج جعل منهم جميعا مرتبطين بالغرب، وكل هذا كما نعلم صنيعة المركز الرأسمالي تحديدا لا أحد غيره. وتتشابه الأمثلة ببعضها في أفريقيا أو حتى أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى في العالم مع اختلاف البنى الاجتماعية.
لذا في صعود أية دولة من الأطراف سيتواجه هذا بالتناقض مع الغرب والأمريكي. ونحن لا يمكننا أن نبني دولتنا العربية الصاعدة، أو دولة أفريقيا أو اتحاد دول أمريكا اللاتينية أو غيرها في آسيا دون أن نتحالف مع دول النقيض من المركز الرأسمالي. وأي تحالف في هذا الاتجاه هو استراتيجي وفي سياق مصالح واحدة، وهي التي تمنح لنا فرصة بناء دولتنا الصاعدة.
لذلك كل من يساوي بين الإيراني والأمريكي في العراق هو خائن وعميل بلا مرية، سواء بقصد أو عن جهل أو لأي أسباب عاطفية وذاتية أخرى. كما أن من يرفض التحالفات الخارجية مع الدول المناهضة للمركز الرأسمالي فهو كأنه يقول بعبارة أخرى إنه مع بقاء الهيمنة على منطقتنا العربية، أي مع بقاء التخلف، مع بقاء قتلنا، مع بقاء نهبنا وفقرنا، مع التأكيد هنا أن تحالفات الكرامة والوفاق كلها في اتجاه الغرب والهيمنة ووكلائهم في المنطقة، وهؤلاء في خانة أسوأ من المقصودين في المقال.
*  كاتب يساري ليبي

أترك تعليقاً

التعليقات