اليمن يواجه العالم
 

ليسا جاردنر

ليسا جاردنر - كاتبة وأديبة إنجليزية يمنية الأصل -

تتعرض عائلتي وأصدقائي في اليمن لأسوأ أزمات إنسانية مستمرة في العالم.
لا يسمع الكثير عن العدوان السعودي على اليمن في وسائل الإعلام الغربية أو الشرقية، باستثناء المقالات البسيطة التي يجدها المرء هنا أو هناك. ومع ذلك، هناك تقارير ضخمة من منظمة الصحة العالمية ومنظمة «اليونيسف» ومنظمة «إنقاذ الطفولة» ومنظمة «تشاتام هاوس»، وجميعها نشرت تقارير ودراسات لا حصر لها حول الوضع الكارثي في R03;R03;اليمن.
تقع اليمن في موقع استراتيجي للغاية في الشرق الأوسط. ولا ننسى أيضا أن اليمن تمتلك موانئ مهمة للغاية وتطل على أحد أكثر الطرق الاستراتيجية للشحن التجاري، والتي تصل إلى العديد من الوجهات في جميع أنحاء العالم، فمضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر والمياه الإقليمية اليمنية على جانبي المضيق عبارة عن ممرات تربط بين الموانئ التجارية الحيوية في العالم من جنوب شرق آسيا (الصين وكوريا وفيتنام وسنغافورة وماليزيا وغيرها)، وكذلك الهند ودول الخليج الفارسي.
باختصار، يمكن أن تلعب الموانئ اليمنية دورا حاسما في الربط بين الشرق والغرب. كما أن المياه الإقليمية اليمنية تشهد الكثير من حركة الشحن التجاري البحري في العالم، والتي تعتبر حيوية لمعظم اقتصادات آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكيتين.
المملكة السعودية من الشمال، وكذلك من الشرق سلطنة عُمان. وبالتالي، فإن هذين البلدين هما من أغنى دول الجوار العربي.
قرب اليمن من القرن الأفريقي يمنحها أهمية استراتيجية إضافية لموقعها كمفترق طرق لثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا) عبر قناة السويس. ومع ذلك، فإن هذا الموقع الاستراتيجي يجعل اليمن أيضا عرضة للخطر، حيث تسعى الدول المجاورة بقيادة المملكة السعودية إلى توسيع سيطرتها في المنطقة من خلال إخضاع اليمن لها. وقد ظهرت فرصة خلال ما يسمى «ثورة الربيع العربي» في اليمن، في فبراير 2011، التي طالبت باستقالة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح بعد أن حكم لمدة 33 عاما. وفي 27 فبراير 2012، أجبر الرئيس صالح على التنازل عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، من خلال مبادرة مجلس التعاون الخليجي (المبادرة الخليجية).
وعلى الرغم من أنه ساد اعتقاد بأن هذا التحول السياسي من شأنه أن يجلب الاستقرار والازدهار لليمن، غير أنه كان من الواضح أن الرئيس هادي لم يكن مجهزا لحكم مجتمع ممزق بفعل الفساد الذي كان ينخر جسد البلاد. إضافة إلى أن الكثير من شيوخ القبائل والعسكريين وموظفي الدولة، كانوا موالين للرئيس السابق (صالح)، وهو ما جعل كل محاولات هادي لنزع فتيل الأزمات الاقتصادية والسياسية تبوء بالفشل، بل إن هذه الأزمات زادت حدة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وهو ما زاد مطالبات المواطنين بتنحي الرئيس هادي.
وفي عام 2014، ظهرت انتفاضة شعبية بقيادة حركة أنصار الله، الذين تمكنوا من دخول العاصمة صنعاء وإسقاط هادي ونظامه وبسطوا سيطرتهم على العاصمة، مستغلين قلة خبرة هادي وضعف حكمه وعدم قدرته على إدارة الدولة باقتدار، كما كان يتوقع منه.
ثم في عام 2015، فر هادي من معتقله إلى المملكة السعودية، وذلك في الوقت الذي كان فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة جمال بن عمر على مقربة من التوصل إلى تسوية سياسية بين القوى السياسية اليمنية. وتحت ضغط السعودية على الأمم المتحدة، اضطر جمال بن عمر إلى الاستقالة من منصبه كمبعوث أممي خاص إلى اليمن.
التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ويضم نحو 17 دولة، بدأ شن عدوانه على اليمن في مارس 2015، خوفا من التوسع الناجح لحركة أنصار الله، فهذا من شأنه أن يمنح إيران نفوذا كبيرا في المنطقة، أي أن هذه الهيمنة ستوفر لإيران موطئ قدم إقليميا في شبه الجزيرة العربية، حسب قولهم.
كانت المملكة السعودية خائفة أيضا من تعرض نفوذها وتحكمها بالقرار اليمني للخطر. ولذلك شرعت المملكة السعودية، عبر عدوانها، في مهمة معلنة لحماية مصالحها ونفوذها في المنطقة. ومنذ 26 مارس 2015، يتعرض اليمن لموجة من العنف والحصار الوحشي من قبل النظام السعودي و''حلفائه''، من دول خليجية وعربية وغربية.
بدأ التحالف بقيادة السعودية عدوانه المسمى «عاصفة الحزم» على اليمن تجديد الأمل، حيث دمر بشكل تدريجي معظم البنية التحتية في البلاد، بما في ذلك الطرق الرئيسية والموانئ والمطارات، إضافة إلى قصف المناطق والأحياء والفعاليات المدنية، ما أسفر عنه استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء.
كما منع التحالف الذي تقوده السعودية الصحفيين من قناة «بي بي سي» و«الجزيرة» ومعظم وسائل الإعلام العاملة في الميدان من زيارة اليمن، ولم يطلع غالبية الناس في العالم على حقيقة ما تواجهه اليمن من عدوان وحشي من قبل التحالف.
في ديسمبر 2016، ألقت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، خطابا عاطفيا طويلا حول سوريا؛ لكنها لم تذكر اليمن على الإطلاق، على الرغم من حقيقة أن اليونيسف كشفت عن إحصائية تفيد بأنه يموت طفل يمني كل عشر دقائق جراء أسباب كان يمكن الوقاية منها، وأن هناك نصف مليون حالة إصابة بمرض الكوليرا في اليمن، بالإضافة إلى 3 ملايين نازح داخليا، وآلاف اليمنيين الذين تقطعت بهم السبل في دول أجنبية بلا وسيلة للعودة، بعد إغلاق مطار صنعاء في إطار الحصار الشامل الذي يفرضه التحالف على اليمن. ووفقا لتقرير «هيومن رايتس ووتش»، فإن هناك 14 مليون يمني معرضون لخطر المجاعة.
أما في مناطق جنوب اليمن، الخاضعة لسيطرة الإمارات، فإن الفوضى الأمنية هي المشهد السائد، حيث تكثر حوادث الاغتيالات والسرقات والاعتداء على الأراضي، كما تتزايد أعمال التعذيب والاغتصاب في سجون الإمارات، وإعدام المهاجرين وطالبي اللجوء، بمن في ذلك الأطفال القادمون من القرن الأفريقي.
ورغم كل هذه الآثار الكارثية لحرب التحالف ضد اليمن وشعبه فإن القوى الغربية لا تزال تواصل دعمها للتحالف بقيادة السعودية في حربه على اليمن، من خلال صفقات أسلحة كبيرة، خاصة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا... إلخ.
كما أن المساعدة الغربية للتحالف العدواني تظهر أيضا في شكل توفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الغرب يتعامل بازدواجية مع حرب السعودية على اليمن، فعندما احتل صدام حسين الكويت في 2 أغسطس 1990، اتخذت القوى الغربية موقفا ضد صدام حسين وغزت العراق، بينما في حالة حرب السعودية على اليمن هناك تناقض واضح في التعامل الغربي معها، لأن السعوديين والإماراتيين في هذه الحالة هم من يغزون اليمن ويقتلون المدنيين ويدمرون البنية التحتية المدنية اليمنية، وبسببهم يتضور جوعا نحو 14 مليون يمني. لكن هذا لا تعترف به القوى الغربية، لأن الدم اليمني ليس ثمينا أو معادلا للأرباح التي تجنيها الصناعات العسكرية الغربية من صفقات السلاح مع السعودية والإمارات.

أترك تعليقاً

التعليقات