ليسا جاردنر

ليزا جاردنر / لا ميديا -

في ورقة بحثية لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2011، نشر «تشاثام هاوس» للأبحاث، عن الباحث بيتر سلزبري، 
أن اقتصاد اليمن برمته في قبضة شبكة معقدة متداخلة من النخب السياسية والوجهاء والمشايخ الذين اتحدوا معا للسيطرة الكاملة على القطاع النفطي اليمني، وتسلطوا وهيمنوا على اقتصاد اليمن الفعلي في إنتاج وتصدير النفط الخام، ناهيكم عن إنشاء الشركات والمؤسسات العملاقة واستغلال المواطن اليمني البسيط للعمل على قدم وساق في هذه المنشآت برواتب زهيدة.
حيث إن فريق النخبة الفاسدة حطّم وببراعة اقتصاد اليمن وجعل آليات هيكلة اليد العاملة اليمنية تحت سيطرة مافيا اليمن، ليتفاقم القهر والفقر في اليمن، وليعرقل المواطن اليمني من أي تقدم اقتصادي ويخضع للفقر عنوة للاستحواذ على اقتصاد اليمن والسوق اليمنية، ليكون حصرياً ملكاً لأفراد نخبة الساسة والمشايخ الفاسدين في اليمن، وهذا سبب في تقزيم وتحقير الإنسان اليمني وجعله تحت سيطرة ذوي النفوذ، ففقد المواطن اليمني البسيط حقه في منافسة النخبة وتحويله إلى ما صنفه كارل ماركس بالبروليتاريا والبرجوازية، حيث تم نقل الملكية الإنسانية وانسلاخ اليمنيين من النسيج الاجتماعي والاقتصادي ليتحول المواطن اليمني إلى قزم تحت هول عاصفة نخبة البرجوازيين من مافيا الساسة ونخبة الفساد في اليمن، ليفقد اليمنيون حقهم في المنافسة العملية والعلمية الشرعية لأي إنسان في المجتمع اليمني! بل إنهم غيبوا وهُزموا في مواجهة نخبة الفساد.
فكيف استطاعت فئة النخبة في اليمن أن تسيطر بيد من حديد على اقتصاد اليمن؟!
لقد قام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحاشيته بالسيطرة الفعلية على الاقتصاد اليمني، وهذا يعني التحكم الكلي في القطاعات المسؤولة عن توريد وتوزيع وتجهيز السلع الأساسية للمستهلك اليمني تفوق دخل المواطن البسيط، ولتجعل من اقتصاد اليمن ملعب النخبة ليصنعوا ويستثمروا أموالاً لا حد لها! وليجتثوها من حيث لا نعلم إلى حساباتهم البنكية في الداخل والخارج.
هذه الأموال كانت نتيجة استغلال الموارد والإيرادات اليمنية، ولعبوا بالاقتصاد الوطني لعبة المنوبولي! وقد لعب الفساد الأخلاقي دوره في تضخّم الحسابات البنكية للساسة والنخبة، في حين يعجز ملايين اليمنيين عن تأمين قوت يومهم، وأصبح الحصول على ما يكفيهم من الغذاء والماء والوقود وكلفة العيش الكريم مهمة شبه مستحيلة، رغم كون الحلم المنشود لكل يمني هو العيش الكريم! بحيث تنفق الأسرة الريفية البسيطة 55٪ من مجموع دخلها على احتياجات الغذاء والماء ومشتقات الوقود، على عكس نخبة الفساد التي سيطرت على الاقتصاد اليمني وعبثت بميزانيته ليزداد الفقير فقراً والغني ترفاً.
ولا يخفى على أحد اليوم أن من ترأس نخبة الفساد هم الرئيس السابق صالح وآل الأحمر وعلي محسن، بحيث استغلوا نفوذهم ومناصبهم الاجتماعية للحصول على تراخيص الاستيراد والعمل الدؤوب كشركاء في شركات دولية وإقليمية وكسب عقود حكومية لاقتحام السوق اليمنية وتصفية المنافسين خارج صفوف فريق نخبة الفساد، فقاموا بالسيطرة الفعلية على جميع المصارف وقطاع الاتصالات، وشركات النقل، وشركات الطيران. ولم تقف هذه النخبة عند هذا الحدّ! بل اقتحمت مجال الخصخصة، وقامت بإنشاء الجامعات، والمستشفيات، والمدارس، والمنشآت الخاصة، لتتربع على عرش الاقتصاد اليمني بكل قوتها ونفوذها لتصب الإيرادات المالية إلى مراكزها وحساباتها الخاصة. لم يتوقف الجشع المادي واللهاث وراء أموال الشعب اليمني، فقد قامت بإنشاء البنوك والشركات الوهمية لتنهب كل ما استطاعت نهبه من ثروات اليمن وتتحكم تماماً بالحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
ونتيجة اغتصاب الاقتصاد اليمني من قبل نخبة الفساد ونهبها لليمن أرضاً وعرضاً، انفجر الشعب اليمني يطالب «صالح» بالرحيل مع نخبة الفساد وتطهير اليمن من هذا الورم السرطاني ومن المافيا التي عمّت اليمن وورّمته.
ولا يخفى علينا في تقرير لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة التي حددت إجماليا ثروة الرئيس السابق صالح بأكثر من 60 مليار دولار، وفي فترة سابقة قدرت الهيئة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة في اليمن التي قام بتهريبها صالح خارج اليمن بنحو 70 مليار دولار، وفقاً لموقع «العربي الجديد».
كما صرّحت (france24) بأن «صالح» جمع عن طريق الفساد ثروة تقدر بملياري دولار سنوياً على مدى ثلاث عقود من زمن حكمه. وبما أن مافيا اليمن ترأسها صالح وحاشيته فقد حذا نجل صالح حذو أبيه في الظلم والنهب، فـ«من شابه أباه فما ظلم».
إنما الظلم ظلمات يوم القيامة. وفي ظلام الاختلاس والنهب لحقوق الشعب اليمني وأمواله وثرواته، لم يتردد نجل صالح في الاستثمار الخارجي بأموالنا، وقد قام بإنشاء أضخم مشروع عقاري في جميرة بدبي.
وهذا المشروع هو عبارة عن مدينة سياحية مبنية على الطراز الأثري اليمني البديع. هذا الصرح العمراني كلف مليارات الدولارات المغتصبة من الشعب اليمني. الآن هذا الصرح يتلألأ كتاج بلقيس في أرض الإمارات، وقد سمي المشروع «مملكة سبأ».
لم يكتف آل صالح أو الأصح آل عفاش بنهب ثروات الشعب، بل أرادوا أيضاً استغلال حضارته وفنه المعماري النادر والبديع. ولعل هذا الوضع المضحك المبكي يبدو في التحالف السعودي الإماراتي اللذين يقصفان اليمن ومدينة صنعاء القديمة، وفي الوقت نفسه تبني في أرضها النجسة مدينة صنعاء السياحية بمعايير صنعانية النكهة واللون البهيج وهي تُقَتِّلنا وتُدَمّر حضارتنا وتُحَاصرنا إلى حدّ الموت جوعا نحن اليمنيين.
الإمارات مع تحالف العدوان تهدِّم بحقد حضارة اليمن العريقة، هذه الحضارة التي صمدت ملايين السنين، وها هي الإمارات تتواطأ مع زعيم مافيا الفساد في اليمن، أحمد علي عفاش، لبناء الإمارات التي هي وليدة سويعات مقارنة باليمن الحبيب، يريدون أن يهدموا صنعاء وحضارتها التي لا تُهزم ولن تنْحني أمام طائرات العدوان وحقدهم الدفين المُشين على سيدة الحضارات والعالم والإنسانية صنعاء، هذه المدينة التي أدرجتها منظمة اليونسكو في العام 1986 ضمن قائمة التراث العالمي.
ومع كل هذا الاستغلال والدمار يظل اليمن الأبيّ هو المسار والنور والعلم والنقاء ومهد الحضارات والقوة. وليعلم القاصي والداني أن اليمن وشعبه يطالب بأمواله المنهوبة، ولن نتخلى عن مطالبتنا بحقوقنا وثرواتنا المسروقة منا.
ونطالب اليوم بمحاكمة مافيا الفساد في اليمن ومعاقبتهم واسترداد أموالنا المنهوبة وحضارتنا المسلوبة من دول العدوان. وتذكروا أن مملكة سبأ يمنية خالصة، ولا نامت أعين الجبناء.

*كاتبة بريطانية من أصل يمني.

أترك تعليقاً

التعليقات