بطولات محمد بن زايد!!
 

ليسا جاردنر

ليزا جاردنر / لا ميديا -

كتبت الصحف العالمية والمحلية عن التطبيع الذي حدث بين «إسرائيل» ودويلة الإمارات، واتفاق كليهما على الإعلان رسميا حول بناء وتمديد العلاقات الرسمية بين كيان الاحتلال و الإمارات، مما سبب زوبعة إعلامية وأثار العديد من التساؤلات في العالم العربي، أبرزها...
ما الدافع لهذا الانبطاح؟ وهل صفقة التطبيع أو بعبارة أخرى إقامة علاقة سياسية رسمية بين الكيانين يجسّد معادلة السلام أم هي تعميق لمشروع الاستعمار الناعم وإرادة الصهيونية لتوسيعه؟
وهل هذا التقارب الغريب والشاذ يخدم حقا القضية الفلسطينية وقضية السلام في «الشرق الأوسط» عموما، أم هو خطوة أخرى من ذر الرماد على عيون العرب بجملة من الإغراءات، أو هو تمويه من نوع جديد يستجيب لأحداث الساعة، والذي تروج له الإمارات الآن، وهو «الطريق نحو السلام الدائم بين «إسرائيل» وفلسطين»؟!
في الواقع ليست هناك أية حجة دامغة ولا صادقة ولا حتى منطقيّة لعقد اتفاق سلام بين «إسرائيل» والإمارات، فليست هناك حدود مشتركة بين الدولتين! ولم تقع بينهما حروب قط، فلماذا إذن «اتفاق السلام» هذا؟!
لذلك يبدو من الصعب جدا إقناع الشعوب العربية والخليجية بأي مسوغات شرعية قد تروج لها الإمارات من أجل التعاطف معها واستمالة المواطن الإماراتي والخليجي لمباركة هذا الاتفاق مع الكيان الصهيوني، لأن الإمارات ليست محتلة من قبل «إسرائيل»!
في حين أن الحقيقة الساطعة تظهر للعالم، بأن دول الخليج، ومن ضمنها الإمارات، لديها فعلا علاقات مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، والدليل على ذلك ما صرحت به كُلٌّ من «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية من أن الاتفاق الرسمي الحالي على التطبيع لم يكن وليد اللحظة بل هو نتيجة حتمية للتعاون المتبادل بين الكيانين الذي أسّس ومهّد إلى وضع حجر الأساس للتطبيع الحالي، وبهذا تصبح الإمارات ثالث دولة في المنطقة تبرم «اتفاقية سلام» مع الكيان الصهيوني، بعد أن سبقتها كل من مصر والأردن.
وكما صرحت «رويترز» بأن رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، يتوقع الازدهار لـ»إسرائيل»، بسبب استثمارات إماراتية ضخمة في «إسرائيل»، ستتمكن معها «إسرائيل» من استيراد النفط الخليجي بكل سهولة، لأن الإمارات تزود «إسرائيل» بخط نقل نفطي آمن بتكلفة أقل، وهذا سيؤدي إلى انتعاش الاقتصاد «الإسرائيلي» في المنطقة، وسيشجع هذا الانتعاش لأن تتقدم دول خليجية أخرى لتحذو حذو الإمارات في إبرام «اتفاقات سلام» مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي».
ورغم هذا الانبطاح التام من قبل الإمارات والتنازلات المُهينة للكيان الصهيوني، يحاول محمد بن زايد أن يبرر للعالم العربي وللشعب الإماراتي بأن هذا الاتفاق لا يخدم إلاّ القضية الفلسطينية، وأنه سيحافظ على سلامة وأمن الفلسطينيين! يا للغرابة! والأغرب من ذلك حين غرد هذا الأخير في «تويتر» قائلا: «تم الاتفاق على إيقاف ضم «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية»، غير أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو ردّ بسرعة معارضا ما كتبه بن زايد، ورافضا كل ما قاله، موضحا بالقول: «لن يتم إيقاف ضم أجزاء من الضفة الغربية، بل في الواقع تأجل الضم إلى وقت لاحق»!
ولم يشفع لابن زايد تطبيعه مع الكيان الصهيوني من التعرض للإحراج من قبل رئيس وزراء الكيان الذي نفى المبرر الذي اتكأ عليه ابن زيد في هرولته للتطبيع مع العدو «الإسرائيلي». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل توج الانبطاح الإماراتي برفض «إسرائيل» صفقة بيع الولايات المتحدة الأمريكية طائرات (إف - 35) للإمارات، لأنها ستهدد أمن «إسرائيل»، التي تسعى للحفاظ على تفوقها العسكري والجوي في منطقة الشرق الأوسط. ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى أن طائرات (إف - 35) تعتبر أكثر الطائرات الحربية تقدما في سلاح الجو على مستوى العالم، وسبق للولايات المتحدة أن باعت هذا النوع من الطائرات لكلٍّ من «إسرائيل» وتركيا واليابان.
وأمام هذا التلاعب السياسي، يمكن التأكيد بأن ما حصل من تطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني لم يحفظ ماء وجه الإمارات البتة! وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على الانكسار الإماراتي وخيانتها للقضية الفلسطينية العادلة.
وفي الواقع فإن الإمارات لم تضف أي شيء إلى دولة فلسطين، ولا إلى نفسها كدولة ذات سيادة، بل هي لم تقم إلا بلعبة خبيثة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، فقد أراد محمد بن زايد أن يتربّع على عرش البطولة ويشعر ولو لحين بأنه «بطل الأمة العربيّة»، لكنها كانت بطولة زائفة، فيا خيبة المسعى! فقد أكدت منظمة العفو الدولية أن الاتفاق بين الإمارات وكيان الاحتلال «لا يشمل تخلي الأخيرة تماما عن خططها الساعية لضم المزيد من أراضي الضفة الغربية المحتلة». ومع زوبعة «السلام الهش» وأمام المبالغات الإعلامية حول التطبيع القادم، نلاحظ بوضوح الانبطاح الإماراتي المخجل والمُذلّ.
لا تسعى «إسرائيل» في الواقع، من كل هذه الاتفاقات الغادرة، إلا إلى اقتحام الأسواق الخليجيّة أكثر فأكثر، لأن دول الخليج هي بالأساس دول مستهلكة وليست مصنِّعَة، لهذا نجد شغل «إسرائيل» الشاغل هو اقتحام السوق الخليجية واستغلالها لضخ البضائع والمنتجات «الإسرائيلية» بكل سهولة، حتى تتربّع على عرش السوق الخليجية فينتعش الاستثمار «الإسرائيلي» التجاري والاقتصادي مما يسهّل عليها فتح باب التحكم السياسي في هذه الدويلات وتحقق بذلك سياسة الاستعمار الناعم، بمساعدة حكام وسياسات الدول الخليجية الفقيرة في الدهاء السياسي، وبالتالي ستتمكن من تنفيذ مشروعها الاستيطاني وزرع الفتن والتزعزع الثقافي والفكري في أوساط المجتمع العربي!
وقد يذهب هذا الاتفاق التطبيعي إلى تحقيق هذا المشروع عبر تيسير هجرة الفلسطينيين من بلدهم وأرضهم، وتشريدهم في صحراء الخليج، وهو ما يوفر الأرضية الملائمة لتنفيذ المشروع الصهيوني بكل بسهولة ودون أي عوائق بشرية متمثلة في التصدي الشجاع لشباب فلسطين!
لذلك لا نجانب الصواب حين نقول بأن هذا «السلام الزائف» الذي يدّعيه الآن ابن زايد «بطل الخذلان والانبطاح والغدر»، إنما يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتمكين الكيان الصهيوني من السيطرة على كافة الأرض العربية الفلسطينية، إضافة إلى تحويل المجتمعات العربية إلى أسواق تجارية للمنتجات «الإسرائيلية».
تلك هي كوارث بطولات بن زايد الناتجة عن اتفاق «السلام الزائف» بين الكيان الصهيوني ودويلة الإمارات.


*كاتبة وأديبة إنجليزية يمنية الأصل.

أترك تعليقاً

التعليقات