ميخائيل عوض

ميخائيل عوض / لا ميديا -
ترافقت عاصفة الرياح الخماسينية التي تضرب المنطقة محملةً بالغبار ‏والحرارة مع عاصفة تحليلات وفبركات عن إتمام أمريكا وحلفها في اليمن ‏الاستعدادات والتحشيد للقيام بعمليات غزو برية ضد اليمن. وفي محاولات ‏يائسة لكسر إرادة «الحوثيين»، وقتل جرأتهم، والفت من عزيمتهم التي ‏عبرَّت عن عروبتهم الحقة، وإيمانهم العميق والمستقيم في نصرتهم لغزة ‏وفلسطين، وتحدي أقوى وأعتى الامبراطوريات، والأكثر عدوانية على مر ‏التاريخ‎.‎
خمسة أسابيع من حملة عدوانية عاصفة، حشد فيها البنتاغون كل وأقوى ‏معداته البحرية والجوية والصاروخية والذخائر الفتاكة، ترافقت مع ‏تهديدات نارية من ترامب طالت إيران إن استمر «الحوثيون» في القتال ولم ‏يستسلموا ارتهاباً وخوفاً من صوته وتهديداته‎.‎
ترامب إما أحمق وارتجالي، ولا يعرف اليمن وتاريخه وخصائص شعبه، ‏وليس لديه خبراء وباحثون جادون. أو هو ذكي يخوض حروبه عن دراية ‏وسبق تصميم‎.‎
إذا كانت صفاته الأولى، فستكون اليمن مقبرة أحلامه ومشاريعه وخططه، ‏وربما ولايته، ويكون البنتاغون ولوبي صناعة الحروب قد أوقعه في ‏مصيدة قاتلة‎.‎
إذا كانت الثانية، فهو محارب عارف بما يريد وكيف يحصل عليه، ‏وبورطة اليمن يضع البنتاغون وصناعة الحروب تحت سيطرته، مستثمراً ‏عجزهم عن اليمن، وتالياً يبرر اتفاقه النووي مع إيران، ويلجم التهويل ‏والعنتريات بضرب إيران‎.‎
لسنا مشغولين ولا معنيين بتوصيفه وأفعاله، فالنتائج ستعطي التوصيفات. ‏الأمر الأهم عندنا هو، هل سيجرؤ على مغامرة برية مع اليمن، عبر ‏عمليات نوعية أو غزو أو بتوظيف أدوات يمنية وخليجية في مغامرات ‏حمقاء؟
في زمن غير المسبوقات والغليان، ربما تُرتَكب حماقات مبنية على ‏حسابات خاطئة، تتجاهل الوقائع والمعطيات الجديدة والجارية. فقد سبقه ‏كثيرون وانتحروا ونحروا امبراطورياتهم‎.‎
في المحاكمات العقلانية لا يجب أن يتورط، وليس لديه القدرة والقوة، ولا ‏البيئات وستكون النتائج كارثية‎.‎
فعمليات برية نوعية بقوات خاصة لاختطاف أو اغتيال قادة أو تدمير ‏منشآت ممكنة، لكنها محفوفة بمخاطر شديدة، وليست مجدية، في ظل ‏امتلاك طائرات وصواريخ وقذائف أعماق تستطيع تحقيق المهمة بأكلاف ‏أقل‎.‎
أما عمليات غزو بحري أو بري وإنزال قوات، لاحتلال اليمن أو بعضه ‏فستكون بمثابة هدية ذهبية لـ»الحوثيين»، الذين دأبوا على محاولة تحقيق ‏اتصال بري مع «إسرائيل» وأمريكا، ولم تسعفهم الجغرافية والظروف ‏والإمكانات، ويكون «البنتاغون» قد وفرها لهم مشكوراً‎.‎
توريط القوى المسيطرة على الجنوب والشرق الموالية للإمارات ‏والسعودية، وزجها في حرب برية مستبعدة، وليس من مؤشرات ترجحها. ‏وبافتراض استجابة تلك الأطراف فستكون هدية وفرصة ذهبية ‏لـ»الحوثيين»، بل ستكون من رميات الله، وتلبية لحاجات الظروف ‏الموضوعية التي تجاهلها الحوثيون، أو يعرفونها ويؤجلون المهمة ‏التاريخية إلى ما بعد هزيمة أمريكا وعالمها الأنجلوسكسوني‎.‎
فقدرات وسلاح ورجال «الحوثيين» وحجم التعبئة والتحشيد والتجنيد توفر ‏لـ»الحوثيين» فرصة سحق تلك المجموعات، وتحقيق هدف وحدة اليمن، ‏وتحريره من الغزاة والعملاء والمرتزقة، والانتقال إلى مهمة وموجب ‏الثأر ممن تورط وغزا اليمن ودمره وفتته ونهبه منذ 2014. وأفشلهم ‏شعب الحكمة والإيمان‎.‎
أما محاولات الغزو من السعودية فهذه مستبعدة، بسبب عقلانية الأمير ‏محمد بن سلمان ورفضه مشاركة أمريكا «حلف الازدهار البحري»، ‏ورفضه استخدام الأجواء والبر السعودي لضرب إيران. ولمستوى ما حققه ‏من علاقات مع إيران وروسيا والصين، ولكونه جرب تحالفا من 40 دولة ‏ومرتزقة، وبذات الطائرات والطيارين والضباط والخبراء الأمريكيين ‏و»الإسرائيليين» و»الأطلسيين»، وفشل فتعلم وتعقلن وغير بعض أشرعته‎.‎
إن تورط وفعلها، فيكون قد غامر بمستقبل السعودية وأهداها لليمنيين، ‏والقبائل التي اغتصبتها قبيلته من بني سعود والوهابية باتفاق وإسناد من ‏بريطانيا ثم أمريكا منذ ثلاثينيات القرن المنصرم‎.‎
لن يجد ابن سلمان جيشاً سعودياً يقاتل، وليس من حلفاء ومرتزقة، ‏وستتحول مدنه إلى ردمٍ من رمال وزجاج، ومرافق الدولة وشركة ‏‏»أرامكو» إلى كومة من الدمار وكتل من نار. وكذا مدن وحواضر وبنى ‏الإمارات، فالصواريخ والمسيرات التي تضرب في «يافا» المحصنة بست ‏طبقات دفاع جوي أيسر لها بكثير أن تضرب أبوظبي ودبي ومدن ‏السعودية‎.‎
أن يرتهب «الحوثيون» من التهويل والفبركات، والصراخ الترامبي، ومن ‏وسائل الإعلام، ويقرروا الاستسلام، توقعٌ لا أساس له. ومن يرى ملايين ‏يتقاطرون كل جمعة إلى الساحات بهتافات «لبيك يا فلسطين» و»الموت ‏لأمريكا» و»الموت لإسرائيل»، ومن مازال يقاتل في الميدان بعد 5 أسابيع ‏من القصف غير المسبوق، وتصل صواريخه ومسيراته إلى «يافا»، وأمس ‏ولأول مرة إلى حيفا، وتشاغل حاملتي طائرات أمريكية، وأسطولين لها، ‏لن ترهبه حملات إعلامية، ولا تخرصات خبراء وإعلاميين، لا يعرفون ‏من الخبرة إلا تزيين وتعظيم قوة الغزاة، ومحاولة توهين إرادة المقاومين‎.‎
فاجأ اليمن الجميع، بأنه أصبح «درة محور المقاومة» و»قبضته الصلبة ‏والمهاجمة». وقدم اليمنيون ظاهرة نوعية في الصبر والقتال والتحمل ‏والجرأة والقدرات العسكرية ادارةً وتصنيعاً. واستعاد اليمن دوراً ومكانة ‏حاكمة في البحار، وقادرة على إعادة تشكيل وهيكلة الخليج والشرق ‏العربي، وتمكنوا من مقارعة أمريكا وعالمها الحاكم، ويحشدون وينظمون ‏ويدربون ويزيدون‎.‎
ليت ترامب يتورط، ويورط حلفاءه وأدواته، ليتحفز اليمن، ليسعى لإنجاز ‏وحدته، وسحق الغزاة والمرتزقة، ويفرض شروطه وحقوقه ونموذجه على ‏الخليج، ويستعيد حقوقه، ويُلزِم الأسر والدول التي اعتدت عليه ‏بالتعويضات لإعادة البناء والنهوض، بدل أن تُدفع الأموال خوة لترامب. ‏فاليمن وشعوب الخليج والعرب أحق‎.‎

أترك تعليقاً

التعليقات