ميزان القوى الكلي والبيئة الاستراتيجية عاملا النصر
- ميخائيل عوض الأحد , 6 أكـتـوبـر , 2024 الساعة 7:14:19 PM
- 0 تعليقات
ميخائيل عوض / لا ميديا -
في خلاصات تاريخ الحروب ومناهجها ومدارسها وعلوم الجيوش حقائق خلاصات لم تفقد قوتها وصحتها منها:
1. تقع الحرب عندما تتعطل لغة الكلام السياسي والدبلوماسي وما إن تبدأ حتى تسقط قواعد الاشتباك والردع والخطوط الحمر. فالحرب هي وسيلة تدمير أو إخضاع الخصم ومن يفهمها أو يمارسها بغير هذا التوصيف سيدفع أثمانا كبيرة وقد يخسرها ولو كانت البيئة الاستراتيجية والتوازن الكلي في صالحه.
2. الحرب هي القابلة القانونية لتوليد الجديد من رحم القديم فبعدها مختلف عما قبلها فيها تختبر الإرادات والوعي والقدرات وهي الامتحان الأقسى فتكرم الجيوش والأمم أو تهان.
3. الحرب الوجودية والمصيرية نادرة بين الحروب. وهي الحرب الشاملة وغايتها ليس إخضاع الخصم بل إبادته وسحقه وإزالته. فالوجودية والمصيرية مفتوحة حتى يخرج منها منتصر يسود ومهزوم يتبدد.
4. في الحرب ثلاثة لاعبين: المتحاربان والظرف الموضوعي، أي ميزان القوى الكلي والبيئة الاستراتيجية التي تحققت قبلها وزادت عناصرها في نواتج مساراتها.
5. الجيوش مهما بلغت قدراتها وعصريتها واستعداداتها ومهما امتلكت من قادة أفذاذ إلا أنها ليست العوامل والعناصر الأساسية في تحقيق الغلبة والنصر. فالنصر تصنع مقدماته البيئة وميزان القوى الكلي وينتصر من يدركها ويتفاعل معها ويقرر كلفتها وسرعتها.
6. لا تحتسب الحرب بمدتها أو شدتها أو كلفتها إنما بنتائجها والمنتصر فيها من حقق كل أو بعض أهدافه منها.
7. للحرب والجيوش مدارس ومذاهب تطورت عبر الأزمنة وتمحورت بين نظريتين؛ الحرب السريعة وتسمى العاصفة والخاطفة والصدمة والترويع والنظيفة والاستباقية وهي منتج غربي أنجلوساكسوني. وأصل نشوئها العدوانية وعقلية الإبادة واستعمار الأرض وتصفية سكانها وشعوبها. فالغازي يستعجل تحقيق غايتها لإدراكه أن الجغرافية والزمن والديموغرافية والتحولات وحقائق وحاجات الأزمنة ليست في صالحه فيعمل بقاعدة: اضرب انهب واهرب.
الحرب الطويلة؛ مذهب شرقي آسيوي أصل وقواعد إنتاج نظريتها شعوب وأمم تاريخية راسخة تطورت طبيعيا بالتفاعل والتقدم البطيء فأصحاب الأرض الراسخون والمعمرون لا سبيل لهم إلا المقاومة والقتال وتجميع القوى والاستثمار بالزمن والتحولات والتساوق مع مسارات تاريخ مستقبل البشرية بيقين وثبات.
8. لم تنتصر نظرية الغرب الحربية ولم تدم إلا بإبادة البشر واستيطان أرضهم كما في غزوة الأمريكيتين وسوى ذلك هزم الغزاة وتم تصفيتهم كما في الجزائر وأفريقيا والصين وفيتنام وروسيا والأمثلة لا تعد.
9. والأدلة أن الغزوات الأوروبية والأمريكية في القرون المنصرمة تعثرت وهزم الغزاة ولو أنهم دمروا العمران وأبادوا أقواما وجماعات فلم تقم لهم قائمة ولا استقروا فتحررت الصين وفيتنام وهزمت النازية والفاشية وانتصرت اليمن والجزائر بحروب العصابات الثورية التي سميت حروبا شعبية طويلة الأمد والهند بالمقاومة السلبية ومنطق الصراع وتوازن القوى يلزم الشعوب باعتماد المقاومات والعصابات الثورية وإطالة الحرب وتعبئة الشعوب لتعديل ميزان القوى السائد والراهن.
حربنا الجارية بعد سنة على الطوفان العجائبية وصفها «الإسرائيلي» بالوجودية، وقال إن هزمنا فلا مكان لنا في المنطقة، ووصفها السيد حسن نصر الله الشهيد السعيد بحرب وجودية ومصيرية وطويلة ومفتوحه ووضع لها نائبه شعار الحساب المفتوح.
فليس بنقص أو غرابة أن تعتمدها وتخوضها المقاومة كحرب طويلة الأمد وبأن تدخر جهدا وقوة وسلاحا نوعيا أعلن ملكيته الشهيد السعيد وليس نقصا وقصورا أن تطيلها، وهي تعرف أن كلفتها من العمران والبشر والقادة قد تكون ثمينة وباهظة ومؤلمة، فمنطق الحرب وشرورها كلفتها. وحروب التحرر والمقاومة تكون الكلفة الكبيرة من البشر والعمران إلا أن النصر وامتلاك الحرية والسيادة والأرض لبناء المستقبل تبررها كما يبررها أن خوض الحرب بقاعدة السرعة والعصف استجابة لما يريده الغزاة ستكون كلفتها أضعافا مضاعفة ما قد يفقد النصر في خواتيم الحرب قيمته وجدواه.
لا حرج على المقاومة أن تبطن في الحرب خططها وتكتيكاتها ولا تجاهر فيها لإرضاء الرأي العام أو المستعجلين المهوبرين ولهذا قال الشهيد السعيد: «العين على الميدان وما ترون لا ما تسمعون».
وفي كل حروب التاريخ تتقاطع مصالح أمم وشعوب على ضفتيها وتحاول دول وأمم أن تستثمر فيها وانتظار نتائجها لتقرير دورها ومكانتها بهدف أن تحصد النتائج بلا أكلاف. فهكذا صعدت أمريكا وحكمت العالم وقاعدة تأسيسها ومن الآباء المؤسسين القرصان مورغان الذي تخصص بالكمائن على الشاطئ للقراصنة عندما يعودون بالكنوز مرهقين يبطش بهم وينتزعها منهم.
وقاعدة مورغان التي بموجبها استثمرت أمريكا وصعدت يعمل بها الكثيرون اليوم وتراهم ناطرين على التلة ليلتحقوا بالمنتصر.
ولا يعيب إيران أن تقرر تدخلها ومنسوبه ووسائلها تبعا لرؤيتها وتحقيق أهدافها والاستثمار بالحرب مادامت قدمت ومولت وسلحت والتزمت دعم وإسناد الفصائل والجبهات وصبرت وعندما نضجت لحظتها ردت واشتبكت وأعلنت جاهزيتها لرد أعنف وأكثر فاعلية إن اعتدت «إسرائيل» عليها.
الحرب هي الحرب وفيها تتكشف مصالح الأمم والشعوب وذكاؤها وقابلياتها لانتزاع حقها بالعيش الكريم والسيادة ولا يفيد لوم هذه أو تلك من الأمم والشعوب أو استجداؤها والتوهم بدور لها لا يطابق مصالحها ورؤيتها.
فقد صممت الحياة والعلاقات بين البشر والهويات الجمعية على أساس وقاعدة وبدافع المصلحية وليس بدوافع القيم والأخلاقيات التي هي للتسلية والتفاكه أما الميدان والحرب فهو المطهر والمختبر وجد الجد.
فما حك جلدك إلا ظفرك، فقم أنت بجميع أمرك.
كاتب ومحلل سياسي لبناني
المصدر ميخائيل عوض
زيارة جميع مقالات: ميخائيل عوض