جريمة ضد الإنسانية
 

عبدالحكيم عامر

عبدالحكيم عامر / لا ميديا -
تشكل سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية عاملاً رئيسياً في تكريس الاحتلال «الإسرائيلي» وتعزيز سياساته التوسعية، حيث تعتمد واشنطن على مجموعة من الأدوات لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين وإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية للمنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية، من خلال الدعم العسكري غير المحدود، والضغط السياسي على الدول المجاورة، والتواطؤ الإعلامي، تسهم الولايات المتحدة في ترسيخ واقع جديد يهدد الوجود الفلسطيني في وطنه التاريخي.
تقدم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً هائلاً للاحتلال «الإسرائيلي»، يشمل تزويده بأحدث الأسلحة والذخائر المتطورة، ما يعزز آلة الحرب الصهيونية ويجعلها أكثر قدرة على تنفيذ عمليات التدمير والقتل الجماعي. لم يكن التصعيد الأخير على غزة استثناءً؛ إذ استخدمت قوات الاحتلال الأسلحة الأمريكية في قصف المناطق السكنية، وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ما أدى إلى خلق بيئة معيشية مستحيلة تدفع الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية. هذا الدعم العسكري يتجاوز كونه مجرد تحالف استراتيجي، ليصبح أداة رئيسية في مشروع التهجير والتطهير العرقي.
إلى جانب الدعم العسكري، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً سياسية واقتصادية على الدول المجاورة لفلسطين، لإقناعها بقبول الشعب الفلسطيني، في خطوة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الشرعيين. ويتم الترويج لهذه الخطوة تحت غطاء «المساعدات الإنسانية»؛ لكنها في حقيقتها محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم الاحتلال الصهيوني؛ إذ يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية لاجئين بدلاً من أن تبقى قضية وطنية مرتبطة بحق العودة، وهذا الضغط يضع الدول المجاورة أمام معادلة صعبة، حيث تخشى من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية، لكنها تجد نفسها تحت تهديد الابتزاز الأمريكي في حال رفضها الامتثال لهذه المخططات.
وتلعب وسائل الإعلام الغربية والصهيونية دوراً خطيراً في شرعنة هذه الجرائم، حيث تعمل على تضليل الرأي العام العالمي من خلال تصوير عمليات التهجير القسري وكأنها «إجراءات إنسانية» تهدف إلى إنقاذ الفلسطينيين من الحرب، متجاهلة أن الاحتلال «الإسرائيلي» هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة وعن هذه الجرائم، ويتم التلاعب بالمصطلحات في التغطيات الإعلامية، فتُوصف المجازر بحق المدنيين بأنها «أضرار جانبية»، ويتم تجاهل سياق العدوان، بينما تُقدِّم العدو «الإسرائيلي» على أنه في حالة «دفاع عن النفس»، في حين تُمنَع الأصوات الفلسطينية من الوصول إلى المنصات الإعلامية الكبرى. هذا التواطؤ الإعلامي لا يهدف فقط إلى تبرير الجرائم، بل يسعى إلى تطبيع التهجير وتحويله إلى حل مقبول على المستوى الدولي.
إن المشروع الأمريكي - «الإسرائيلي» لتهجير الفلسطينيين يعتمد على مزيج من القوة العسكرية، والدبلوماسية الضاغطة، والحرب الإعلامية المضللة، بهدف فرض واقع جديد على الأرض. لكن رغم كل هذه المحاولات، يبقى الشعب الفلسطيني متمسكاً بحقه في أرضه، ومقاوماً لكل محاولات اجتثاثه من جذوره التاريخية.
فالتهجير القسري ليس مجرد «خيار إنساني»، بل هو جريمة ضد الإنسانية لإنهاء القضية الفلسطينية، تتطلب وقفة جادة من المجتمع الدولي. وفي هذه المرحلة بات الاختبار الحقيقي موجهاً للدول العربية والإسلامية، وللنخب التي لا تزال تمتلك زمام القرار، فهل سيواصل البعض تقديم المبادرات العقيمة التي لا تثمر إلا ترسيخ الاحتلال وتعزيز سطوته؟ أم أننا أمام لحظة وعي فارقة تدرك فيها الأمة أن فلسطين لا تُستعاد إلا عبر مقاومة فاعلة، وحراك شامل على جميع الجبهات لإفشال المخططات الصهيونية؟

أترك تعليقاً

التعليقات