حقيقة الأزمة!
 

عبدالرحمن هاشم اللاحجي

عبدالرحمن هاشم اللاحجي / لا ميديا -
الحقيقة هي أن اقتصاد صنعاء يعاني من أزمة مالية، وليست اقتصادية، فانخفاض عرض النقود المحلية يعد هو المشكلة الفعلية التي تواجه الاقتصاد اليمني، وهو الطامة الكبرى التي ستؤدي إلى خنق ملايين اليمنيين وتحويلهم إلى هياكل عظيمة، هذا إن ظلت لهم هياكل عظمية من الأساس!
تتواجد أغلب السلع والخدمات في أسواق صنعاء وعموم المحافظات المحررة، وبشكل فائض، فقد أدى ضعف القوة المالية الشرائية لدى الأفراد نتيجة انخفاض دخولهم أو انقطاعها -إن صح التعبير- إلى زيادة المعروض السلعي، وبالتالي انخفضت أسعار السلع المنتجة محلياً بشكل غير مسبوق (على سبيل المثال أسعار الفواكه والخضروات)، وكذا انخفض الطلب على أغلب السلع والخدمات المستوردة، خصوصاً المواد الغذائية والأدوية، ما أدى إلى قيام الشركات بإتلاف جزء كبير من بضاعتها وتكبدها لخسائر غير معهودة!
لانخفاض العرض النقدي أسبابه الجوهرية. وبصرف النظر اتفقنا معها أم اختلفنا، إلا أن طرحها في هذا التوقيت يعد أمراً بالغ الأهمية، خصوصاً في ظل التوجه الغربي السافر لتجميد الاقتصاد اليمني وتأليب السواد الأعظم من العاطلين نحو حكومة صنعاء لتحميلها مسؤولية الركود الاقتصادي الحاصل وانقطاع التوظيف ووصول مستوى الأجور الحقيقي إلى ما هو أقل بخمسة أضعاف تقريباً من حد الكفاف!
يعتبر قرار رئيس الوزراء لسنة 2019 القاضي بتصفير على العوائد أذون الخزانة والسندات الحكومية أحد أهم هذه الأسباب؛ إذ يعد بمثابة صك وفاة للسياسة النقدية ممثلة بالبنك المركزي اليمني ولدوره المحوري في زيادة العرض النقدي والتأثير على القاعدة النقدية. ضف إلى ذلك قرار مجلس النواب اليمني لسنة 2023 القاضي بتجريم البنوك التي تتعامل بسعر الفائدة. والنتيجة غياب شبه كامل للسياسة النقدية وتأثيرها المباشر وغير المباشر على المتغيرات المالية، خصوصا ما يتعلق منها بمضاعف النقود!
بالطبع لا نقول بأن تلك القرارات كانت خاطئة، بل مستعجلة، ولا ندعو إلى التراجع عنها، بل إلى إيجاد البدائل الممكنة والسرعة... ساعد الاستعجال في التحول نحو الاقتصاد الحقيقي في حدوث حالة الركود الاقتصادي الرهيب الذي نشهده هذه الأيام، حيث تسريح عشرات الآلاف من موظفي القطاع الخاص تحت اسم إجازات بدون راتب، وقيامهم ببيع مدخراتهم أسوة ببعض موظفي القطاع العام الذين لم يتبق لهم ما يبيعونه من مدخرات من الأساس!
حالة أخرى خطيرة ظهرت منذ إعلان البنك المركزي ضخ عملة النقود المعدنية فئة 100 ريال إلى الجمهور؛ إذ يتضح أن هناك أيادي خفية عملت على تهريب العملة المعدنية نحو الجنوب، في توجه عدائي جاد للتأثير على عرض النقود بالانخفاض أكثر وإبقاء حالة الركود الاقتصادي. ونعتقد أن هذه الأيادي هي نفسها التي تحتكر النقود المحلية من بقية الفئات الأخرى تمهيدا لإحداث شلل اقتصادي تام في صنعاء وبقية المحافظات الأخرى... يبدو أن الأمر بحاجة إلى قانون يجرم تهريب نقود صنعاء إلى الخارج والترحيب بنقود صنعاء الأصلية (طبعة ما قبل 2014) القادمة من الخارج، باختصار اقتصاد مالي مغلق على العملة المحلية الأصلية كما كانت تصنع الدول في المحافظة على كمية ذهبها قبل العولمة وخدعة الانفتاح العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات