صباح الخير أيها العالم
 

عبدالملك المروني

عبدالملك المروني / لا ميديا -

من وسط محيط يتشظى حزنا ويتكسر آهات، تحت ضربات معاول الأعداء والأصدقاء، وبيئة تدحرج إليها الطغيان وزحفت على جسدها النقي والمخضر قبائل القرن الواحد والعشرين وغجر القرية الكونية الواحدة، أطل عليكم محييا ومرحبا.
من مدينة تشبه الحزن، وتناغي الألم بدقة، حيث تتوسد الجرح الذي… والطعنة التي… والمواقف اللواتي… ألقي عليكم تحية العام الميلادي الجديد من أرض لم يخلق مثلها في البلاد، ومدينة مرصعة بالكبرياء والعزة والمنعة. أطل من صنعاء التي تعرفونها جميعا، صنعاء عاصمة اليمن المزهر، وجوهرة المدن الفاضلة، ونكهة التاريخ الموغل في الحضارة، أرسل تحية كبيرة وأسجل البدء.
صباح الخير أيها العالم.. هذه تحيتي التي أخاطب بها العالم في كل عام ميلادي جديد، وأطل من خلالها على أجمل وأروع إنتاج إنساني حققته البشرية خلال عام مضى.. تلك كانت طريقتي في استقبال عام جديد، ولقد عرفني الكثير من الزملاء والقراء لسنوات طوال أكتب تحت هذا العنوان ذاته..
غير أن السنوات التي عبرت على جدار صنعاء وصعدة وتعز وحضرموت، على ظهر البوارج وتحت إبط طائرات الدمار والموت، حالت دون المضي في هذا الخطاب السنوي.
صباح الخير أيها العالم. على أي حافة تستقبل العام 2020 في الألفية الثانية؟! وأي الأبسطة فرشتها لضيافته؟!
بالتأكيد أن الإجابة صعبة لديك، والإفصاح عن راهنك الزمني مبعث خجل عندك، لأنك كعالم متقدم أو متأخر راهنت على التخلف وأمسكت بعصى الراعي البدوي، فيما كنت قادراً على مواجهة التاريخ عبر كبسة زر يخفي تحته آخر ما أنتجته البشرية وأحدث ما طوره العقل البشري وأعظم منجزات الإنسانية، ولكن لست على ذلك بقادر، لأنك ببساطة فقدت هويتك الإنسانية وأضعت ضميرك الأممي وسعيت بكل جهدك خلف ناقة عوراء يجرها أعمى سكير ويجوب بها صحارى قاحلة، والمال كان حجتك وحجك الأكيد.
بحثك عن المال في فناء خدامك، ولهاثك المتكسر في بلاط غلمانك وجواريك الذين خبرتهم لسنوات طوال كجهد ملك كبير يفتش في حقيبة خادمته عن دينار يحتمل العثور عليه.
أنت حر في قرارك وحيث تضع قدميك ورأسك. وأنا حر في قراري واتخاذ الخطوة التي أريد أن أخطوها. وتجمعنا بك الخواتم وتحسم رهاناتنا النهايات، ثم ننظر من كسب ذاته، وأنا المنتصر حتما، والعاقبة المثلى لمثلي دون شك.
نحن مع عام جديد يطل خجولا وباهتا ومعتلا، فإن لم ننتهزه لنصنع قبة من سلام وعدالة ونلملم فضائح وجراحات تكبدناها وتجرعناها، فلن نصنع القبة بل منصات للموت وأجراساً للدمار، ولسوف تمضي الأيام كما نشاء ويتدحرج الزمن وفق الطريقة التي رسمناها وتخلق الأيام من بطونها عذابات لا حدود لها ولا مستقر. تلك هي الحتمية والمصير، فهل تردعون ذوات الذوائب وتبصقون قدرا من الشجاعة في وجه هذا السكير الأعمى الذي يقودكم في الصحراء خلف ناقته التي تبيض ذهبا ودولارات؟!
إن لم تفعلوا ولن تفعلوا فابشروا بحرب من الله ومن قوم ضاق بهم الصبر وتكسرت تحت أوجاعهم كل معاني الحكمة والحلم والدعة، سوف يتخذون قرارهم الحق والموجع ويمضون قدما يجوسون الديار وسيقتلعون آبار النفط كما تخلع الأسنان من فم الثعابين المحبوسة.
لنجعل بدايات العام الجديد بداية لتأسيس زمن أفضل وحقبة أكثر سلامة. لنجعل القادم القريب منصة للسلام بدلا من منصة لإطلاق الصواريخ وأدوات الموت.
ليست هذه الأحرف تهديدا، وليست مفرقعات وقنابل من بسكويت وآيس كريم. إنها محاولة لتجسيد حالة قوم هم أكثر الأقوام مقدرة عل الوفاء بوعودهم وتنفيذ ما تطلقه حناجرهم وأقلامهم وخططهم، نقلتها فقط في ختام تحية مطلعها وختامها: صباح الخير أيها العالم.

أترك تعليقاً

التعليقات