أين أنتم؟!!
 

أمة الرزاق جحاف

أمة الرزاق جحاف / لا ميديا

(أوشششش! لا تفسدوا على رموز الخيانة الصامتة تأملاتهم)!
هكذا كان عنوان المقال الجميل للأستاذ القدير صلاح الدكاك.
أعدت قراءة المقال عدة مرات وغصة الألم في داخلي. ألم ووجع عبرت عنه دموع انهمرت بغزارة لم أستطع منعها.
كنت أبكي نفسي التي وضعني مقاله في مواجهتها.
وضعني مقاله أمام حقيقة كنت أتهرب منها منذ بداية العدوان على بلادي، خوفاً من الصدمة التي تحدث للإنسان حين يكتشف أن أساتذته كذبوا عليه، وخدروه وغيبوه أعواماً طويلة في ظلمة الوهم، ليقبل العيش معهم في عالم كل ما فيه زائف مغلف ببريق الكذب الملون.
منذ بداية العدوان وأنا لا أجرؤ على السؤال حتى بيني وبين نفسي عن موقف أساتذتي من العدوان، حتى لا أراهم يتساقطون أمامي، فما أصعب سقوط النماذج أمام من يقتدون بها!!
ومع تصعيد العدوان، وعند كل مجزرة بحق الأطفال والنساء والمدنيين، تبدأ الأسئلة التي تفرض نفسها:
أين هم أساتذتك يا أمة الرزاق، الذين كنتِ ترينهم رموزاً للعلم والمعرفة ودعاة للوطنية؟!
أين هم أولئك المثقفون الذين كثيراً ما سخروا من النظام الملكي السعودي وانتقدوا فساده، وديكتاتوريته، وشذوذه، مدعمين كتاباتهم بالأدلة والشواهد، حتى غرسوا في نفسك كراهيته، وكانوا على حق في ذلك؟!
أينكم يا أساتذتي الذين كثيراً ما قضيت الليالي الطوال في قراءة كتبكم عن أمريكا ورأسماليتها الشرهة النفعية، وإسرائيل الصهيونية التي غُرست كخنجر في ظهر الأمة العربية، وعن أطماعها التوسعية الاستيطانية في الأرض العربية، وسخريتكم اللاذعة من الأنظمة العربية، وشجاعتكم حين تصفونها بالعميلة، لأنها لا تحرك جيوشها لنصرة القدس؟!
أتذكر يا أساتذتي كيف انتظرتكم عند بداية العدوان، وقبل أن يبدأ رد المجاهدين سلام الله عليهم بالخيارات الاستراتيجية، لتقودوا المسيرات، وتدلوا بالبيانات، وتنظموا الوقفات الاحتجاجية، والاعتصامات، فهاهي تنبؤاتكم تتحقق، وهاهي عدوتكم أمريكا والسعودية مدعومة بالأنظمة الرجعية المتعفنة، كما كنتم تصفونها، قد كشرت عن أنيابها التي كثيراً ما حذرتمونا منها!!
أين أنتم أيها المثقفون، يا أصحاب الكلمة المسموعة جماهيرياً؟! فنحن طلابكم وتلاميذكم ننتظركم لتقوموا بالدور الطليعي، الذي يقوم به كل المثقفين في العالم حين تتعرض بلادهم لأي عدوان... 
وأعترف أن أكثر من كنا ننتظره هو الدكتور عبدالعزيز المقالح.
وكيف لا ننتظره وهو من تعلمنا منه أن (الصمت عار والخوف عار)، وتعلمنا منه أننا (سنظل نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار)؟!
وانتظرنا اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وأعضاءه المؤسسين والمخضرمين والشباب، أسماء كثيرة وشهيرة كنا نظنها كبيرة، لكنهم قعدوا وخذلونا بصمتهم آنذاك، واستمروا صامتين!!! وكأن هذه الأشلاء الممزقة، والأجساد المتفحمة التي تتناثر من حولهم لا تعنيهم، ولا تستحق منهم حتى التفاتة، كما قال أستاذنا صلاح الدكاك.
ولو كانت الطائرات لا تقصف إلا من يدافعون عنهم في الجبهات لكنا عذرناهم بعذر أقبح منه ذنب سكوتهم، على أساس أن الجبهة مكان مواجهة قتالية.
لكن بماذا نبرر سكوتهم أمام مجازر الأطفال الصغار، والنساء، والصيادين، والمهمشين، والرعاة، والفقراء... تقتلهم الطائرات أمامهم في كل مكان على امتداد مساحة الوطن الغالي؟!
الحقيقة، لقد جعلنا موقفكم العجيب نتساءل إن كنتم بالفعل بشراً حقيقيين!! وكيف أتقنتم التمثيل طوال السنوات الماضية حتى انخدعنا بكم ومضينا خلفكم؟!!
ولو كنا نظرنا إلى أعماقكم لاكتشفنا أن عيونكم زجاجية باردة، وقلوبكم من حديد صلد، وأنكم مجرد ريبورتات تسيرها ريموتات المصالح الشخصية.
فهل من المعقول أنكم بكل ذكائكم وثقافتكم التي أفنيتم أعماركم لاكتسابها من آلاف الكتب التي قرأتموها لم تكتسبوا منها معرفة حقيقية تعينكم على تمييز الحق من الباطل، لتتمكنوا من تحديد موقفكم من هذا العدوان الأممي، الذي يقود حرب إبادة شاملة ضد بلد بأكمله؟!
عدوان يجتث البشر والحجر، وحصار مطبق شامل، ومجاعة، وأمراض، وكوليرا، ومؤامرة دولية، تتجاوز كل ما سنته شرائع السماء وقوانين الأرض.
عدوان تعترف ببشاعته الدموية حتى تقارير المنظمات الدولية، والتي رغم انحيازها الواضح لم تستطع تجاهل بشاعته أو التغطية عليه.
أخبرونا يا رموز الصمت الخائن، هل تسببت كمية الكتب التي قرأتموها وتلك التي كتبتموها في أن يغم عليكم فلم تروا نور الحق الساطع؟!
ألا تعساً لثقافة لا تريني الحق حقاً والباطل باطلاً! 
وتحية تقدير واعتزاز لذلك المجاهد الحافي البسيط، الذي دلته فطرته السليمة -التي لم تلوثها ثقافتكم المغلوطة الزائفة- على المكان الذي يجب أن يكون فيه، باذلاً أغلى ما يملك، دون أن ينتظر من أحد جزاءً ولا شكورا.
وتحية لك أستاذنا القدير صلاح الدكاك.

أترك تعليقاً

التعليقات