الرد الإيراني و«الأسد الصاعد» الحقيقي
- إيهاب شوقي الأحد , 15 يـونـيـو , 2025 الساعة 1:35:57 AM
- 0 تعليقات
إيهاب شوقي / لا ميديا -
عقب عدوانٍ غادر، أراد به العدوّ “الإسرائيلي” وراعيه الأمريكي افتتاح مشهد يهدف إلى تركيع رأس محور المقاومة، والتفرغ للإجهاز على القضية المركزية، والدخول حثيثاً إلى “الشرق الأوسط الجديد”، جاء الرد الإيراني بعد ساعات ليقلب الطاولة، ويحوّل -كعادة المقاومة- التهديد إلى فرصة لإثبات قوة المقاومة ومصداقيتها وتعميق أزمة الكيان ورعاتها، ووضع هذا الكيان الغاصب والغادر على بداية طريق الزوال.
لعلّ الساعات الأولى للعدوان كشفت حجم الانهزامية والأحقاد والشماتة، وتعجّل العديد من أعداء المقاومة في الإفصاح عن أمنياتهم بهزيمة إيران. ولكنّ الرد الإيراني جاء مخيباً لأمانيهم ورهاناتهم، ومزيلاً للقلق والمخاوف التي انتابت جمهور المقاومة في الساعات الأولى العصيبة بعد بداية الغدر والخديعة التي شاركت فيها أمريكا، حيث دُشّنت سابقة دبلوماسية خطيرة، حين حوّلت الدبلوماسية والتفاوض إلى جزء من الخداع الاستراتيجي، وهو ما يلقي ظلالاً كثيفة من انعدام الثقة بالعلاقات الدولية والحلول الدبلوماسية.
في هذا الصدد، لا بدّ من مناقشة الرد الإيراني من عدة أبعاد، وأهمها سرعته وما تعكسه هذه السرعة من قوة واقتدار الجمهورية الإسلامية، ومن حيث استراتيجيته ودلالاتها وانعكاساتها على مستقبل الصراع ونتائج هذه المعركة المصيرية والمفصلية، والتي سيتحدّد على إثرها مستقبل المنطقة.
لمناقشة الرد وأهميته، يجدر بنا تناول عدة عناوين، وهي وفقاً للترتيب الآتي:
أولاً: هدف العدوان الغادر وكيف أفشله الرد الإيراني
جاء العدوان الغادر في سياق لا يعبّر عن فائض قوة للعدو بقدر ما يعبر عن فائض خوف ورعب من صمود الجمهورية الإسلامية أمام التهديد والتخويف بالحرب؛ خصوصاً في ما يعكسه هذا الصمود من استناد إلى قوة حقيقية ووحدة شعبية. وبعد أيام من إعلان إيران امتلاك كنز استراتيجي من الوثائق الخاصة بالمشروع النووي والصاروخي الصهيوني وفضح تواطؤ هيئة الطاقة الذرية وأمريكا مع الكيان، جاء خيار العدوان، وهو خيار شمشوني، من منطلق أن كلفة الحرب اليوم ستكون أقل من كلفتها في المستقبل الذي يصب في مصلحة إيران وجبهات المقاومة، بما تمتلكه المقاومة من بنك أهداف وإنجازات علمية يمكن الإفادة منها لتطوير القدرات. وهنا، اعتمد العدوان على المباغتة والغدر واستغلال الأجواء الدبلوماسية الكاذبة وعدم توقع العدوان، على الأقل قبل نهاية جولة التفاوض مع أمريكا.
كما اعتمد العدوان المُبيّت على أسلوب الصدمة، وهو يماثل ما حدث مع لبنان في جرائم اغتيال القادة ومحاولة بث الفوضى والارتباك في الهياكل التنظيمية، وهو ما حدث بالتعاون مع العملاء في اغتيال القادة الشهداء في الحرس الثوري والجيش الإيراني، وكذلك الشهداء من العلماء. والمراقب لتفاصيل العدوان يدرك جيداً أن الهدف يتخطّى ضرب المشروع النووي، والذي لا يمكن للصهاينة أو الأمريكيين تدميره، لتشعبه ووجود بنيته الرئيسة تحت الأرض بمئات الأمتار، حيث لا تستطيع أعتى القنابل الأمريكية الخارقة للحصون الوصول إليها، باتفاق الخبراء جميعهم.
لقد كان الهدف الرئيس هو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، عبر استهداف مراكز القيادة والسيطرة، استغلالاً للصدمة الأولى والدفع لتحريك بعض العملاء لبث الفوضى وتحريك تظاهرات مأجورة، على غرار ما حدث في سورية. وإذا لم تنجح هذه المؤامرة، فالهدف على الأقل هو إجبار إيران على التنازل والتفاوض تحت شبح السقوط والاستسلام للمطالب الأمريكية والصهيونية، وهذا يعني إسقاط النظام معنوياً، حتّى لو فشل الإسقاط العملي. وهنا، كان الرد مفشلاً لهذا السيناريو الخطير، حيث مثلت سرعة احتواء الموقف وتعيين القيادات البديلة مصداقاً لقوة الجمهورية وصلابة مؤسساتها ومتانة عقيدتها المقاومة. كما مثّل الالتفاف الشعبي حول النظام ومطالبته بالرد مصداقاً حضارياً وعقدياً، وإفشالاً للرهانات البائسة والأوهام المتخيلة للأعداء.
تالياً، كان الاحتواء الإيراني ورده في ذاته، بمعزل عن نوعيته واستراتيجيته، عاملاً حاسماً في إجهاض هذا المخطّط الغادر.
ثانياً: في استراتيجية الردّ
اتضح جلياً، من قوة الرد الإيراني وبنك أهدافه الأولى، أن الجمهورية الإسلامية متماسكة وقوية، وبيدها زمام المبادرة، وأن الهدف الاستراتيجي هو النصر، عبر إفشال العدوان وأهدافه، وتلقين العدوّ درساً قاسياً، يزيل نشوته المزعومة ويوقفه عند حده، وذلك لعدة أسباب:
1. جاء الرد قوياً، وليس انفعالياً، فقد حرص على انتقاء الأهداف بعناية تدل على الحكمة، وليس عشوائياً وما يعنيه من انفلات الأعصاب. لقد حرص الإيراني على الالتزام بمعادلات، من أهمها: المدني بالمدني والعسكري بالعسكري، وتوجيه الصواريخ للقواعد الجوية والصناعات العسكرية، مع الجرأة على استهداف المباني العسكرية الموجودة داخل المناطق السكنية، والتي كانت المقاومة تتجنبها دوماً؛ في إشارة ورسالة للعدو بأنّه لم تعد هناك خطوط حمراء بعد تخطيّه هو لهذه الخطوط.
2. جاء الرد قوياً من حيث قوة النيران، عبر استخدام رؤوس حربية ثقيلة توصل رسالة للعدو بأن إيران تخوض حرباً، وستمضي في الشوط إلى نهايته، وهي ليست جولة تكتفي منها بإرسال رسائل ردع عبر استخدام قوة نارية محدودة كافية للردع، بل هي رسالة بأنّ أمن إيران وسيادتها خط أحمر دونه الحرب الواسعة التي لا تراعي أي انزلاقات مهما بلغت.
3. امتلكت إيران زمام المبادرة، عبر الرد وما صاحبه من تصريحات، حيث أمسكت بمقود التصعيد والأهداف، وأن العدو إذا ما عمّق عدوانه نحو البنية التحتية والطاقة والأهداف المدنية، فإيران ستتعامل بالمثل، وذلك بالاستناد إلى المصداقية النابعة من نجاح الدفعات الصاروخية في الوصول إلى أهدافها عبر تطوير تكتيكات إطلاق الصواريخ ونوعيتها ودخول الصواريخ الذكية ونجاحها في عبور طبقات الدفاعات الأمريكية والصهيونية.
4. رسائل القوّة السياسية التي أرسلها السيد القائد علي الخامنئي، والرئيس بزشكيان، ورسائل التضامن والالتفاف الجماهيري الذي خرج محتفلاً بالرد، وهو ما أبطل رهانات أمريكا والكيان في التهديد والتخويف وما كان مأمولاً أنه سيضعف إيران ويكسر إرادتها، إلى فرصة للتعبير عن مصداقيتها وصلابتها، وأن شعار “هيهات منّا الذّلة” هو صلب عقيدة المقاومة وجبهاتها، وليس شعاراً كاذباً أو مجرد تعبئة فارغة للجماهير.
ممّا لا شك فيه أن المعركة مستمرة، وهذه الجولة هي جولة مصيرية داخل صراع وجودي. وقد حاول العدو، عبر عدوانه وانتقاء اسم له دلالات توراتية: “الأسد الصاعد”، أن يلمّ شمل جبهته الداخلية المفككة بسبب صمود قوى المقاومة، فوجد العدوّ رداً قوياً وصلباً ومفسداً لرهاناته، حيث اختبأ “الأسد” في الملاجئ، وظهرت الأسود المقاومة الحقيقية التي خرجت تحت القصف لتعبّر عن مطالبتها بالرد، وخرجت أسود المقاومة من القيادات لتداوي جراحها وتنتزع المبادرة، وتلقن العدوّ درساً قاسياً، وتعلن أنها ماضية في الشوط إلى نهايته، وأن ما أراده العدوّ من إسقاط للمقاومة في المنطقة، سيتحوّل وبالاً عليه، وقد تكون بداية الطريق الفعلية لسقوط الكيان وسقوط نفوذ رعاته في المنطقة.
المصدر إيهاب شوقي
زيارة جميع مقالات: إيهاب شوقي