هذا ما حدث
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
سبق أن عرفنا أن كل تلك التخرصات التي كالتها الكنيسة المنوفيزية الثالوثية، من خلال الروايات السريانية، أو تلك الأكاذيب التي حاكها حليف روما التاريخي (معاوية) على يد سرجون، وعبيد بن شرية، وسواهما، والتي كانت تحيي مجالس سمر ابن هند، كما كان لها الأسبقية في إدخال الإسرائيليات إلى تاريخنا وتراثنا كله ضد الملك يوسف أسار،  سبق أن عرفنا كيف انهارت كلها بمجرد إظهار حقيقة ما جرى، وطبيعة الصراع بين الملك ذو نواس، والأحباش المحتلين وعملائهم. وذلك ما قام به نشوان دماج، من خلال دراسته اللغوية والفكرية العقائدية التاريخية (الرحمن، اللغز الأكبر). الذي قدم لنا حقيقة الملك يوسف ذو نواس، ودوره، وطبيعة التحديات التي واجهته، وما هي أفكاره، وما هو دينه، بحيث قام بتقديم تاريخ هذا الملك كما حدث، لا كما أُحدث فيه، ورأيناه مستعيناً بالرحمن، يضع بين يدينا ما كان كما هو، معتمداً على نقوش ذلك الملك، وكاشفاً عورات مَن لقنونا التاريخ كما يرون، وذلك بعد أن أعادوا تدوينه كما يجب أن يكون، خدمة لمآربهم الخبيثة.
فما الذي حدث؟
يقول لنا هذا الكتاب على لسان صاحبه: إن النقوش الثلاثة التي تحدثت عن مجمل تلك المعارك، تظهر تطابقا كبيرا في ما بينها، سواء في سردها للأحداث، أو وصفها لمجريات المعركة التي تبدو متسلسلة، أو في بيانها للحقائق، فالسير معها بدءا بمعركة ظفار، وهدم الكنيسة المونوفيزية هناك، مروراً بالمخا، والقيام بالفعل ذاته مع كنيسة المنوفيزيين فيها، وصولاً إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل وأعوانه، ودحرهم، إلى العسكرة في الساحل الغربي وتحصين باب المندب، كلها أمور توضح بما لا يدع مجالا للشك، أن كل ما قيل بحق ذي نواس كان محض كذب وافتراء.
وأول ما سيسقط كل تلك الروايات الخارجة من جراب بيزنطة والحبشة وأحلافهما: عسكرة الملك وجيشه بالساحل، والاكتفاء بإرسال مجموعة من الجند، بقيادة شخص آخر إلى نجران. فبقاء الملك على رأس معظم جيشه على تخوم باب المندب، واكتفاؤه بإرسال فرقة بقيادة شخص آخر، كفيلٌ بإسقاط نصف الروايات السريانية، وما تبقى سيسقطه ما يلي هذا الأمر. فإن قيل: لا ضير إن كان موجوداً أم لا، طالما والجيش جيشه، وهو الملك. فالرد لقولهم ذاك يكون على النحو التالي: لئن تواريتم خلف أكاذيبكم تلك، وظننتم أن نصف بنيانكم الزائف، سيمكنكم من الإبقاء على تاريخ هذا الملك مشوهاً ومزيفا، إذ تقدمونه كمجرم، لا يعي سوى تقطيع المستضعفين وحرقهم، في كل مكان، فإن ذلك النصف الباقي سينهار.
إذ سنعرف في الأمر الثاني: أن ما قدمتموه من هدم أو حتى حرق للكنائس، ما كان إلا ضد كنيستي ظفار والمخا، باعتبارهما دخيلتين على النصرانية التوحيدية، التي عبر عنها ذو نواس، وصورة من صور الاحتلال الحبشي، الذي يريد فرض منوفيزيته على اليمن كدين باسم المسيح. وعليه؛ فأين هو الهدم أو حتى الإحراق هنا لكنيسة نجران التي جعلتموها «هولوكوست» ضد المؤمنين الضعفاء قام به ذو نواس؟ ثم ألا يوحي استعمال النقوش لجملة (دهر قليس بظفار، وقليس بالمخا) إلى أنهما كانا مجرد رمزية للاحتلال، ولذلك فهدمهما كان نتيجة لرمزيتهما، أو باعتبارهما دور ضرار ولم يكن من أحد فيهما؟
وأخيراً، إن الصراع كان بين نصرانية قائمة على الوحدانية، ومسيحية ثالوثية دخيلة، كمذهب احتلال، هذه الوحدانية التي دافع عنها ذو نواس، وكانت هي عقيدة اليمانيين، سيتم الانقلاب عليها، بمعركة كبرى تضم الروم والحبشة وفرسان وركبان وأشاعرة كحلف، ضد ذي نواس، فيكون القضاء عليه هو الباب للقضاء على الوحدانية، كمذهب رسمي، فتحل محلها الصيغة المنوفيزية الثالوثية القائمة على الشرك بالله، ليظل اليمانيون بعدها في قلق انتظار الخلاص الطالع من أرض الحجاز، بعد أن أعادهم هميسع أشوع إلى منوفيزية معدي كرب يعفر، سلفه في العمالة والخيانة.

أترك تعليقاً

التعليقات