ترامب..الظاهرة الإشكالية
 

أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
لم يخطر بذاكرة التحليل السياسي، أو أدواته المنهجية، أن يقفا عاجزين حيال ظاهرة ترامب العصية على الفهم المنطقي، وحتى تقبل تلك الظاهرة كواقع يجب فهمه كما هو، يبدو عصيا، لما خلقته من تشظيات جمة في سياقات الفعل والقول والتفكير. حيث إن الرجل يقود أكبر منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية في العالم بدلائل الواقع واحصائيات الرصد، ومن هذا المنطلق والواقع تأتي خطورة الرجل ومصفوفة الأدوات التي يحوزها ويتحكم بالعالم من خلالها.
صحيح أنه شكل ظاهرة ومازال، حتى في فترة بعده عن السلطة والمكتب الأبيض وما ينتج عنه من قرارات ممزوجة بالألوان المتناقضة، حد الوقاحة، لكنه تعبير فعلي عن صيرورة المضامين الناظمة للإدارة الأمريكية منذ استقلالها وتبلورها ككيان معبر عن العنصرية الأوروبية الحاقدة.
ترامب ليس استثناء في تاريخ السياسة الأمريكية بحسب الفيلسوف الفرنسي أليكس توكفيل مؤلف كتاب "الديمقراطية في أمريكا" فقد سبقه الرئيس الأمريكي آندرو جاكسون، الرئيس السابع لأمريكا الذي كان مهووسا بتقمص شخصية نابليون وتقليده في كل تصرفاته الشخصية والإمبراطورية. في عهده تم توقيعه على قانون ترحيل الهنود الحمر إلى الغرب وبالفعل جرى ذلك تحت وطأة القوة والعنف الشديدين اللذين أديا إلى قتل الغالبية منهم في رحلة طريق الدموع، كما تذكر المصادر، كان يجلجل بادعائه الوقوف إلى جانب الغالبية من الأمريكيين البسطاء ضد أباطرة المال والثروة لكنه في الواقع كان يمتلك العبيد ويسعى إلى مضاهاة الأثرياء ومنافستهم.
في أول أيام فترة رئاسته الحالية أثبت ترامب توازيا مع أصوله الألمانية، أن جينات هتلرية تسري في دمائه حد تقمصه شخصية هتلر ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ الثاني بتهديد معظم الأقطار الأوروبية باجتياحها وضمها إلى مصفوفة الرايخ الثالث الجرمانية، بينما ترامب تحت وقع نشوته المماثلة بالنصر والتفوق على خصومه الداخليين والخارجيين، وبفعل فائض القوة الموجه كما يرى المراقبون، قفز على غرار ابن أرومته هتلر بتهديد العديد من البلدان بضمها أو أجزاء منها إلى مملكته البيضاوية بكل صلف وعنجهية حد السخرية والتندر.
في هذا السياق الترامبي المكارثي، حتى الاتحاد الأوروبي الذي لم يستثن من قراراته الجمركية، التي حتما ستعود بالضرر على الشركات الأمريكية، بحسب بيان الغرفة التجارية الأمريكية في لندن، والتي قد تطال تفكيك عرى اللجنة الثلاثية المكونة من كندا وأمريكا كطرف أول وأوروبا كطرف ثان واليابان كطرف ثالث، وهذا كله له عواقبه ومردوداته على أمريكا والأمريكيين وشركاتهم المسيطرة على جزء كبير من الاقتصاد العالمي سواء على مستوى الموارد الطبيعية أو المنتجات والسلع المتعددة والمتنوعة العابرة للقارات والثقافات في سياقات متعددة ومتنوعة -كذلك- من الاستهلاك.

الشخص والشخصية
ترامب كما يصفه كثير من معايشيه، وحتى من أقرب دوائر الارتباط به، هو خليط من شخصيات عدة متناقضة، يعيش حياة هي أقرب إلى حياة المهرج المستهتر، أكثر منها إلى حياة إنسان طبيعي، ومع ذلك فإن الحظ والظروف تقف إلى جانبه في أشد المواقف صعوبة، كما يعلق أحد المقربين منه. يذهب بعضهم إلى أن الرجل مدرك تماما لمضامين ذاته المستهترة، لكنه استمرأ الحالة المتقمصة التي يعيشها كمعتوه ثري ونظيف. يدلل البعض على حالة الفصام والاستهتار التي لدى ترامب بتعليق مفاده: رجل يتغزل بابنته على مرآى ومسمع الناس أمام الكاميرات وأضواء الإعلام، دون خشية، فماذا يتوقع منه؟
هناك الكثير والكثير من تقارير وحتى دراسات التحليل النفسي عن الرجل كلها تصفه بالشخصية المضطربة المتناقضة غير السوية، المهووسة بالبقاء في دوائر الضوء والإثارة بغض النظر عما ستؤول إليه من نتائج.

خلف طاولة المكتب البيضاوي
نادرا ما يستقر الرجل داخل المكتب البيضاوي خلف الطاولة، كما يصف أحد الموظفين السابقين في البيت الأبيض، فهو قلق وكثير الحركة والدخول والخروج، مرورا بدوائر إدارة البيت الأبيض، وهو ما يعكس القلق الواضح لدى موظفي الإدارة، ويربكهم حد بقائهم أكثر الوقت رهنا للتفكير بما سيفعله أو سيطلبه منهم من مفاجآت غير متوقعة، علاوة على سلوكه الساخر المشوب بالنظرة الاستعلائية والسخرية من الآخرين، حتى وإن كانوا كبار موظفي البيت الأبيض.

القضية الفلسطينية وفكرة التهجير
فكرة ترامب اللامعقولة لاقت استهجانا ورفضا واسعين على مستويات سياسية رسمية وشعبية واسعة حتى من الداخل الأمريكي نفسه. توماس فريدمان أحد أبرز الصحفيين في العالم وصاحب أشهر عمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، كتب مستهجنا ومستنكرا الطريقة التي يفكر بها ترامب حيال القضية الفلسطينية وغزة بالذات والتي يبدو أن رجل البيت الأبيض تعامل معها باستهتار وعنجهية كعادته إزاء قضايا شائكة وذات خطورة على الأمن والسلم الإنسانيين. وقال فريدمان: إن مبادرة ترامب هي أكثر مبادرة سلام حماقة ومجلبة للفوضى تخرج من البيت الأبيض في تاريخ أمريكا كله.

أترك تعليقاً

التعليقات