أردوغان يقدم أوراق اعتماده إلى ترامب
 

نضال بركات

نضال بركات / لا ميديا -
لقد عمد أردوغان، من خلال دعم التنظيمات الإرهابية للسيطرة على حلب، إلى تقديم أوراق اعتماد للرئيس ترامب في ولايته الثانية التي تبدأ في العشرين من الشهر القادم، لخشيته من أن يعقد ترامب اتفاقيات مع روسيا حول أوكرانيا، وتكون سورية جزءاً من هذا الاتفاق، خاصة وأن ترامب قال إنه لا يرى مبرراً لبقاء قواته في سورية، إلا أن أردوغان شعر بأن ذلك قد يهدد بلاده، فلم ينتظر وصول ترامب للبيت الأبيض، وأعلن استعداده لتنفيذ المهمة التي رفضتها موسكو خلال زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلي" رون ديرمر في حكومة نتنياهو إلى موسكو، فيما يتعلق بالضغط على دمشق لإقفال الحدود ا لسورية أمام دخول السلاح إلى المقاومة اللبنانية، وقال المبعوث الروسي إلى دمشق الكسندر لافرتيف إن روسيا لا تتدخل في شأن سيادي سوري.
أما فيما يتعلق بإيران فقد أراد أردوغان أن تكون له اليد العليا في المنطقة كأداة أمريكية لتنفيذ سياستها الداعمة لـ"إسرائيل" وقطع إمدادات إيران للمقاومة، بينما تصريحاته المعادية لـ"إسرائيل" لم تكن إلا شعارات فقط دون تقديم أي دعم للفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتالي فإن أردوغان أراد تقديم أوراق الاعتماد لترامب ظناً منه أن الاستيلاء على حلب قد تكون الفرصة الذهبية لإنهاء الدعم الإيراني لمحور المقاومة، خدمة لأمريكا و"إسرائيل"، بعد فشلهم في قراءة المشهد في المنطقة بعد السابع من أكتوبر في العام الماضي.
من الواضح أن سيطرة المجاميع الإرهابية على حلب لم يكن وليد اللحظة، وإنما تم التخطيط لذلك قبل عدة أشهر من خلال صفقة تم الاتفاق عليها بين أردوغان والأمريكيين و"الإسرائيليين" وتم تزويد الإرهابيين بعتاد وأسلحة غربية متطوّرة وأعداد كبيرة من المسيّرات، ومن عرض الصفقة هي الإدارة الأمريكية الحالية التي أرادت من خلالها ضرب ثلاثة أعداء بحجر واحد؛ سورية وإيران وروسيا، مع حزب الله. وكان من المقرر أن يبدأ تنفيذ الصفقة في آذار/ مارس الماضي، إلا أنه تم تأجيلها إلى ما بعد وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، لعلم "إسرائيل" أنها خسرت أمام المقاومة اللبنانية خسارة واضحة، فكان من الضروري فتح جبهة قتال أخرى تلهي الأنظار عما حدث في لبنان للداخل "الإسرائيلي"، ومنع المقاومة اللبنانية من إعادة بناء قوتها من خلال إلهاء سورية وتشتيت جهدها وإقفال طرق الإمداد البرية بين إيران ولبنان التي تمر عبر سورية.
وهذا ما تحدثت عنه صحيفة "ناشونال انترست" بهدف احتلال مدن سوريّة كبرى". أما  هيئة البثّ "الإسرائيلية" فقد أعلنت أن السيطرة على حلب تمت بدعم "إسرائيلي"، بهدف قطع إمدادات الأسلحة من سورية إلى لبنان.  وعلق ضابط "المارينز" السابق سكوت ريتر على هذا المخطّط الخطير الذي انتقل من غزة، وبعدها لبنان، ثم إلى سورية، بقوله: "إنها خطة استراتيجية بين الإسرائيليين والأتراك بدعم أمريكي، لقطع طريق الإمداد من إيران إلى حزب الله، ولتهديد روسيا في سورية وإجبارها على تحويل الموارد من أوكرانيا لإنقاذ موقعها في سورية".
وبعد سيطرة الإرهابيين على حلب بدأ أردوغان يتباهى ليعيد أحلام العثمانيين، وكأنه على يقين أنه لن يخرج منها، وظنا منه أن ما خطط له سينجح وتكون أوراق القوة بيده ضد سورية وإيران وروسيا. إلا أن الضابط الأمريكي سكوت ريتر قال إن أردوغان لم يعد لديه أي مصداقية، وستكون تركيا هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب، بعد أن كانت هي الضامن في اتفاقيات "سوتشي" و"أستانا" للإرهاب المتواجد في إدلب.
أما مستشار السيد خامنئي، علي أكبر ولايتي، فقال: "لم نتوقّع أن تقع تركيا في الفخ الذي حفرته لها أمريكا وإسرائيل"، مؤكدا أن أردوغان اقترف خطيئة استراتيجية ستنعكس عليه داخلياً وخارجياً، وأنه تورط ولن يحصد إلا الخسارة. والمعارضة التركية لا تخفي قلقها من "سياسات المغامرة" التي تنتهجها أنقرة في سورية وعبرها في المنطقة، وسيطرة الإرهابيين على حلب عملية خطيرة تخدم الأجندة "الإسرائيلية".
وفي تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" قال روبرت فورد، آخر سفير أمريكي في سورية، إن "أشهراً من الضربات الإسرائيلية على مواقع سورية وأخرى لحزب الله، واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، كانت عوامل وفرت للتنظيمات الإرهابية الفرصة للتقدم". ويشير فورد، في السياق ذاته، إلى أن تطورات الشمال السوري يمكن أن تجتذب روسيا وتركيا إلى خوض قتال مباشر بينهما. وهو أمر، إذا تحقق توقع فورد، سوف يخدم الولايات المتحدة من زاويتين: زاوية اضطرار روسيا إلى إبعاد موارد عسكرية عن أوكرانيا أو التخلي عن سورية، وزاوية كسب الولايات المتحدة تركيا إلى صفها.
لقد تغيرت الأوضاع الآن عما كانت عليه في بداية الأزمة في سورية عام 2011 بعد أن صمدت سورية، وباتت التنظيمات الإرهابية تشكل خطرا كبيرا على الاستقرار في المنطقة، وهذه التنظيمات ليست سوى أداة بأيدي مشغليها، خاصة الأمريكان و"الإسرائيليين" والأتراك، الذين يدعمونها لتحقيق أهدافهم وزعزعة الاستقرار في البلدان التي لا تسير في فلكهم؛ وبالدرجة الأولى محور المقاومة، وقلب هذا المحور سورية، وبالتالي فإن سيطرة الإرهابيين على حلب لم يلق إلا التنديد العربي الواسع، وهذه الورقة افتقدتها سورية في السابق.
أما الدول التي تصالحت مع أردوغان فتعلم جيدا أنه سينقلب عليها إذا تمكن بعد السيطرة على حلب من إحياء مشروع الإخوان المسلمين، بينما يسعى بعد سيطرة الإرهابيين على حلب للحصول على تفويض جديد مثلما كان عليه الوضع في بداية ما سمي بـ"الربيع العربي". ولكن الوضع تغير الآن وبات خريفاً عربياً وأوراق اعتماده للرئيس ترامب لن تفيده، لأنه أكد خلال حملته الانتخابية على ضرورة إنهاء الحروب خلال فترة حكمه التي تبدأ في العشرين من الشهر القادم، وبالتالي فإن أحلام أردوغان لن تتحقق؛ لأن الاستعدادات للمعركة الكبرى تؤكد أن الوضع في الشمال السوري لن يستمر على ما هو عليه الآن.

أترك تعليقاً

التعليقات