خفايا دهاليز مفاوضات السلام 6
 

عبد الإله محمد حجر

السفير عبد الإله محمد حجر / لا ميديا

قلنا في الحلقة السابقة كيف أن المبعوث الأممي، ومن خلال بيانه، بدا واضحاً أنه أنقذ موقفه من حيث فشله والأمم المتحدة في تنفيذ الهدنة المتفق عليها، كما أنه أنقذ الوفد اليمني القادم من الرياض.
أما بالنسبة للسعودية فإنها تمكنت من اتخاذ إجراءات عسكرية مفاجئة حققت فيها مكاسب عسكرية تحت غطاء هدنة المفاوضات، دون إدانة صريحة من الأمم المتحدة.
وتمثل الجانب الإيجابي في كلمة المبعوث الختامية، وكذلك إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر، أنه أشار إلى الفراغ الأمني الذي أدى إلى توسع خطير للجماعات المتطرفة في أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت وعدن. 
وطالب البيان الصحفي الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر، باستئناف المفاوضات وتثبيت وقف إطلاق النار وتخفيف حدة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني، كما أنه أكد على وحدة واستقلال وسلامة أراضي اليمن. 
وتجدر الإشارة إلى أن تشكيلة الوفد اليمني القادم من الرياض أثارت الانتباه من حيث مناصبهم، حيث 3 منهم نواب رئيس الوزراء، و5 وزراء، ومستشار للرئيس، وقد تعاملت الحكومة السويسرية مع كلا الوفدين بصورة متكافئة، ووفرت مقراً وسكناً محصناً أمنياً ولا يسمح بدخول أحد سوى الأعضاء والمصرح لهم، وتميز السكن والطعام بالبساطة المتناهية، وبعيداً عن الرفاهة والفخامة، مما وفر أفضل الأجواء للتشاور، وأبدت الحكومة السويسرية استعدادها الكامل لاستمرار المفاوضات رغم قرب احتفالات الكريسمس، ولكن الوفد اليمني القادم من الرياض، ومن خلفه السعودية والسفير الأمريكي، أصروا على إنهاء المشاورات، وساعدهم في ذلك المبعوث (بسبب الإخفاق في الالتزام بوقف إطلاق النار، وبروز الأزمة الإنسانية التي تسبب فيها عدوان التحالف وحصاره). وللتدليل على سوء النية لدى دول التحالف وما تسمى الحكومة الشرعية، التي رافقت انعقاد المشاورات، نشرت (ميدل إيست آي) مقالاً بعنوان (خلف كواليس محادثات السلام اليمنية في سويسرا 27 ديسمبر 2015)، ذكرت فيه:
(إحدى العلامات الرئيسية التي تشير إلى خضوع الحكومة اليمنية، للضغوط الدولية المتزايدة، تتمثل بموافقتهم على عدة مطالب للحوثيين قبل مباشرة محادثات بييل، وأبرزها، ما أصر عليه الحوثيون خلال المفاوضات السابقة في مسقط - عُمان، حول رفضهم حضور أي محادثات سلام أخرى ما لم توافق الحكومة اليمنية على وقف إطلاق النار أولًا، حيث أعلن هادي عن وقف لإطلاق النار لمدة 7 أيام، وتعهد بوقف كامل للعمليات الحربية).
(بالتزامن مع اطراد الآمال بتحقيق تقدم - بحده الأدنى – في المفاوضات، تم توجيه ضربة قاسية لمسار المحادثات من خلال الأحداث التي جرت في وقت لاحق من تلك الليلة في اليمن، حيث قامت القوات الحكومية اليمنية، التي تم تدريبها على يد قوات التحالف التي تقودها السعودية، على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بشن هجوم مفاجئ على المنطقة الشمالية، بالقرب من منطقة الجوف، واستولت على مساحات شاسعة من الأراضي، ومع ورود هذه الأخبار إلى بييل، شوهد أعضاء الحكومة اليمنية يحتفلون في بهو فندق في مدينة بييل).
(بعد ساعات من وقوع الهجوم، نشر مراسل (الجزيرة) في مأرب منشوراً على (فيسبوك)، مدعياً بأن توقيت الهجوم العسكري كان متعمداً بوضوح، ويهدف إلى تعزيز موقف الحكومة التفاوضي، ومنذ ذلك الحين تهافتت التأكيدات التي تؤكد صحة هذا التفسير من عدة مصادر أخرى في مأرب).
(في صباح اليوم التالي، لم يحضر الوفد الذي يمثل الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح (المؤتمر الشعبي العام) إلى المحادثات، حيث قضوا ساعات في نقاشات حادة ومتوترة مع مبعوث الأمم المتحدة، ملقين عليه اللوم بخداعهم بصفقة وقف إطلاق النار).
(وفي الوقت عينه، كان الصحفيون الموالون للحكومة والمحللون مشغولين بإجراء مقابلات متكررة مع وسائل الإعلام العربية، بما في ذلك قناة الجزيرة، قناة العربية، والقنوات السعودية المحلية، بطبيعة الحال، يبدو أن جميع التصريحات كانت تقتبس من ذات السيناريو الموالي للحكومة، وتؤكد على ذات نقاط الحوار حول قيام الحوثيين بخلق (العقبات) ورفضهم لحضور المحادثات وهلم جرا، حتى إن قناة العربية ذهبت إلى نشر سبق صحفي يشير إلى قيام أحد أعضاء الوفد الحوثي بالاعتداء جسديًا على مبعوث الأمم المتحدة).
(وفي مؤتمر صحفي عقد في اليوم التالي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة أن الطرفين اتفقا على تطبيق مجموعة من تدابير بناء الثقة، بما في ذلك آلية للإفراج عن الأسرى، والتي ستشمل إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء مرة واحدة بمجرد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وبعد ساعات من إعلان مبعوث الأمم المتحدة عقد عبد الملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء اليمني ورئيس وفد الحكومة، مؤتمرًا صحفياً خاصاً، ورداً على سؤال حول بيان المبعوث الخاص للأمم المتحدة، أجاب: (وقع مبعوث الأمم المتحدة بخطأ، ولقد وعد بتعديله)، محطماً من خلال هذا التصريح أي أمل بإحراز أي تقدم ملموس، واستطرد المخلافي موضحاً أن الرئيس هادي وافق على تجديد وقف إطلاق النار لمدة 7 أيام، وهو بيان لا يعبر عن مصداقية؛ بافتراض امتلاكه القرار.. وذلك بالنظر إلى درجة عدم الفعالية التي شهدها اتفاق وقف إطلاق النار السابق الذي امتد لـ7 أيام أيضاً).
(*)عضو الوفد الوطني لمفاوضات السلام اليمنية

أترك تعليقاً

التعليقات