جنى أمين - مجلة «هارفارد إنترناشيونال ريفيو» الأمريكية
ترجمة خاصة لـ «لا»: زينب صلاح الدين / لا ميديا -
أطفال يعانون من سوء التغذية وأطفال متخلفون يحيطون بها من كل جانب، وصوت دوي الانفجارات على مقربة. وسط فوضى الأمهات المفجوعـــات والممرضات تأسف الدكتورة مكية مهدي لهذا الوضع، وهي أحد المتخصصين في الرعاية الصحية القلة النادرة في اليمن: «نحن اليمنيين لسنا بحاجة إلى علاج سوء التغذية أو إلى لقاحات الكوليـرا وفيــروس كورونا». تتوقـف قليلاً ثم تضيف: «نحن بحاجة إلى اللقاح الذي سينهي هذه الحرب».
منذ نشوبها في العام 2014 وحتى الآن؛ دمرت الحرب الأهلية النظام الصحـي للدولــة بتأثير متفاوت أثر على 13 مليون طفل في اليمن. ومع ذلك غالباً ما ينظر الكثيرون إلى أزمة سوء التغذية في اليمن -الأسوأ على الإطلاق في التاريخ- فقط عبر الفحص الطبي الخاص بها وليس من خلال نهج اجتماعي حيوي واسع وشامل يدرس دور الحرب في إدامة وباء أزمة الغذاء مع أخذ العديد من العوامل التاريخية والبيئية والثقافية والاجتماعية في عين الاعتبار التي أيضاً تلعب دوراً مهماً. والقيام بذلك أجج فقط (وسيواصل تأجيج) عدد من الأوبئة التي تهدد جيلاً كاملاً من اليمنيين.

الأسباب الجذرية للفقر في اليمن
في نهاية المطاف لا يمكن للعنف وحده أن يكون هو المتهم الوحيد بالنسبة لحجم المعاناة الكبيرة من سوء التغذية في كل مناطق اليمن والانهيار الكلي لنظام الصحة في إطار التفاعل مع هذا الوباء. تمتد دراسة تحليلية لفقر اليمن في الوقت الحالي إلى نوفمبر 1990؛ حيث ذكر برنامج الغذاء العالمي أن 17.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي المزمن. في هذا الوقت بالكاد بعد ستة أشهر من اتحاد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع الجمهورية العربية اليمنية -التي سجلت توحيد اليمن- طلب من اليمن التصويت على القرار رقم (678) الذي ترعاه الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمتعلق بالعراق، بعد أربعة أشهر فقط من احتلال العراق للكويت. في ذلك الوقت، دفعت علاقة الرئيس صالح الإيجابية بصدام حسين اليمن إلى التصوت السلبي ضد هذا القرار. وكرد على ذلك أشارت الكاتبة هيلين لاكنر في كتابها «اليمن في سياق الأزمة» الى أن «سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة توماس بيكرينغ هدد علناً ممثل اليمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قائلاً له: سيكون هذا هو أغلى صوت تدفعون به». في الواقع قامت الولايات المتحدة على الفور بقطع مبلغ 70 مليون دولار من المساعدات لليمن، ما أثر على المؤسسات النيوليبرالية الدولية التي مولتها ووجهتها أيديولوجياً للابتعاد عن اليمن. وكنتيجة لذلك تم تمويل عدد قليل من المشاريع من قبل البنك الدولي، ولم يتم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حتى عام 1995 (نهاية حرب اليمن الأهلية الأولى) بعد فترة طويلة من تطبيق بقية الشرق الأوسط لليبرالية الغربية الجديدة.
إن انعزال اليمن اقتصادياً وسياسياً قد أدى إلى تدهور سريع في الظروف الاقتصادية لأغلب سكان اليمن مما أسهم في عدم الاستقرار السياسي الذي أدى إلى اندلاع أول حرب أهلية في اليمن ما بين شهر مايو وشهر يوليو 1994. ولقد حولت موجة من السياسات النيوليبرالية التي فرضت على نظام صالح في العقد والنصف الذي سبق الربيع العربي بدلاً من إجماع واشنطن بالإضافة إلى اكتشاف نفط اليمن القوة الاقتصادية من دولة أفراد إلى دولة مركزية. تمثل هذا التحول في شقين، الأول كما طرح الدكتور سلمان كيشافجي في كتابه الإثنوغرافي عن النيوليبرالية وتغلغلها في التدخلات الصحية العالمية فكانت النتيجة إعفاء الحكومات من مسؤولية رعاية المواطنين الأشد فقراً ووضع العبء على الأفراد أنفسهم بغض النظر عن قدرتهم على الدفع مقابل الخدمـــــات، بالتالــي إحداث تحول أخلاقي في العلاقة ما بين الطبيب والمريض؛ من معالج ومريض إلــى مقدم خدمة وزبون يدفع.
الشق الثاني، وربما الأكثر إثارة للسخرية هو أن هوس الغرب بالنيوليبرالية كوسيلة لتحقيق الديمقراطيــــة في البلدان الاستبدادية المشتعلة أدى إلى نتائج عكسية. مكنت متطلبات الســوق النيوليبراليـــــة الأنظمة الاستبدادية مثل نظام صالح من الفشل في إنعاش الاقتصاد وببساطة إعادة التأكيد على الفساد والمحسوبية وعدم المساواة في المنطقة. وهذا نتج عنه الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي في اليمن اليوم في حين تهرب المجتمع الدولي إلى حد كبير من مسؤوليته تجاه ذلك.

التفسيرات الثقافية للصراع في اليمن
بالمثل تعزى التفسيرات الثقافية للصراع اليمني المدمرة والمجرمة على حد سواء -التي لطالما طرحها القادة الغرب ووسائل الإعلام- انتهاكات حقوق الإنسان لـ«القبلية وسوء الإدارة». إذن فقد قاموا بتغليف وباء سوء التغذية بالأعذار وخففوا من مساءلة كل اللاعبين المعنيين مما أسهم في انتشار العدمية السريرية التي سببت التقاعس الكئيب. في حين أن المحلل السياسي اليمني عبدالغني الإرياني يقدر أنه ليس سوى أكثر من 20% من اليمنيين من ينتمون إلى القبيلة؛ في حين تذهب التحليلات الغربية للأزمة اليمنية في كثير من الأحيان إلى نسب الصراع ووحشيته إلى القبلية مبالغين في تقدير أهمية القبائل في المناخ السياسي وتصنف القبائل كجهات فاعلة وحيدة في الحرب، وبالتالي يكونون المرتكبين الوحيدين للعنف. وعلى هذا النحو يلقي هذا التبسيط باللوم بشكل غير عادل على اليمنيين في ما يتعلق بتصعيد الحرب التي لم يكن لديهم فيها القوة الكافية لمقاومتها، وهو مثال كتابي لما يسميه الدكتور بول فارمر «الادعاءات غير المعقولة للسببية»، ويدعي أن العنف الهيكلي يخلط بين الثقافة ويلوم الأفراد على المآزق التي وجدوا أنفسهم فيها.

كان يعني إغلاق المرافق الصحية بسبب الصراع أن أجنحة الجوع المخصصة لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد قد أصبحت أكثر صعوبة مما أجبر الأسر على تحمل القصف لتزويد أطفالهم بالرعاية التي يحتاجونها. وفي الواقع بالنسبة لليمنيين تحديداً فإن شدة أزمة سوء التغذية في اليمن مع نظرة المجتمع الدولي اللامبالية تجاهها قد أدت أيضاً إلى شعور عميق بالعدمية السريرية. بالنسبة لليمنيين أيضاً فإن أكبر حجر عثرة التي تحول دون تحقيق العدالة الصحية لا توجد في المختبرات البيولوجية أو عنابر المستشفى بل توجد في المجتمع الدولي أو تحديداً في القوى المسببة للأمراض المتمثلة في اللامبالاة والسخرية والتهميش وفقدان الذاكرة التاريخي التي تدفع إلى القبول بمعاناة الفقر كمصاب لا مفر منه يجب تحمله كما تتم معارضة الظلم حتى الخلاص منه.
إن جل ما حصلت عليه اليمن من اهتمام إعلامي قد تمحور حول مسائل الأمن البيولوجي، أي كيف نمنع دخول و/ أو انتشار الأمراض والبكتيريا مع طرح أسئلة افتتاحية ككاتب نيويورك تايمز سام لوينبيرغ: «هل ستأتي الحشرة العملاقة من اليمن؟» التي ستهيمن على عناوين الأخبار عالمياً.
إن روايات كهذه تهتم في المقام الأول بمستقبل الأمن البيولوجي للغرب، في المقابل تتجاهل راحة وصحة اليمنيين الذين يعانون في الوقت الحاضر. وهي تمثل وجهة نظر عنصرية وإمبريالية للصحة العالمية ناتجة عن المشروع الاستعماري التي تركز على حياة البيض، وبالتالي التعامل مع قضايا الصحة التي تهدد حياة الأجساد السوداء والسمراء فقط بقدر ما تؤثر على أمن وطول عمر الأجساد البيضاء على المدى الطويل. ولا يختلف الأمر عن ذلك بالنسبة للمجتمع الدولي فقد أدت تنشئتهم على الندرة إلى التصور بأن المجاعة حتمية اقتصادية. يستمر النظر إلى المجاعة في اليمن كواقع يحدث على الرغم من التوزيع العقلاني للموارد في السوق وليس بسببه، والتعامل مع الأثرياء اليمنيين كفقراء يواجهون المجاعة.

التنشئة الاجتماعية للندرة
في خضم جرائم الحرب المتمثلة في المجاعة والمجاعة المستحثة مع ذلك تمسك المجتمع الدولي بوجهة نظره المتمثلة في التنشئة الاجتماعية لـ«الندرة» (مشكلة اقتصادية تتمثل في امتلاك البشر رغبات وحاجات غير محدودة في عالم محدود الموارد)، بحجة أن تزويد اليمن بما يكفي من الطعام أمر مستحيل، بل حتى قطع المساعدات لليمن في السنوات الأخيرة.
حذر ديفيد بيزلي، رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة مراراً وتكراراً من تخفيض الحصص الغذائية للملايين، مشيراً إلى أن العواقب الاقتصادية للوباء ستكون على ميزانية تشغيل الأمم المتحدة. لكن بيزلي في ذات الوقت يقر أن 16 مليون شخص في اليمن «متجهون نحو المجاعة». لم يتم دفع رواتب حوالي 30 ألف عامل في الرعاية الصحية ممن يعتمدون على رواتب الأمم المتحدة منذ أكثر من عام ما أدى إلى نزوح جماعي لمتخصصي الرعاية الصحية وهم الوحيدون الذين يعالجون سوء التغذية في الأطفال في هذا البلد.
لسوء الحظ قد لا يمكن معرفة مدى مكر سوء التغذية. فالأطفال المصابون بسوء التغذية هم الأكثر عرضة للأمراض الأخرى على المستوى الإحصائي. نعم إنهم معرضون لخطر الموت أعلى بمقدار 12 مرة بسبب الأمراض المعدية مقارنة بالأطفال غير المصابين بسوء التغذية. وفي واقع الأمر أن الأطفال المصابين بسوء التغذية في اليمن قد تعرضوا لأكبر انتشار للكوليرا في العالم، وما زاد الأمر سوءاً هو حصار الحرب لأنابيب ومضخات المياه فكانوا الأكثر عرضة للكوليرا أيضاً. بإمكان هذه المأساة أن تفسر لماذا مات أكثر من 2500 شخص، 58% منهم من الأطفال، من المرض بحلول أكتوبر 2018. وقصة كوفيد 19 تقريباً متطابقة. في الوقت الذي تشير فيه البيانات في معظم البلدان إلى أن الأطفال قد يكونون أقل تأثراً بكوفيد 19، فإن أكثر من 90% من أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون على الأقل من درجة معينة من سوء التغذية مع تصنيف مليونين منهم كمصابين بسوء التغذية الحاد مما يجعلهم يعانون من نقص المناعة، وبالتالي أكثر عرضة لأعراض فيروس كورورنا الأشد خطورة. وبشكل عام يعد أطفال اليمن المصابون بسوء التغذية أيضاً عرضة بشكل أكبر للموت من مجموعة كبيرة من أمراض الإسهال التي تم القضاء عليها في بقية العالم إضافة إلى الملاريا والالتهاب الرئوي، ومحاولة الاستهانة بها سوف يزيد خطر فشل العلاج أيضاً.

التأثير المجتمعي الكبير للوباء
إن تأثيرات وباء سوء التغذية في اليمن الذي يصيب الأطفال على القضايا المجتمعية الواسعة لا يمكن التقليل منها، حيث يجب أيضاً أن يرشد الطريقة التي يفكر بها اختصاصيو الرعاية الصحية بشأن التدخلات الصحية في اليمن للمضي قدماً.
في بلد يوجد فيه أحد أكبر التمييزات بين الجنسين في العالم زاد سوء التغذية من عدم المساواة بين الجنسين الذي بدوره سوف يستمر في إثارة مرض سوء التغذية وبالتالي مفاقمة كل النتائج. فالنساء هن أول من يهمل وجبة الطعام أو من يتناول حصصا أصغر من أجل تعظيم حصة العائلة، الأمر الذي ينتج عنه معاناة عدد من النساء من سوء التغذية بدرجة كبيرة بعد الأطفال، وبالتالي زيادة خطر إنجاب أطفال مصابين بذات المرض وتتعرض حياتهم  للخطر من قبل أن يولدوا حتى.
كما أن ذلك يشير إلى الرابط بين التفرقة بين الرجل والمرأة وسوء التغذية، حيث تتم عادة تزويج الفتيات اللواتي بعمر الثامنة والعاشرة وذلك لتقليل عدد أفراد العائلة وبالتالي تخفيف حصص الطعام واستلام المهر لإعالة بقية الأسرة وسداد ديون الطعام.
إذا استمر وباء سوء التغذية في اليمن فمن المؤكد أن مؤشرات التكافؤ بين الجنسين إذن سيزداد سوءاً وسيغذي الأزمات الصحية في المستقبل مرة أخرى تماماً كما تم ربط البلدان ذات المؤشرات المنخفضة في التكافؤ بين الجنسين من الناحية الإحصائية بمفاقمة النتائج الصحية.
خذ الصحة النفسية كمثال آخر على تأثير وباء سوء التغذية في اليمن على القضايا المجتمعية الأوسع. بالنسبة للآباء والأمهات في كل مناطق اليمن فإن مشاهدة أطفالهم وهم يموتون بسبب مرض سوء التغذية، وهي نتيجة يمكن تلافيها بوضوح هو بمثابة تجربة مروعة. وعائشة وهي أم لخمسة أطفال التي برزت في فيلم وثائقي بعنوان «أطفال اليمن» الذي ركز على موضوع سوء التغذية في اليمن هي فقط مثال واحد.
وصفت عائشة وهي محاطة بالأمهات اللواتي يحملن أطفالهن الذين يعانون من نقص الوزن الشديد وفاة طفلها البالغ 15 شهرا، والذي كان يعاني من سوء التغذية الحاد، ومات قبل أن تتمكن عائشة من نقله إلى عيادة تبعد ستة كيلومترات منهم.
في الفيلم الوثائقي تظهر عائشة وهي تقف مع طفلها آدم ذي الأربع سنوات في عيادة مؤقتة قريبة من ميراب. وقد حملت آدم إلى العيادة لأن يديه جافتان. في غياب الطعام كان يقوم بعض أصابعه نيئة.
ذكرت عائشة أنه في عدة أوقات كانت ترى فيها فمه مغطى بالدم بسبب قضمه المتواصل. إنه مثل بقية الأطفال في العيادة يعاني من سوء تغذية حاد وفي الوقت الذي تقدم فيه العيادة لعائشة عبوات من المكملات الغذائية لعلاج سوء التغذية الحاد يفارق الحياة بعد يومين فقط من تصوير تلك اللقطات.
إن عمق خسارة عائشة لا يمكن تصورها، إلا أنها مجرد واحدة فقط من آلاف الأمهات اليمنيات اللائي عليهن أن يتعاملن مع وفيات أطفالهن المصابين بهذا المرض القاسي، النساء اللواتي إذا عشن ونجون من الحرب سوف يجدن أنفسهن مضطرات لمواجهة هذا الكدر لعقود قادمة وهي أزمة صحة نفسية لم يبدأ المجتمع الدولي حتى بالشعور بالقلق حيالها.

نوع الرعاية التي يجب أن تتوفر لليمن
في نهاية المطاف أوضح التحليل البيولوجي الاجتماعي الواسع لوباء سوء التغذية الحالي في اليمن أهمية النهج البيولوجي الاجتماعي في تقديم الرعاية الصحية العالمية مما يؤكد الطرق المعقدة التي تأثرت بها الصحة في اليمن بالعوامل التاريخية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي هي حقاً خارج سيطرة الشعب اليمني.
كما كشف هذا التحليل أن رواية حديث سوء التغذية في اليمن هي أحد الشؤون الدولية والاقتصاد السياسي في حقبة ما بعد الاستعمار، التي اتسمت مؤخراً بالعنصرية واللامبالاة والتقاعس العام.
بينما يشرع هذا التحليل في الكشف عن كيف أن تقديم الرعاية الصحية في اليمن لا يمكن أن يتم النظر إليه من منظور الصحة فقط هناك حاجة إلى المزيد لصياغة تدخلات صحية عادلة ومحددة السياق بالنظر في ما يتعلق بسوء التغذية. لعل الأمر الأكثر إلحاحاً هو أن المجتمع الدولي يجب أن يضع حداً لتفسيراته الثقافية للحرب الأهلية اليمنية ومحاسبة جميع الأطراف المعنية على جرائم الحرب التي ارتكبوها والدفع بنهاية للحرب. وأخيراً، ضمان أن الأطفال المصابين بسوء التغذية يتلقون الرعاية اللازمة في الحاضر والمستقبل. يجب أن يبدو هذا النوع من الرعاية كأنه اهتمام بذكرى الأطفال الذين ماتوا من المرض، وهو عنصر حاسم يلخصه الأستاذ بجامعة هارفارد الدكتور آرثر كلاينمان وغالباً ما يتم تجاهله في المجال الأوسع للصحة العالمية فضلاً عن توفير الرعاية المباشرة لملايين الأطفال الذين مازالوا يعانون من سوء التغذية اليوم.
في الأخير، هذا المنهج الحيوي الاجتماعي لتحليل سوء التغذية في اليمن لا يعني شيئاً يذكر دون تركيز إنساني معتمد على هؤلاء الأكثر تأثراً بالأزمة، على حد تعبير خبير الصحة العالمي الشهير دكتور بول فارمر «إن أثمن مورد لأي دولة هو شعبها»، وإعادة بناء اليمن وبنيتها التحتية الصحية لا يمكن إنجازه إلا من خلال جهد متجدد لتركيز اليمنيين أنفسهم في كل الجهود المبذولة لتقديم الرعاية الصحية وإعادة بناء البنية التحتية الصحية.
إن أطفالا مثل أمل التي فقدت شقيقين لها بسبب سوء التغذية عندما كانت في سن الخامسة إلا أنها لم تستطع البكاء عليهما بسبب تخلفها، وعبدالرحمن الذي توفيت أمه من الكوليرا، ويعود ذلك جزئياً إلى إصابتها بسوء التغذية الحاد كان ينبغي أن يكون قلب أي نقاش متعلق بفشل تقديم الرعاية الصحية لليمن.
إن إدراك مدى إشعال النيوليبرالية والثقافة والتنشئة الاجتماعية للفقر مرض سوء التغذية في اليمن، هو البداية فحسب. بالنسبة لكل الأطفال الذين تم ذكرهم في هذه الورقة هناك المزيد من الآلاف الذين يفقدون حياتهم يومياً دون داع بسبب سوء التغذية والملايين الآخرون هم أكثر بالفعل على حصصافة المجاعة اليوم، يجب تقديم المزيد. لا يجب على اليمن فقط أن تحصل على لقاح لإنهاء حربها فقط؛ ولكن لقاح ينهي عمق معاناتها أيضاً.

7 سبتمبر 2022