سائقو (البيجو) لصحيفة (لا):معظمنا يكتب وصيته قبل مغادرة (فرزة) خط (صنعاء ـ عدن) لأن هوياتنا شمالية
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

بات السفر من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية، أشبه بعبور حدودِ المستحيل والمخاطرة، بين أبناء الوطن الواحد، وخلق فوارق وهمية عليها (ماركة العدوان المسجلة)، وإن لم يفلح في تحقيق أي هدفٍ على مدى عامٍ وأكثر، عدا هذه الفجوات المفخخة، التي تعمّق شق الصف الواحد بين أبناء وطن موحد منذُ عشراتِ السنين. عن الصعوباتِ التي تواجه سائقي (البيجوهات) في ظل الحرب والأوضاع الصعبة، وكيف تتم عملية نقل الركاب والمسافرين من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية، والآلية المتبعة من قبل القائمين على ذلك، زارتْ صحيفة (لا) (فرزة خط صنعاء ـ عدن)، والتقت السائقين الذين فتحوا دفاترهم للقارئ بشفافيةٍ عن حقيقةِ ما يواجهون..
لحظاتٌ محفوفة بالمخاطر
تحت قيض الشمس اللاّهبة، وحرارةِ نهارِ أغسطس، اقتربت (لا) من مجموعةِ سائقي (البيجو) على ذلك الخط الذي يربط بين شمال الوطن وجنوبه. بدأ السائق وليد أحمد حديثه: كان معي مجموعة من المسافرين بحوزتهم تذاكر سفر عليها تأشيرة السفر وجاهزة من مطار صنعاء الدولي، على أساس أنهم يسافرون من مطار عدن إلى مطار القاهرة، رغم أن أغلبهم كانوا بحالاتٍ صحية مؤسفة، والبعض جوازاتهم لغرض الدراسة، تم إرجاع جميع المسافرين إلى القسم بمحافظةِ لحج.
يواصل وليد: وبعد أخذٍ ورد وتوقيف للمسافرين في القسم، تم تسفيرهم في حين كانوا جميعهم بحالاتٍ من الهلعِ والخوف مما ينتظرهم من مصير.
ويتحدث عن أسلوب آخر يُمارس ضد السائق الشمالي؛ حيث بمجرد وصوله إلى عدن يجردونه من بطاقته كي لا يأخذ حريته حتى يعود، كخروجه إلى مطعمٍ أو أي مكان آخر.
ويختم وليد عبر صحيفة (لا): أتمنى أن تختفي هذه التصرفات، فنحن جميعنا أبناء وطن واحد، لا عنصرية ولا تفرقة بيننا.
بحجةِ (نسبي) الهاشمي!
أما السائق طارق عباس فإن له حكاية موجعة تؤكد مدى المأساةِ التي خلفها العدوان بين أبناء الوطن الواحد، تحدث لـ(لا) بغصةٍ كبيرة عما تعرّض له رغم خدمته الطويلة بخط صنعاء ـ عدن طوال 18 عاماً، حيث قال: أسعى للقمةِ عيشي وأطفالي منذُ زمنٍ طويل، ولا علاقة لي بالسياسة أو بلقبي (الهاشمي).
ويضيف طارق: 3 أيام وأنا بلا عشاء أو غداء، وضعوني بسجن (المنصورة) تحت التعذيب والتهديد، ولولا فضل الله، ثم فضل (بعض) زملائي السائقين الجنوبيين الذين تكاتفوا معي، ولم يتنكروا للصداقة والعيش والملح الذي بيننا، والذين بلغ عددهم فوق الـ100 سائق، وتوسطوا لي بإطلاق سراحي، كذلك تم التواصل باتصالاتٍ بين نقابتي صنعاء وعدن، وحينها كنتُ في حالةٍ يرثى لها.
يختم طارق عبر صحيفة (لا) برسالةٍ قصيرة وأمنية أن يستتب الأمن والأمان في كل ربوعِ اليمن الواحد، كونه الآن بات عاطلاً ومهجّراً وممنوعاً من دخول عدن بعد الذي حدث له.
أكتب وصيتي قبل مغادرةِ (الفرزة)!
علاقتي بالسفر على خط (صنعاء ـ عدن) منذ 14 عاماً، وعندما أهمُّ بالسفر أجهز وصيتي وأضعها هنا (يقصد عند مسؤول الفرزة)، بهذه الكلمات بدأ السائق فواز محمد حديثه لصحيفةِ (لا)، ويواصل: أنا ومعظم زملائي نكتبُ وصايانا قبل المغادرة، لأننا شبه مقتنعين بعدمِ عودتنا، ولسوء المعاملة التي نواجهها أثناء الطريق، حتى إنه يتم تجريدنا من بطائقنا ليضمنوا عدم تحركنا لأي مكان آخر غير (الفرزة)، ونمكث على سياراتنا حتى العودة.
ويضيف فواز: أصبح المسافر الشمالي يُسافر متخفياً مثلما كان سابقاً يسافر اليمني إلى السعودية (تهريب).
ويختم بالقول: معظم الركاب والمسافرين من أبناءِ المناطقِ الجنوبية، لأنهم يحملون هويات جنوبية، أما الشماليون فقد فقدوا الثقة تماماً بالسفرِ إلى عدن، نظرًا لخطورته وعواقبه غير المحمودة.
(إتاوات) على سياراتِ النقل
السائق عبدالله محمد يعمل بخط (صنعاءـ عدن)، منذُ عام 1994م، يقول: الطريق منهارة، والخدمات شبه متوقفة منذ 2011م حتى الآن. ومن ناحيةِ ما إذا كانوا يأخذون منهم (إتاوات) أثناء مرورهم، قال: يأخذون على سياراتِ النقل الكبيرة وليس على (البيجوهات)، وإن الطريق تكون مسهلة نوعاً ما منذ الصباح الباكر حتى بعد الظهيرة، حيث تبدأ التشديدات في النقاطِ (الأمنية)، ومن بعد العصر يكون السفر محفوفاً بالعراقيل.
ويضيف: في إحدى المرات حدث قصف لقصرِ تعز، لكن سلم الله، لم يحدث لنا شيء، وواصلنا السفر، وأحياناً قد نمرُّ أثناء اشتداد المعارك سواءً كان بين المقاومة والحوثيين، أو قصف الطيران.
ويختم عبدالله برسالةٍ يبرقها للإخوة الجنوبيين قائلاً: عليكم أن تفهموا أننا أبناء وطن واحد، ونحن لا علاقة لنا بالسياسة، كل ما نسعى إليه هو لقمة العيش.
تقاسم (الأجرة)..!
وأثناء تواجد (لا) في فرزة (صنعاء ـ عدن) التقت مسؤول النقابة عن الخط محمد حسين الحجيلي، الذي تحدث عن آلية حاولت النقابة إيجادها، وذلك لتجنيب حياة السائقين المخاطر التي تواجههم، حيث قال: في بدايةِ العدوان كان ممنوعاً دخول أي سائق شمالي أو راكب، فاضطررنا لإيجاد آلية عمل للسائقين، لأن ذلك مصدر رزقهم ورزق أطفالهم، وهو أن يتم الاتفاق بين السائق الشمالي والجنوبي، فيأخذ السائق (الجنوبي) نسبة %70 رغم أن المسافة من تعز إلى صنعاء أطول بكثير منها بين عدن وتعز، وهنا بادرته (لا) بسؤال: أليس هذا ابتزازاً وهضم أجر السائق (الشمالي)؟ أجاب الحجيلي: نعم، ولكن هذا ما أُكرهنا عليه حتى نجنّب سائقينا الخطر الذي يترصدهم.
وأضاف: في حال عدم وجود سائقين من عدن، يضطرُّ السائق الشمالي للسفر إلى (قعطبة) المنطقة الحدودية، ويتم استئجار باص للركاب، على أن يكون السائق جنوبياً.
ويختم الحجيلي: وأثناء اشتداد المعارك في عدن وانفجار الوضع هناك، حصل نزوح كبير من قبل (العوائل الجنوبية)، إلى المناطق الشمالية، فكان القائمون على تلك الفرزات (الجنوبيون) يبتزون الركاب، ويأخذون على الراكب الواحد ما يقارب 15 ألف ريال، ليتم السماح لهم بالسفر.
سائقون بهويّاتٍ جنوبية..!
كما التقت (لا) مندوب الفرزة عادل عبدالله الرميم، الذي قال: يواجه السائقون الشماليون عرقلة كبيرة إذا لم يمتلكوا بطائق شخصية (جنوبية)، فإذا لم يمتلك السائق البطاقة التي تثبت أنه جنوبي، لا يسمح له بمواصلةِ السفر، ويعتبرونه (جاسوساً) أو (حوثياً)!
ويؤكد عادل أنه تم حبس سائقين يحملون هويات شمالية، لمدةِ شهور، ولكي يتم تجنيبهم الخطر، بات من الضرورةِ أن يحمل كل سائق (شمالي) بطاقة (جنوبية)، وإلا سيتم إرجاعه من الضالع، أو حبسه، أو ضربه.
وعما إذا تم استهداف أية سيارة (بيجو) من قبل طيران العدوان، قال: لم يحدث ذلك، ونأمل ألا يحدث أبداً.
ويختم الرميم برسالةٍ عبر صفحاتِ (لا): نحن نعامل إخوتنا الجنوبيين هنا بكل ذوق واحترام، ونأمل أن يعاملونا بالمثل، فنحن جميعنا أبناء وطن واحد، وإن ما يقومون به غير صحيح، ولا يخدم سوى المتربصين شراً باليمن.
لهجتي (دحباشية)!
على مقربةٍ من مندوب الفرزة كان يقف أحد السائقين، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، حيث قال: على الإخوةِ في الجنوب أن يعاملونا كما نعاملهم، نحن نحرص على عدم إهانتهم هنا، أو جرح مشاعرهم، بينما هم يقومون بذلك تجاهنا بكل صلفٍ و(وقاحة).
وأضاف: لأنني أحمل هوية (جنوبية) أسافرُ دائماً بها.. يبتسم ويضيف: حتى يسمعوا كلامي ألاقي ما لا أتوقعه، وعندما لاحظوا أن (لهجتي) مختلفة، مسكوني 4 مرات، بحجة أن لهجتي (دحباشية).
لأن زوجها (شمالي)...!
هدى اضطرت لزيارةِ أهلها في عدن بمفردها، حيث قالت: رافقني زوجي إلى (الفرزة) لأسافر مع (عوائل)، كوني لم أرَ أهلي منذُ 4سنوات، وكنت متشوقة لزيارتهم، وانتظرتُ انتهاء الحرب لأسافر، فاشتد الوضع وازداد سوءاً، مما اضطرني للسفر، فتوَاصَل زوجي مع الفرزة بأن اليوم الذي يكون فيه (عوائل)، أسافر بمعيتهن.
وتضيف هدى: تم فعلاً إبلاغنا قبل يوم من السفر، وكانت لأول مرة في حياتي أسافر فيها من دون زوجي، لأنه دائماً ما يرافقني، ويزور أهلي، ولكن لأن بطاقته (شمالية) خشيتُ عليه من (البهذلة)، ولأني لا أحتمل أن أراه في ذلك الموقف، فاتفقنا على السفر بمفردي، وإن كان ذلك غير مريحٍ بالنسبةِ لي.
وتختم هدى عبر صحيفةِ (لا): أوجه رسالتي إلى كل أهلي في الجنوب بأننا أهل، وأصهار، وأبناء وطن واحد، لا يمكن أن تُحل مشاكلنا إلا بأيدينا نحن، وأن نتفق في ما بيننا، وأتمنى عودة المياه إلى مجاريها.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا