هاشم أحمد شرف الدين

هاشم أحمد شرف الدين / لا ميديا -
هل سيهتف أبناء العالم الإسلامي قريبا بهذا الشعار المعنونة به هذه المقالة؟ وهل نحن بصدد إرهاصات ثورة ضد النظام العالمي؟
هذان السؤالان شغلا تفكيري منذ استماعي لكلمة قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله تعالى، التي كانت بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد رضوان الله عليه، حيث شعرت أنها كانت بمثابة استنهاض ثوري في خطاب تحذيري للأمة الإسلامية جمعاء من خطورة البقاء تحت السيطرة الأمريكية أو القبول بها والاستسلام لنظامها العالمي الذي تريد فرضه على العالم أجمع.
إن محاولاتي للإجابة على هذين السؤالين قد ولّدت أسئلة أخرى على النحو الآتي:
- ماذا يعني إيراد قائد الثورة لمقولة الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت: "إنَّ قَدَرَنَا هو أمركة العالم. تكلموا بهدوء، واحملوا عصاً غليظة، عندئذٍ يمكن أن تتوغلوا بعيداً"؟ وماذا يعني توضيحه أن المقولة تعني إخضاع جميع البلدان بثرواتها وبشرها لأمريكا؟
لقد اتضح لديّ أنه يقصد هذا النظام العالمي الذي تهيمن فيه أمريكا على البشر والشعوب والمجتمعات والدول والأمم.
- ماذا يعني تأكيده أن السيطرة الأمريكية كانت نتاج اتفاقيات كثيرة، وبنود، وكتابات، وتنظير، ومواقف وأعمال كثيرة؟
- وماذا يعني تحذيره من أن هناك سعياً دؤوباً لإحكام السيطرة الأمريكية على كافة الدول والمجتمعات عبر مشاريع عمل نفذِّت، ومشاريع قيد التنفيذ، ومشاريع أخرى معدّ لها ومُحضّر لها للمستقبل، وأن الكثير منها معلن، والبعض منها مخفيّ؟
- ماذا يعني استطراد قائد الثورة في تعداد الظلم الذي تتعرض له الأمة الإسلامية، وتعداده لنماذج من أشكال الاستهداف الذي تتعرض له من قبل اليهود والأمريكان؟
- ماذا يعني بتأكيده أن تعامل أمريكا مع أمتنا في الشأن السياسي قائم على مؤامرات، ودسائس، وأزمات، وإثارة للمشاكل والانقسامات، وإثارة نزاعات واختلافات، والاستثمار في أي مشاكل قائمة إلى أقصى حد؟
- ماذا يعني تأكيده أن أمريكا تصادر حقوق أمة المسلمين وتتنكر لها وتستهتر بها إلى درجة غريبة جداً؟ وماذا يعني تذكيره بإعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب مصادرة الجولان السوري، ووهبه للعدو "الإسرائيلي"؟
- ماذا يعني تأكيده أن الغطرسة الأمريكية تجعل الأمريكان يتعاملون مع العالم الإسلامي وكأنه مِلكٌ لهم، يوزِّعونه لمن يريدون، ويهبونه لمن يشاؤون؟
- ماذا يعني أن يشير إلى اختلال الحقوق في مجلس الأمن والأمم المتحدة، بحرمان عدد كبير من البشر المسلمين يشكلون العالم الإسلامي والذين تمثلهم فيه خمسون دولة من حق الفيتو، ليكونوا ملزمين بما يقرره الآخرون في شأنها، وليس لها أن تمتنع؟
- ماذا يعني تأكيده أن أمريكا على المستوى العملي تمارس الاحتلال للبلدان، وإقامة القواعد العسكرية، والقتل لمئات الآلاف؟
- وماذا يعني تأكيده أن أمريكا وراء معظم معاناة أمتنا وشعوبها في هذه المرحلة على كل المستويات وفي كافة المجالات، وأنها وراء الأزمات الكبيرة المعقَّدة؟
- ماذا يعني تأكيده أن أمريكا لا تكتفي باستهداف أمتنا بالهجوم العسكري والأمني، بل إنها تستهدف الأمة باستمرار عبر الحرب الناعمة التضليلية المفسدة، وعبر الحرب الاقتصادية، التي تركت شعوب أمتنا تعاني من الفقر والبؤس والحرمان، وكل أشكال المعاناة؟
- ماذا يعني تأكيده أن أمريكا تعمل باستمرار على الحيلولة بين أمتنا وبين أن تستفيد من ثرواتها لبناء نهضة حضارية، أو لبناء وضع معيشي اقتصادي محترم؟
لقد اتضح لدي أنه -يحفظه الله- يحث الأمة جمعاء على التأهب لثورة ضد النظام العالمي بشقيه أمريكا و"إسرائيل"؛ هذا النظام الذي لم يعد يستهدف أمتنا الإسلامية وحسب، بل العالم أجمع، فقد أفسد البيئة أرضا وبحرا وسماء، واستحدث الأمراض الخبيثة ونشرها بين البشر، ولوّث البيئة ودمّرها، وسرق ثروات الأمم، وصنع الأسلحة النووية والكيمائية والجرثومية التي تفتك بالبشر، ونشر المجون والترفيه الفاسد، وشجّع المِثلية والإلحاد والكفر.
يهيئها لثورة ضد النظام الذي انخرطت فيه غالبية الأمم طوعاً أو كرهاً، حيث باتت كل الدول والشعوب تتبع آليات عالمية موحدة اقتصادية وسياسية وإعلامية وفي كافة المجالات.
ثورة ضد النظام الذي لم يكتفِ بما قد فعل فشرع يُروّج لما سماها الديانة الإبراهيمية كدينٍ جديد يجمع البشر.
لقد استشعر القائد أن الأمر بلغ من الخطورة حدّاً لا يمكن الاستمرار بمسايرته أو الاستسلام له، فقد شرعت أمريكا في استكمال صياغة النظام العالمي بجرأة كبيرة تؤكد بها أنها بلغت مرحلة متقدمة في الهيمنة على الدول والشعوب تمكنها من تجاوز الخطوط الحمراء لتمس الناس في معتقداتهم دون أي اعتبار.
دعونا هنا نستذكر أن قائد الثورة -يحفظه الله- لطالما أكد أن استنفار الأمة لتنهض بشعوبها ولتكون قادرة على مواجهة شرور أعدائها هو أحد أهم أهداف المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد -رضوان الله عليه- كمشروع ثوري بامتياز، يثور على حالة الغفلة والجمود لدى الناس أولاً، ثم يحركهم ليغيروا الواقع ثانياً.
من هنا وجدت الإجابة على معظم تساؤلاتي السالفة. لقد شعرت أن قائد الثورة يحذّر ويبشّر في الوقت نفسه بسقوط النظام العالمي وانهيار أمريكا. ففضلاً عن حتمية العقاب الإلهي لأمريكا في الدنيا، فإن حالة الوعي والإدراك على مستوى الأمة بضرورة إسقاطه خطوة أولى على مسار إسقاط هذا النظام العالمي الذي فرضته أمريكا.
لذا فقد كانت كلمة قائد الثورة هذه بمثابة تدشين مرحلة جديدة من الزخم الثوري لا تخاطب الشعب اليمني بمنأى عن شعوب الأمة الإسلامية جمعاء، فقد عبّرت بصدق عن غالبية أبناء الأمة.
إن انهيار أمريكا أمرٌ ممكن الحدوث، وقد تتضافر فيه عوامل عديدة، منها ما كان الشهيد القائد -رضوان الله عليه- قد أشار إليه، وهو أن أعمالها التي تظن أنها تخدم بها نفسها ستحبَط وتعرضها للانهيار. ومنها ما أكّده قائد الثورة -يحفظه الله- في كلمته، وهو تحكم اللوبي الصهيوني بالقرار الأمريكي. لذا يمكننا القول إن انهيار أمريكا قد يأتي ناتجاً عن انهيار دولة الكيان الصهيوني المسماة "إسرائيل"، بمعنى أن زوال "إسرائيل" سيعني حتماً انهيار أمريكا والنظام العالمي الذي فرضته.
لعل المتأمل قد لاحظ أنه -يحفظه الله- لم يُفوّت التذكير بالقلق "الإسرائيلي" من تنامي قدرات المشروع القرآني في اليمن، بما يعنيه ذلك من كونه بداية تحرك ثوري أكثر مباشرة في وجه "إسرائيل" وأمريكا كمِصداقٍ عملي أكبر لترجمة شعار البراءة (الصرخة) على أرض الواقع.
وسواءً انهارت أمريكا أولاً أم "إسرائيل"، فإن ذلك سيعني انهيار النظام العالمي، الذي سيتبعه بالضرورة انهيار جميع الدول قويةً كانت أو ضعيفة. وستشمل مظاهر الانهيار المتوقعة توقف البنوك والانترنت، والسفر الدولي وإغلاق المطارات والموانئ، وتوقف التجارة العالمية والاستيراد والتصدير، وتوقف الإعلام (ليست صدفة أن يكون شعبنا اليمني قد جرّب معظمها خلال العدوان وما يزال وكأنه في مرحلة تدريب).
وتنحو التوقعات المنطقية إلى أن الضرر سيكون أكبر على الدول المستهلكة (كالدول العربية) خاصةً في غذائها. ومن هنا ندرك بواعث ذلك الحث المستمر من قبل قائد الثورة على الزراعة منذ سنوات، والتحرك الفعلي نحو استصلاح الأراضي.
وإذا كانت كلمة قائد الثورة قد خاطبت أبناءَ الأمة عموماً فإن خصوصية الدور اليمني الثوري باعتباره مركزَ المشروع القرآني قد جعلها تتضمن تنبيهاً استباقياً لما قد يواجهه الشعب اليمني من أزمات ستكون أكثر صعوبة جرّاء بدء تصدع انهيار النظام العالمي هذا وعقب انهياره. فقد حرص -يحفظه الله- على اختتام كلمته بخطابٍ خاصٍّ لأهل الإيمان والحكمة رَسَمَ خلاله معالم خطة المواجهة بقوله: "يا يمن الإيمان، الثبات الثبات، لتكن كل معاناتنا حافزاً إضافياً وعزماً جديداً في تحركنا القوي للقيام بمسؤولياتنا، في التصدي لهذا العدوان، الذي تشرف عليه أمريكا، والذي اعتبرته إسرائيل جزءاً من مصالحها، جزءاً من أهدافها، جزءاً من رغباتها وآمالها ومخططاتها، وليكن عوننا بالله سبحانه وتعالى، هو «نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»، ولنسع إلى أن نزداد وعياً في معركة الوعي، وأن نزداد ثباتاً في موقفنا، وأن نزداد جديةً في تحركنا في كل المجالات، باستشعارٍ عالٍ للمسؤولية، بضميرٍ حيّ، بإيمانٍ صادق، ببصيرةٍ عالية".
إذن نعم، نحن إزاء ثورة على النظام العالمي بمكونيه الأمريكي والصهيوني، وإزاء قائد ثورة مؤهل لقيادة الأمة في هذه الثورة.
أمّا عن إمكانية أن يهتف أبناؤها بشعار "الأمة تريد إسقاط النظام العالمي"، فنرى قابليته للتحقق ولكن بصيغة أخرى أجمل وأفضل، هي تلك التي كان أول من نطق بها ودعا للهتاف بها هو الشهيد القائد -رضوان الله عليه- مؤكدا أن أحرار اليمن سيجدون من يصرخ معهم إن شاء الله في مناطق أخرى.
إنه شعار صرخة الحق: "الله أكبر. الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام".

أترك تعليقاً

التعليقات