التسبيح والسجود في القرآن الكريم
 

فؤاد المحنبي

فؤاد المحنبي / لا ميديا -
يقول الله جل جلاله وعز سلطانه: «اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكّرون».ونرى في بلاد الإسلام قد هجر كثير من الناس كتاب الله، خصوصاً في العبادات وأذكارها من تسابيح ودعاء، وكيف بنا إذا جاء يوم الفصل «وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا».
ونحن في اليمن كان أجدادنا أهل كتاب من أنصار الرسل على مر العصور. وفي التوراة والزبور والإنجيل هناك تسابيح وأدعية، فهل هذه التسابيح التي نسمعها قبل الفجر أو صلاة الجمعة هي من الكتب السابقة؟ لكننا حين دخل أجدادنا في دين الله أفواجا لم نعد ملزمين بتسابيح أو أدعية إلا من كتاب الله الكريم، المهيمن على كل ما سبقه من الكتب، «مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه»، فلم نعد ملزمين بغيره، بل نحن مجرمون لا شك إذ اتبعنا كتابا من دونه أو هوى إنسي أو جني يقول ما ليس له به علم فنقلده ولو كان كائنا من يكون.
وبخصوص موضوعنا اليوم، فالتسبيح في القرآن الكريم قد يرد بصيغة لفظية أو فعلا ماضيا أو مضارعا أو أمرا، فالصيغ اللفظية العامة التي يجب قولها في التذكير بصلاة الجمعة أو صلاة الفجر، كقول الله تبارك سبحانه وتعالى: «سبحان ربك رب العزة عما يصفون»، «ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون، عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون»، «سبحان الله عما يشركون»، «سبحان الله وتعالى عما يشركون»، «سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون»، «سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا»، وهذه صيغة يجب قولها في سجود التلاوة أيضاً لقول الله تبارك وتعالى: «قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا».
ومن هذه الصيغ أيضا قوله جل جلاله العزيز الحكيم: «ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار»، «سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون»، «سبحان الله رب العرش عما يصفون»، «سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين»، «سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون»، «سبحان الله رب العرش عما يصفون»، «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، «سبحان الله رب العالمين»، «سبحان الله وما أنا من المشركين»، «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى»، «سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا»، «سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون».
وهناك صيغتان خاصتان من التسابيح في كتاب الله الكريم يجب ألا تقلا إلا في مواضعهما، وهما: في الصلاة، وعند ركوب وسيلة المواصلات.
ـ ففي الصلاة «سبحان ربي» أمر الله تعالى بها نبيه الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم في سورة الإسراء فقال تبارك وتعالى: «قل سبحان ربي»، ولم يقل سبحانه وتعالى: قل سبحان الله، لم يأمر نبيه في كتابه الكريم قطعا بغيرها، وهذه الصيغة هي «سبحان ربي» تسبيح خاص في موضعين من الصلاة. 
في السجود بإضافة صفة «الأعلى» لقوله تعالى: «سبح اسم ربك الأعلى»، فتقول: «سبحان ربي الأعلى وبحمده»، وتقول: و»بحمده» امتثالا لقول الله جل شأنه: «فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين».
«سبحان ربي» الأمر إلينا في سورة الإسراء تقال في الركوع أيضا في الصلاة بإضافة صفة «العظيم» و»بحمده» أيضاً (3 مرات) لقوله تعالى في كتابه الكريم: «فسبح باسم ربك العظيم»، فتقول «سبحان ربي العظيم وبحمده»، وتكرارها في كتاب الله 3 مرات يدلنا على أقل عدد لذكرها في الركوع وكذلك في السجود، فمن أحب أن يزيد ولا ينقص فهو خير، وأما إضافة «عدد خلقك ورضا...» فهذا لغو من اختراع البشر يجب الإعراض عنه في صلواتنا، قال تعالى: «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون».
ـ «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون». ونلاحظ أن هذه الصيغة تسبيح خاص لا يقال إلا عند ركوب وسيلة مواصلات فقط، ليس كغيره من الصيغ التي سردناها.
وقد يرد التسبيح في القرآن الكريم فعلا (ماضيا أو مضارعا أو أمرا)، فنعلم من فتوح الله في كتابه الكريم إن كان التسبيح فعلا ماضيا فإن المقصود الإلهي الخضوع لله مع التعظيم له جل جلاله، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد: «سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم»، وكذلك قوله جل شأنه وتبارك وتعالى: «سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم»، وكذلك قوله جل جلاله: «سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم». والخضوع لله تعالى والتعظيم له لازمان مفروضان في صلوات الخاشعين، أي أنها تعني الصلوات النوافل، لارتباطها بالعاقلين وغير العاقلين والمكلفين وغير المكلفين مما خلق الله سبحانه وجل جلاله، فقال سبحانه: «ما في السماوات وما في الأرض».
وإن كان التسبيح بالمضارع فنعلم من فتوح الله تعالى في كتابه الكريم دلالتها على الاستمرار والدوام في صلواتهم تلك، قال الله تبارك ربنا العظيم وتعالى: «يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم»، وكذلك قوله جل جلاله: «يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». فتلك الصيغ التي أوردناها أذكار فقط، وأما هذه فهي أذكار وعلم وأوامر، وهي تدل على الدوام والاستمرار في صلوات نافلات لقول الله تعالى: «وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفتُرون»، انظر إلى الاستمرار والدوام. وقوله جل جلاله: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون». فارتباط التسبيح بالسجود (أي بالصلاة) وثيق جدا في كتاب الله الكريم. ويقول سبحانه وتعالى: «فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون».
ولكي تعلم أن المقصود من التسبيح في حالة الفعل هو الصلوات المفروضة والنافلة فانظر إلى موضعين: قول الله تعالى في سورة الرعد وقوله تعالى في سورة النور وقارن بينهما. قال جل جلاله في سورة الرعد: «ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرها وظلالهم بالغدو والآصال». وقال جل جلاله في سورة النور: «ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم «صلاته وتسبيحه» والله عليم بما يفعلون»، أي ما يصلون به في فريضة أو نافلة.
وختاما وباختصار حين يأتي بالفعل الأمر فإنه يدل على الأمر بالصلاة المفروضة، وإذا شاء الله سنتناول ذلك في مناسبة أخرى بإذن الله..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.

أترك تعليقاً

التعليقات