ما هو الدعاء المقصود في كتاب الله الكريم؟
- فؤاد المحنبي الأحد , 1 أغـسـطـس , 2021 الساعة 8:05:50 PM
- 0 تعليقات
فؤاد المحنبي / لا ميديا -
الدعاء في كتاب الله الكريم هو عبادة لله تعالى بل "الدعاء مخ العبادة"، وهذا حديث صحيح عن سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم. ونقول صحيحا ليس لأن راويه فلان أو أخرجه فلان، بل لأنه يوافق كتاب الله الكريم تماما، فانظر إلى قول الله تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". عند قراءة هذه الآية يستحسن ألا نواصل القراءة بل نصمت ثم نقول بإخلاص: "ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما"، لنكون مصدقين بهذه الآية مستجيبين لأمر الله فيها بالدعاء.
فنجد فيها كيف أن المولى عز وجل بدأ بالأمر بدعائه، ثم حذر من الاستكبار عن عبادته، أي أن الدعاء عبادة لله، وتركه استكبار عن عبادة الله. وقد رادف الله تعالى بين الدعاء والعبادة وكأنهما شيء واحد في أكثر من عشرين آية في كتاب الله الكريم، كقوله تبارك وتعالى في "سورة الزمر" ذاتها: "قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين".
وفي آية في "سورة يونس" يقول جل جلاله: "قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله".
وقوله تبارك وتعالى عن إبراهيم عليه السلام: "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا، فلما اعتزلهم وما (يعبدون) من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا"، ولم يقل "ما يدعون" كما في الأولى، بل "وما يعبدون"، أي أنه حتى الدعاء لغير الله هو عبادة من المشركين لأوثانهم.
إذن فهل يستجيب الله كل دعاء يدعو به المؤمن؟ هذا غير صحيح؛ لأن الدعاء كلمة سر لا تبديل لكلمات الله، يجب أن نتلقاها عن الله تعالى وندعوه بها. ألم نلاحظ أن الله تعالى يقول: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"؟! ثم عرّف في "سورة الأعراف" ما هي تلك الكلمات: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".
إذن فقد أنزل الله إلينا أدعية كل ما يحتاجه المؤمن في دينه ودنياه، وهي في كتابه الكريم، فهي كلمات نتلقاها عن رب العزة، ففي الضر والمرض مثلا قال الله تعالى: "وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر"، فسيدنا أيوب لم يأت بها من عنده، بل تلقاها عن ربنا جل جلاله، وذكرها الله لنا لنقولها نحن أيضا ندعوه بها جل جلاله. وفي الكرب والغم، قال تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له". فقال تعالى بعدها مباشرة "فاستجبنا له ونجيناه من الغم و"كذلك ننجي المؤمنين"، أي وكأن الله تعالى يقول كذلك ننجي المؤمنين حين يقولون هذا الكلمات التي لم يخترعها يونس عليه السلام بل تلقاها عن ربه جل جلاله، وهذا أمر صريح بأن نقولها.
وهناك كثير من الأدعية في كتاب الله الكريم سوف نذكرها في مواضيعنا القادمة بإذن الله تعالى، والله تبارك لم يذكر أنه يقبل أي دعاء، فقد قال جل جلاله: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي"، فاشترط الاستجابة له كأول شرط من شروط الإجابة للدعاء "وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، والشرط الثاني الإيمان به تعالى.
ولا يجيب الله تعالى دعوة ليست من كتابه الكريم إلا دعوة واحدة هي دعوة المضطر، قال تبارك وتعالى: "أم مّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكّرون". وهي دعوة حين يشارف الإنسان الكافر أو المؤمن على الهلاك، قال تعالى: "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور".
وأما باقي أدعية الإنسان المؤمن، خصوصا في صلاته وعبادته لربه، يجب أن تكون من كتاب الله تعالى. وأما إذا كان كل الدعاء يجيبه الله فإن كثيرا نسمعهم يدعون اللهم اهلك... وجمد الدماء في عروقهم، وزلزل ودمر.. لم تجب أبدا، لماذا؟ لأنه لم يأمرنا بهذا، فمثل هذا دعاء يحتوي على العدوانية والاعتداء، وهذا ما نهى الله تعالى عنه في الدعاء، فقال جل جلاله: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين"، "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا".
إذن هناك أدعية فيها اعتداء على الآخر يمكن أن ندمر بها الأرض ونفسدها إذا استجابها الله جل جلاله، فليس أحد في الدنيا إلا وله أعداء فلو أن أعداءه دعوا عليه بالهلاك وكان الله يستجيب كل دعاء لأهلك الجميع ودمر وزلزل الأرض كلها. وبإذن الله تعالى سوف نبين في موضوع قادم كيف أن هناك أدعية يقولها بعضنا -في الصلاة وغيرها- وتحتوي على سوء الأدب مع الله عز وجل.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر فؤاد المحنبي
زيارة جميع مقالات: فؤاد المحنبي