فؤاد المحنبي

فؤاد المحنبي / لا ميديا -
دعونا نتذكر أن الله تعالى يأمرنا بأن نكون رحمة للعالمين نبلغ العالمين رسالته، رسالة الرحمة، نعم، العالمين أجمعين، يهوداً ونصارى كافرين ومشركين، ولا نتوعدهم بأننا قادمون بالموت أو الطرد من رحمة الله، ولا ندعو على أحد بالهلاك من أهواء أنفسنا، لماذا؟ أليسوا هم كافرين ونحن مسلمون؟! ونحن قبل نبي الرحمة ألم نكن كذلك كافرين، فمن الله علينا أن هدانا به للإيمان؟!
قال الله تعالى: "ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا، كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم، فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا".
والدعاء بالهلاك كما أسلفنا هو عدوان وإفساد في الأرض، والله لا يحب المفسدين. ألا نطمع أن نكون ممن يحبهم الله تعالى؟! وهل الدعاء بالهلاك لأعدائنا وأعداء الله هو إفساد في الأرض؟!
نعم، فبخصوص أعداء الله تبارك وتعالى فلسنا ندعي فعل شيء نيابة عن الله، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، فيقول الله تبارك وتعالى: "ولو شاء الله لانتصر منهم". وبخصوص أعداء الله والإسلام والمسلمين، فيقول الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم بخصوص كفار قريش ومن حولهم: "وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام، فسوف يعلمون". وما يهددهم الله تعالى به هنا هو أن بعضهم سيهديهم الله فيؤمنوا وبعضهم سيهزمهم الله تعالى وينصر نبيه ومن معه عليهم "فسوف يعلمون"، هذه العاقبة وقد حدثت بالفعل، ولكن ما أمر الله به نبيه تجاههم هو الصفح والقول "سلام" فسوف يعلمون.
وقال سبحانه وتعالى عن أعداء الحق من بني إسرائيل: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم، فاعفُ عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين".
فمع أن الله تبارك وتعالى لعنهم وجعل قلوبهم قاسية وحذر النبي الكريم من أنهم لن ينفكوا من إظهار خياناتهم لله ورسوله، فلم يأمره ربنا عز وجل بلعنهم كما لعنهم جل جلاله، فهو إلهنا وإلههم له الأمر، بل قال سبحانه: "فاعفُ عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"، لأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين وأمرنا بأن نتبع نبينا الكريم في كل ما فعل لنيل واستحقاق حب الله: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم". إذن فلم يوجب علينا الدعاء بالموت أو الهلاك أو اللعنة على أحد، ولكن أمرنا بإيصال رسالة الدين الحق والسلوك العظيم والرحمة للعالمين ليدخل الناس في دين الله أفواجا ويدخل الله في رحمته من يشاء.
وكما أشرنا فإن كل بشر له أعداء من البشر، وكل دولة لها أعداء من الدول، وكل أهل ملة لهم أعداء من أهل الملل، فإذا كان الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء البشر على أعدائهم بالهلاك لأهلك الناس أجمعين وزلزل -سبحانه- الأرض من تحتهم، وهلك الساكن والمساكن، ولو أجاب دعاء الدول على أعدائها لأهلك الدول والعمران وكذلك الملل، فلم يبق على أحد.
نعم، نحن إذا دعونا بالهلاك والتدمير بأدعية من عند أنفسنا وتركنا ما أنزل الله تعالى إلينا في "الذكر" من دعاء لا يزيد عن طلب النصر: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، فإذا أصررنا فنحن آثمون بترك الدعاء من الذكر الذي جاءنا به النبي الكريم، وباتباعنا لأهواء أنفسنا، والله تعالى لا يستجيب لأهواء خلقه جل جلاله ولا يجيبها.
قال سبحانه وجل جلاله وعز وتعالى ربنا العظيم عن نبيه الكريم والذكر الحكيم: "بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون".
ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.

أترك تعليقاً

التعليقات