فؤاد المحنبي

فؤاد المحنبي / لا ميديا -
قد يقول قائل: كيف تقول لا يجوز أن ندعو اللهم أهلك ودمر وزلزل وجمد الدم في عروق كائن من كان، وأن هذا الدعاء يكون عدواناً وإفساداً للأرض بعد إصلاحها، بينما نجد في كتاب الله الكريم على لسان سيدنا نوح عليه السلام قول الله تعالى: "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا"، ألا يدل ذلك على جواز الدعاء على الكافرين؟!
والإجابة من كتاب الله تعالى: لا، لا يجوز، لأسباب عديدة، منها أن سيدنا نوحا عليه السلام نبي يوحى إليه ولم يقل ذلك الدعاء من نفسه، بل بوحي وعلم وأمر من الله سبحانه وتعالى، فمن أين علم سيدنا نوح أنهم سيضلون الناس إن بقوا ولن يلدوا إلا كفرة وفجاراً؟ من الله بالتأكيد فقد قال الله تبارك في سورة هود: "وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون"، أي أن الله قد أعلمه بأنه لا أمل في صلاحهم وأنهم سيستمرون في إفسادهم في الأرض والله لا يحب الفساد، فأعلمه جل شأنه بذلك وأوحى إليه بهذا الدعاء.
والله تعالى لم يهلك الأمم السابقة لأنهم لم يؤمنوا به وبقوا كافرين، لا، وذلك لأنه قد قال الله تعالى "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، ومرجعهم إلى الله يوم القيامة، ولكن أهلكهم بسبب إفسادهم في الأرض وإهلاكهم الحرث والنسل، لقوله تعالى بعد أن بيّن ما أنزل بهم من خزي وعقاب فقال: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، ولكن أنت وأنا عندما ندعو بالهلاك على قوم حتى ولو كانوا كافرين من أين لنا العلم أنهم لن يؤمن منهم أحد، بل أمرنا أن نبلغهم دين الله رحمة للعالمين عسى أن يهدي الله منهم من شاء.
وكذلك دعوة سيدنا موسى وهي دعوة عجيبة: "وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون". إذن أجاب الله الدعوة منهما على علم ووحي، والله الذي أمره بذلك الدعاء وكان يدعو به أيضا سيدنا هارون أخوه، لأن الدعاء إلى موسى وأمر به والرسالة لموسى عليه السلام وما سيدنا هارون عليه السلام إلا وزير لموسى ومتبع له، وجاء الأمر بهذا الدعاء بما معناه: يا رب إن هؤلاء فرعون وملأه مثل قارون يستخدمون أموالهم ليضلوا عن سبيلك ولم يستخدموها ليشكروك ويعترفوا بفضلك ربنا فاطمس على أموالهم، فاستجاب الله تعالى هذا الجزء الأول من الدعاء بالخسف بقارون وداره في الأرض، "واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم"، وبالفعل تحقق ذلك تاليا بعده (وهذا الترتيب أوضحه كتاب الله الكريم في سورة العنكبوت) فأجاب الله الجزء الثاني من الدعوة فقد قال الله تعالى جل شأنه: "حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين".
ولم نؤمر نحن بمثل هذه الأدعية بالرغم من أنها في القرآن الكريم، وعلى ألسنة أنبياء، وكذلك أدعية الكافرين مثل قولهم: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم"، ولا يجوز أيضا أن ندعو بدعاء المستضعفين للخلاص من الحياة مع الكافرين، لأننا لسنا مستضعفين في بلاد يحكمها كافرون، والدعوة في ما قال ربنا تبارك وتعالى: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا"، ولكن يجب أن نعرف ما هي أدعية الله التي أمرنا أن ندعوه بها في مقال قادم بإذن الله تعالى.
رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.

أترك تعليقاً

التعليقات