حضور يمني لا يلين
- مبارك حزام العسالي الأحد , 13 يـولـيـو , 2025 الساعة 8:06:51 PM
- 0 تعليقات
مبارك العسالي / لا ميديا -
لم تكن مشاركة اليمن في معركة غزة طارئة أو دعائية، بل جاءت امتداداً طبيعياً لمسار تاريخي من الموقف المبدئي والانحياز الكامل للمظلومين في وجه الطغاة. وفي أسبوع واحد فقط، نفذ اليمن أكثر من 45 هجوماً نوعياً ضد العدو الصهيوني، استهدفت مطار اللد «بن غوريون»، ومواقع استراتيجية في مدن محتلة مثل يافا، عسقلان، أسدود، وأم الرشراش، باستخدام صواريخ باليستية وفرط صوتية، وطائرات مسيّرة، وزوارق حربية مسلحة، في وقت أغرقت فيه القوات اليمنية سفينتين تجاريتين تتبعان شركات انتهكت قرار الحظر البحري على الكيان، لتعلن صنعاء ألا عودة للحياة في ميناء أم الرشراش، ولا رفع للحظر الجوي عن مطار اللد، ما دام العدوان مستمراً.
هذا الحضور العسكري الكثيف ترافق مع خروج ملايين اليمنيين في تظاهرات غاضبة، حاشدة، ومستمرة للأسبوع التسعين توالياً، دعماً لغزة، في مشهد قلّ نظيره عالمياً، يعكس مستوى الوعي الشعبي الذي لا يتراجع رغم القصف والحصار والتهديدات الصهيونية.
ما يميز الموقف اليمني أنه نابع من الإرادة الحرة، وغير خاضع لأجندات خارجية. فاليمن لم يُدعَ إلى هذه المعركة، بل اختار أن يخوضها، ولم يُشترط عليه موقف، بل صنع موقفه، وهو اليوم يصوغ معادلة الردع بيده، فارضاً على العدو معادلات لم يكن يتوقعها. لم تكتفِ القوات المسلحة اليمنية بتسيير الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل وسّعت بنك أهدافها، وأعلنت حظراً شاملاً على الملاحة المرتبطة بالكيان في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، كما قامت بإغراق سفينتين انتهكتا هذا الحظر، في سابقة عسكرية بالغة الدلالة.
هذه العمليات العسكرية لا تُفهم إلا ضمن سياق وطني وشعبي متكامل. القيادة السياسية والثورية في اليمن، وعلى رأسها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أوضحت منذ اليوم الأول أن الموقف من فلسطين ليس تكتيكاً ولا مناسبة موسمية، بل عقيدة دينية وإنسانية ووطنية، عبّر عنها بخطاباته التي تدعو إلى الواجب الإيماني في نصرة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة.
في مقابل هذا الحضور اليمني الحي، تبدو كثير من العواصم العربية غارقة في صمت مُخزٍ أو تواطؤٍ مفضوح. وحده اليمن قال: لن نقف متفرجين. وحده كسر القيد، ووجّه الرسائل، واختار أن يكون في صف المظلوم لا الظالم.
أما العدو الصهيوني فهو اليوم في حالة ارتباك حقيقي. فمحاولاته لإعادة تشغيل ميناء أم الرشراش تُقابل كل مرة بردّ صاروخي أو بحري يوقف التشغيل. وحالة القلق تتزايد داخل منظومته الاستخبارية، التي باتت ترى في صنعاء خطراً لا يقل عن الجنوب اللبناني. فالتهديد القادم من اليمن لا يمكن تحييده بغطاء جوي، ولا إسكات صوته بتهديدات إعلامية، وهو ما يجعل الكيان يعيش اليوم تحت ضغطٍ استراتيجي غير مسبوق.
إن اليمن، رغم الجراح والحصار، يقدم أنموذجاً فريداً في زمن الانكسار العربي، ويُعيد للشارع العربي ثقته بأن هناك من لا يزال يقاتل، ويُربك العدو، ويرفع علم فلسطين في معركة الإرادات.
لا مبالغة حين نقول إن اليمن تجاوز مرحلة الدعم الرمزي، ودخل مرحلة الفعل المؤثر. ورغم أنه بلد محاصر؛ إلا أنه قادر على فرض الحصار. ورغم إنه يُهاجم منذ سنوات؛ إلى أنه لم يُسقط بندقيته.
ما يفعله اليمن هو دفاع عن فلسطين والأمة، وعن شرف العرب الذي تحاول أنظمة التطبيع طمسه، هو ردّ على سنوات من الخيانة، وسنوات من التساهل مع العدو، وتأكيد أن التحرر ليس قراراً دولياً، بل فعل إرادة من داخل الشعوب.
في زمن التخاذل، لا تزال هناك شعوب تُفجّر معاركها بنفسها، واليمن اليوم أولها في الميدان، وأقواها في الموقف، وأصدقها في التضحية.
المصدر مبارك حزام العسالي
زيارة جميع مقالات: مبارك حزام العسالي