شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
سوف تتكشف أكثر وأكثر، ويوماً بعد يوم، أهمية وحساسية الدور الذي لعبه أبناء اليمن من خلال صمودهم بمواجهة العدوان- في إعاقة مشروع واسع، كان يتحضر للمنطقة وللعرب، فكان اليمن الصامد في ذلك عماد ونواة محور المقاومة، وفرض بفضل تضحيات شهدائه وقوة مقاتليه وحكمة قيادته، موقعاً حصيناً لهذا المحور، لا يمكن لأية قوة أن تتجاوزه أو تقفز فوق دوره وموقفه.
كان لافتاً ومعبّراً ما قاله قائد حركة «أنصار الله» السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن أهمية دور وموقع كل من المقاومة الفلسطينية واللبنانية في إعاقة العدو «الإسرائيلي» من التمدد والتوسع أكثر، خاصة في ما أشار إليه حول تأثر الواقع العربي بالإخفاقات، وعدم تلقفه بإيجابية دور هاتين المقاومتين، كنماذج ناجحة، صمدت وواجهت العدو في بدايات اعتداءاته وتمدده واحتلاله.
هذا فيما خص دور وموقف المقاومتين الفلسطينية واللبنانية كنقطتي ارتكاز أساسيتين في مواجهة ومقاومة العدو «الإسرائيلي». ولكن ما لم يذكره السيد عبد الملك الحوثي، والذي على التاريخ حكماً أن يذكره، هو كل ما يتعلق بأهمية دور وموقف أبناء اليمن، أولاً في الصمود والثبات أكثر من 6 سنوات بمواجهة تحالف العدوان، وثانياً -وقد يكون هذا هو الأهم- دور اليمن كنقطة ارتكاز استراتيجية، عرقلت كل مشاريع الانهزام والتطبيع التي راهنت عليها «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية، والتي حاولت تنفيذها بأيادٍ عربية خليجية، كان من المفترض أن تكون شقيقة وصديقة.
يمكن القول إن اليمن لعب هذا الدور التاريخي، بعد أن وقف -جيشاً ولجانا شعبية ووحدات أنصار الله- بوجه تحالف واسع من دول قادرة ومتمكنة، مالياً وعسكرياً وإعلامياً وديبلوماسياً. وفيما كان هدف هذا التحالف أبعد من الداخل اليمني لناحية السياسة والمعارضة والإصلاح، وأبعد من هدف إعادة «شرعية ضائعة» فقدت وجودها وحيثيتها ومشروعيتها، تمثل هدفه في الحقيقة، بانتزاع فكر ومنهجية وقرار المقاومة بوجه محور التطبيع والانهزام.
لقد اختار العدوان، ومن يدعمه، اليمن كنقطة استهداف وعدوان، بسبب موقعه الحيوي الاستراتيجي، والذي يشكل جغرافياً نقطة الربط والتواصل بين الامتداد الحيوي البحري لإيران كقائدة لمحور المقاومة من جهة، وبين ميدان المواجهة الحقيقي ضد «إسرائيل»، انطلاقا من سواحل اليمن الجنوبية مروراً بباب المندب وبالبحر الأحمر، وامتداداً إلى لبنان وغزة من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي كان مطلوباً فيه من اليمن أن يكون نموذجاً للطرف المقاوم الضعيف، وأن يستسلم وينهار أمام موجة الارتهان والتطبيع، فيشكل بذلك نموذج الانهيار، ويلحق به أطراف محور المقاومة الآخرون، في لبنان وفي غزة وغيرهما، فاجأ اليمن الجميع، في الإقليم وفي العالم، بثباته وبصموده، فكان على عكس ما أراد العدوان وداعموه، نموذجاً فريداً في الثبات والقوة والمقاومة.
لقد شكل أبناء اليمن بتماسكهم في المعركة والقتال، وبثباتهم أمام موجات العصف والقصف والحصار والدمار، عقدة الميدان والمواجهات، ففرضوا موقفاً تاريخياً، على عكس ما أراد تحالف العدوان وداعموه، وكانوا مثال النموذج الغريب الذي استطاع فرض المعادلات الاستراتيجية، والتي لم يكن أحد في الإقليم والعالم يتصور أنهم قادرون على فرضها.
من يتابع وبصدق وموضوعية، ما توصلت إلى امتلاكه وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية من قدرات نوعية وأسلحة استراتيجية، سيعتبر حكماً أن في الأمر معجزة وأمرا فوق الطبيعة، بأن تقوم تلك الوحدات المحاصرة والتي كانت وما زالت وخلال ست سنوات تتعرض بشكل يومي لاعتداءات جوية وصاروخية مركزة، في تجاوز القدرة العادية للتصنيع، وتتوصل إلى ما توصلت إليه من امتلاك صورايخ ومسيرات، أصابت مقتلاً من العدوان في عمقه الاستراتيجي، وعلى مسافات قاربت آلاف الكيلومترات، وتجاوزت عبرها أكثر منظومات الدفاع الجوي العلمية تطوراً وفاعلية، واضعة العدوان وداعميه أمام إمكانية كبيرة لعزل منشآته الحيوية، والتي تشكل عماد اقتصاده وتوازنه المالي والقومي والسياسي.
لقد قاتلت وحدات الجيش واللجان وأنصار الله بوجه قوى تحالف العدوان المدعومة بأكثر الأسلحة تطوراً وجحافل مرتزقتها، قتال الند للند، وكانت لها بداية في المرصاد، دفاعاً مستميتاً عن العاصمة صنعاء وعن الحدود وعن الساحل الغربي، وتحديداً عن الحديدة ومحيطها، لتنتقل ثانية إلى وضعية الهجوم وتطوير حركتها الميدانية نحو تحرير أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرة العدوان ومرتزقته. ورغم الضغوط والحصار والدمار، انتقلت وحدات الجيش واللجان وأنصار الله، من موقع المُستهدف الذي تهاجمه قوى إقليمية ودولية، إلى المهاجم الذي أصبح هو يستهدف عمق هذه القوى، ويفرض عليها معادلة الردع وتوازن الرعب والقوة، ولينتقل بالتحديد إلى الهجوم داخل العمق السعودي، مهدداً مدناً ومناطق بأكملها.
بالنهاية، سوف تتكشف أكثر وأكثر، ويوماً بعد يوم، أهمية وحساسية الدور الذي لعبه أبناء اليمن -من خلال صمودهم بمواجهة العدوان- في إعاقة مشروع واسع، كان يتحضر للمنطقة وللعرب، وبالتحديد للدول التي ما زالت تحمل في فكرها وفي عملها وفي موقفها ذخراً من روح العنفوان والمقاومة والمواجهة، فكان اليمن الصامد في ذلك عماد ونواة محور المقاومة، والذي فرض بفضل تضحيات شهدائه وقوة مقاتليه وحكمة قادته، موقعاً حصيناً لهذا المحور، لا يمكن لأية قوة أن تتجاوزه أو تقفز فوق دوره وموقفه.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات