شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لا شك في أن ما تعيشه «إسرائيل» اليوم على خلفية «طوفان الأقصى» الذي مازالت تداعياته تنخر ذلاً وخسارة في صميم وعمق وجدان العدو، هو مستمر في مسار متشعب وواسع.
أولاً، لناحية الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى حدودها مع الغلاف والمستوطنات، على صعيد الأعمال القتالية المباشرة، وأيضاً على صعيد مناورة التدمير والإجرام غير المسبوق الذي تمارسه «إسرائيل» متجاوزة كل القيود القانونية والإنسانية المعروفة.
وثانياً، لناحية الاشتباك مع أطراف محور المقاومة في نقاط تتعلق بانخراطها مباشرة ضد وحدات الكيان، أو في نقاط تتعلق بانخراط البعض الآخر من أطراف المحور ضد حلفاء الكيان وخاصة ضد الأمريكيين.
في إضاءة على مسار عمل هذه الأطراف في محور المقاومة، لإيران أولاً الدور القيادي في إدارة هذا المحور في المعركة ضد «إسرائيل»، وهي، بقدراتها العسكرية والسياسية والاستراتيجية تلعب دور الداعم الأقوى للمقاومة الفلسطينية في هذه المعركة. والتحرك العسكري الاستثنائي للأمريكيين نحو المنطقة، عبر حاملات الطائرات والسفن الضاربة المواكبة لها نحو شرق المتوسط أو نحو الخليج وبحر العرب وخليج عُمان يصب في أكثر أهدافه لناحية مواجهة القدرات الإيرانية، فيما لو تطورت المواجهة وتوسعت في المنطقة، بالإضافة، طبعاً، للعب دور الداعم اللوجستي الطارئ للقوات الجوية «الإسرائيلية»، في تأمين ما ينقصها من صواريخ موجهة وقنابل ذكية، استُعمِلت أغلبها وتستعمل ضد المنازل والمنشآت المدنية والطبية والإنسانية في غزة.
لناحية المقاومة العراقية، من الواضح أنها تجاوبت وبسرعة مع تهديداتها للوحدات الأمريكية في كل من العراق وسوريا، وفي الوقت الذي استهدفت حتى الآن أغلب قواعد الأمريكيين بين العراق وسوريا، في كل من «التنف» و«عين الأسد» و«حرير» قرب أربيل والمالكية شرق الفرات، بالإضافة لاستهداف قواعدهم في «حقل العمر» وفي «كونيكو» في شرق سوريا، يبدو أنها تحضر لرفع مستوى انخراطها ضد هذه القواعد الأمريكية، وذلك تبعا لتطورات المواجهة في غزة ومستوى الانخراط الأمريكي فيها.
لناحية حزب الله في لبنان، فهو يخوض معركة مواجهة مباشرة وبمستوى مرتفع جداً، ضد الوحدات «الإسرائيلية» على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وفي الوقت الذي فرض على «إسرائيل» اشتباكاً استثنائياً على هذه الجبهة، استطاع أولاً أن يثبت قواعد الاشتباك المعمول بها مع العدو، وتمكن أيضاً من أن ينجح وبنسبة كبيرة في فرض عملية إشغال للعدو على هذه الجبهة، أجبرت وحدات الأخير وقياداته العسكرية أن تعطي النسبة الأكبر من جهودها وقدراتها ووحداتها الخاصة لمواجهة أي عمل مرتقب لحزب الله على تلك الجبهة، الأمر الذي استفادت منه المقاومة الفلسطينية على جبهة غزة، خاصة أن حزب الله، نجح في عزل قدرات العدو المدرعة من خلال تدمير عدد كبير من مدرعاته على تلك الجبهة، ونجح أيضاً في تدمير وعزل كل أجهزة المراقبة وأبراج الرصد الحدودية للعدو على جبهته الشمالية.
أما لناحية الدور اليمني وقدرته في التأثير على العدو في هذه المعركة اليوم، فلا شك أن المقاومة اليمنية تستطيع التأثير في اتجاهين.
الاتجاه الأول، عبر التأثير المباشر على حلفاء «إسرائيل» وخاصة الأمريكيين، مثل معركة المقاومة العراقية ضد القواعد الأمريكية.
الاتجاه الثاني، عبر التأثير المباشر على العدو، تماماً مثل معركة حزب الله المباشرة ضد العدو، وهذا التأثير أو الدور اليمني المزدوج، يمكن أن نرصده حسب المعطيات التالية:
أولاً: موقع اليمن الجغرافي الاستراتيجي، يعطي المقاومة فيه قدرة وإمكانية وفرصة استثنائية في استهداف أغلب السفن العسكرية الأمريكية والغربية، التي ستلعب دوراً مباشراً في دعم «إسرائيل» في معركتها التدميرية لغزة بشكل خاص، وللقضية الفلسطينية بشكل عام، وإمكانيات القوى البحرية اليمنية معروفة في قدراتها على استهداف هذا المسار البحري الإجباري للسفن الغربية وخاصة الأمريكية، في البحر الأحمر وفي خليج عُمان وبحر العرب، وتحديداً في بقعة الروع أو الموت لهذه السفن في باب المندب ومحيطه القريب شرقاً نحو جزيرة سقطرى، وشمال غرب نحو عمق البحر الأحمر بمواجهة مرفأ الحديدة.
ثانياً: لناحية التأثير اليمني المباشر أو الدور المباشر للمقاومة اليمنية بمواجهة «إسرائيل»، فإن هذا الأمر قد يكون الأكثر سهولة على القوى اليمنية، حيث تملك الإمكانيات المناسبة لاستهداف عمق الكيان في فلسطين المحتلة، لناحية القدرات الصاروخية الباليستية المتميزة، وخاصة صواريخ «قدس» المتعددة النماذج، والتي سميت هكذا من ضمن مهامها ومسؤوليتها في هذا الصراع، أو لناحية المسيّرات البعيدة المدى، والتي وصلت خلال مواجهة أبناء اليمن لدول العدوان إلى مناطق تقارب في بعدها عن اليمن المسافة بين فلسطين المحتلة وبين اليمن، بالإضافة لقدرات متميزة لهذه المسيّرات، أثبتتها عدة تجارب حية في تلك المواجهة ضد دول العدوان على اليمن.
أيضاً، يمكن لأبناء اليمن ولمقاتليه الأشداء، فيما لو تطورت المواجهة ضد «إسرائيل»، المشاركة في القتال المباشر من داخل فلسطين المحتلة إذا تيسر دخولهم إلى أي منطقة فلسطينية محتلة أو من دول المواجهة المباشرة في الجنوب السوري أو في جنوب لبنان، وهذا الأمر لن يكون مستبعداً فيما لو فرضت المعركة مسار مواجهة قاسياً وإجبارياً على هذا المستوى من القتال.
من هنا، يبقى لكل طرف من أطراف محور المقاومة دور أساسي وفاعل في هذه المواجهة، وبين من سيكون له من بين هذه الأطراف دور مباشر ضد العدو، وبين من سيكون له دور مباشر ضد حلفائه وتحديداً الأمريكيين، ستكون معركة متكاملة يخوضها كل أطراف محور المقاومة نصرة لفلسطين وللقدس وللمسجد الأقصى وللقضية الفلسطينية المقدسة.
محلل عسكري واستراتيجي لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات