شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -

كانت لافتة في غرابتها وفي مسارها وفي تطورها هذه الحرب التي استهدفت اليمن وما زالت، والتي شنها تحالف عربي - إقليمي، بعد أن حصل -وخلال 6 سنوات تقريبا- على مروحة غربية واسعة، من الدعم غير المحدود، في العتاد والأسلحة والقدرات الجوية والفنية المتطورة، بالإضافة إلى الموقف السياسي والديبلوماسي والإعلامي الدولي المنحاز بالكامل لمسار العدوان، مع خنق وتوجيه دور الأمم المتحدة وأغلب المؤسسات الدولية، نحو الضغط على أبناء اليمن وحرمانهم من كافة حقوقهم، والتي يجب أن تكون مصانة ومحمية استنادا لشرعة الأمم المتحدة والقوانين الدولية الراعية لأهداف ولدور ولمهمات هذه المؤسسات.
اللافت أيضاً في هذه الحرب -غير أنها قد كسرت المعادلات التقليدية للحروب والمواجهات العسكرية بسبب ما أظهره أبناء اليمن حتى الآن من صمود ومن ثبات- أن هناك أطرافا إقليمية، وبالتحديد الإمارات، قد انخرطت فيها لأهداف لم تكن واضحة في البداية، في الوقت الذي كانت فيه أهداف الطرف الآخر الأساسي في هذه الحرب، والذي تمثله المملكة السعودية، واضحة ومعروفة ومنتظرة، ومنها السياسية والاقتصادية التاريخية.
مع الوقت، ومع متابعة حركة الوحدات العسكرية الإماراتية على الأرض، وخاصة على السواحل اليمنية وعلى سواحل الدول المحيطة باليمن، في بحر العرب أو خليج عدن أو خليج عمان أو القرن الأفريقي (الصومال وجيبوتي وإريتريا)، بدأت تتضح شيئا فشيئا أهداف أبوظبي من هذه الحرب، لتظهر مؤخرا، وبما لا يقبل الشك، أنها مرتبطة بالكامل بمشروع كبير وخطير ترعاه الإدارة الأميركية، لمصلحة "إسرائيل"، وبالتحديد، لمصلحة مشروع تطبيع واسع مع "إسرائيل"، وقد توجت انطلاقة هذا المشروع بالاتفاق "الإسرائيلي" - الإماراتي، ثم مع البحرين لاحقا.
هذا المشروع التطبيعي مع "إسرائيل"، والذي انطلق مع اتفاقها الأخير مع الإمارات، تلعب فيه الأخيرة دورا رئيسا، يتجاوز السياسة والديبلوماسية، إلى الدور الميداني - البحري - العسكري، والذي يقوم على سيطرة أبوظبي على أغلب، بل على جميع الموانئ والمعابر البحرية الحساسة، والمنتشرة على هلال بحري واسع، يبدأ من مضيق هرمز شمالا، ليمتد جنوبا على السواحل الغربية لبحر العرب ولخليج عمان، وصولا إلى كامل الشريط الساحلي اليمني الجنوبي، ضمنا جزيرة سقطرى، مع باب المندب فميناء المخا، وامتدادا على سواحل البحر الأحمر مع القرن الأفريقي، في الصومال وجيبوتي حتى إريتريا، ليتوقف عمليا على سواحل السودان الشرقية على البحر الأحمر.
هذا الهلال الواسع من السيطرة البحرية والبرية، والذي تشترك فيه سلطنة عمان، والمرشحة الدائمة للاتفاق مع "إسرائيل"، حيث يوجد بعض العلاقات الديبلوماسية بينها وبين الأخيرة حاليا، يبدو أنه قد اكتمل تقريبا، ولم يعد ينقصه إلا ميناء الحديدة والشريط الساحلي المحيط به شمالا وجنوبا، من جهة، ومدينة صنعاء ومحيطها من المدن والمحافظات اليمنية المحررة، والخارجة عن سيطرة تحالف العدوان (السعودي الإماراتي)، من جهة أخرى.
من هنا، يمكن أن نستنتج تلك الشراسة التي واكبت محاولات التحالف للسيطرة على الحديدة وعلى صنعاء، فالأولى (الحديدة) كمدينة ساحلية وكميناء رئيس أخير تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية اليمنية، منه يمكن مسك وتغطية قطاع كبير وأساسي من الساحل الشرقي للبحر الأحمر.
أما الثانية (مدينة صنعاء) فهي تمثل العاصمة الوحيدة والأخيرة العصية على هذا الهلال التطبيعي، والرافضة لمسار التسويات والاتفاقات مع العدو "الإسرائيلي"، وهي المدينة الوحيدة القادرة على حماية التماسك المطلوب لتثبيت وحدة اليمن. كما أنها تشكل، ومن موقعها الجغرافي والحيوي، نقطة ارتكاز رئيسة في عمق اليمن، والقادرة على ربط جميع محافظاته ببعضها بعضا، بالإضافة لما تمثله من جبهة وطنية قوية، بمواجهة تحالف العدوان، والذي تبين أنه هو نفسه تحالف التطبيع مع العدو "الإسرائيلي".
من هنا كانت أهمية ما حققته جبهة صنعاء الوطنية (الجيش واللجان الشعبية اليمينة)، في معركة دفاعها عن اليمن، والتي تبين أنها معركة الدفاع عن الأمة ضد مشروع التطبيع مع العدو. وهذه الجبهة (صنعاء الوطنية) أصبحت اليوم تشكل عائقا صلبا لهذا المشروع، ليس فقط في الجغرافيا والميدان والانتشار العسكري على الساحل اليمني وبالتحديد في الحديدة ومحيطها، إنما في البعد الاستراتيجي، حيث إن امتدادها المتجذر والأساسي ضمن محور المقاومة، بما تمثله شعبيا وعسكريا واستراتيجيا وقوميا، لا يمكن تجاوزه، وسيبقى نقطة ارتكاز قوية لإعاقة وإفشال هذا القوس أو الهلال عن الانبطاح والاستسلام.
والأهم من ذلك، حيث إن هذه الجبهة التي شكلت بصمودها عائقا ثابتا وصلبا بمواجهة مشروع التطبيع وكانت نقطة حيوية، فصلت وقطعت جغرافيا إمكانية اكتمال هذا الهلال، فهي ستكون (جبهة صنعاء) وعبر ما تملكه من قدرات استراتيجية ونوعية، مشروع مواجهة أكيداً لهذا الهلال التطبيعي، وليس مستبعدا أبدا أنها قد تطيح بأحد الأطراف الرئيسة ضمن هذا الهلال، الإمارات، على الأقل في أماكن سيطرة الأخيرة في جنوب اليمن وعلى سواحله وموانئه وجزره، حيث تواجدها بمثابة احتلال لأراضٍ يمنية، وهذا الاحتلال سوف يستدعي حتما التحرير.

محلل عسكري واستراتيجي لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات