بين يدي المؤتمر والأنصار
 

عبدالباسط السلامي

بعد أن فشلا- معاً - في الحفاظ على تحالفهما الاستراتيجي أو الضرورة، وإبقائه بعيداً عن احتمالات الانهيار أو التفكك أو الضعف، وبعيداً عن المماحكات والتباينات والتنافس الحزبي.. كما وعدا الناس والبلد وأنصارهما في لحظة فارقة وعصيبة وبالغة التعقيد والتهديد، لحماية الوجود الإنساني والمكاني لهذا الشعب وهذا الوطن.. على الأقل حتى إتمام المهمة والدور الأكثر إلحاحاً ووجوباً.. المتمثل في استكمال معركة الشرف ومسيرة الصمود جنباً إلى جنب مع جماهير الأمة اليمنية في وجه العدوان، بكل ما يعنيه ذلك من مسؤولية وصبر وتضحية واستنفار ويقظة وتآزر وتماسك وحرص و..
بعد أن فشلا، أو لنقل بعد أن نجح العدوان في اختراق الجبهة وإشعال فتنة كادت- في بُرهة عمى - تُودي بنضالات وتضحيات وصمود وأحلام شعب وجيل يماني وضعته أقداره وخصائصه وظروف المنطقة والعالم إزاء اختبارٍ عسيرٍ ومؤامرة كونية فرضت عليه المواجهة وخيرته بين (الذلة والسلة).. بين الانسحاق وبين انتظار السحق.. بين مبايعة الهاوية وبين تجشم الصعود.. فاختار الوقوف في وجه العواصف.. اختار قبول التحدي.. اختار الصمود.. اختار مخاصرة المجد واعتناق الحياة..!
 بعد أن (نزغ الشيطان..) و(فسا الضربان)..! وكادت أيدي سبأ أن تتفرق.. وجبهات الإباء أن تتمزق.. ونذهب جميعاً أدراج الرياح.. فلا يطلع علينا صباح.. و.. و.. لولا لطف الله وسوء طالع ملوك العار وتحالف العدوان.. 
بعد أن فشلا -بنزق وغباء بعض من النافذين المحسوبين على جبهة الصمود- ولم يستفيدا من أخطاء وخطايا شركاء سلطة دولة الوحدة (قبل انزلاقهما في حرب صيف 94م).. 
على المؤتمر الشعبي الآن أن يتعلم من أخطاء خصمه الاشتراكي الذي خسر الحرب حينها، وأخفق في تجاوز آثارها لاحقاً.. وبدلاً من أن تخرجه الحرب من السلطة في أقصى حد, أخرجته أخطاؤه وقرارات قادته وحالة الذهول وعدم التصديق وردود فعله و.. من الحياة السياسية ومن المشهد العام.. وتدريجياً دخل في غيبوبة وحالة ضياع وتشرذم ونسيان للثوابت وفقد للذاكرة المتجددة وللذات معاً.. وراحت القوى تتقاسمه موقعاً ولافتات ومبررات وجود، وتستحوذ على تركته الجماهيرية (أعضاء.. أنصار.. شرائح.. مؤسسات.. بيئات وحواضن..)، فيما ظل على استحياء بعد بيات طويل يحاول تذكر ملامحه وتعلم خُطىً لم يُخلق لها وبأقدامٍ مستعارة..!
في المقابل على (أنصار الله) أن يتعلموا من أخطاء (المؤتمر) (وسلطة ونفوذ الإخوان) عقب انتصاره (المؤتمر) في تلك الحرب (7/7/94م)، وحالة الزهو والحرص على إقصاء الحزب الاشتراكي وطمس معالمه، والانقلاب على سائر الاتفاقات والعقود المشتركة وعلى دستور ودعائم وأركان وأسس دولة الوحدة، وعلى مبادئ وأعمدة النظام السياسي المدني التعددي ووثيقة العهد والاتفاق، و.. وفتح الأبواب والنوافذ لرموز التطرف وأدعياء الفقه الإخوانيين والإسلام السياسي وسائر المسبحين بحمد الملوك والأمراء ومسوخ الوهابية.. ليعيثوا فساداً، ويعيدوا صياغة تلك المبادئ والأسس والدستور والقوانين والمناهج، ومن ثم الأخلاق وأساليب العيش، ويشوهوا وجه الحياة، تشفياً بالخصم الاشتراكي، واعتقاداً بإمكانية مخادعة ومسايرة مطامع الإخوان إلى حين..
على أنصار الله أن يتأملوا تلك الأخطاء أو الخطايا التي وقع فيها المؤتمر عقب خروجه منتصراً قبل 17 عاماً، وكيف دفع ومعه البلد والحياة السياسية أثماناً باهظة.. 
كان حرياً بقيادة المؤتمر حينها أن تحافظ على قوة الحزب، وتساعده على لملمة نفسه على الأقل ليحتفظ المؤتمر بكثير أوراق تكبح نزق وأطماع الإصلاح حليفه الجديد القديم ومنافسه الأقوى على التفرد بالسلطة والدولة والحياة والأحياء، ولكي لا يعجل تنفيذ مخططهم وهوسهم الأزلي للسلطة المطلقة جهاراً نهاراً دون حاجة للتخفي أو التحالف مع نظم أو حكام قائمين بأمر أسيادهم ومستنبتيهم وفارضيهم على المجتمعات والحياة السياسية (ملوك النفط وشيوخ الوهابية)، وبالطبع لأغراضهم، وإلى حين..
مع ملاحظة أن هذا الإصلاح كان يمتلك من النفوذ ما يوازي وربما يفوق سلطات قيادة المؤتمر قبل وبعد مجيء وإزاحة الاشتراكي.. 
على أنصار الله أن يتأملوا التحولات بعد ذلك، وكيف عض المؤتمر لمرات كثيرة أصابع الندم..
كان في وسع المؤتمر آنذاك لجم أو إعاقة توغلات خصوم الاشتراكي على الحزب وعلى الحياة السياسية ومستقبل التجربة، وألا تدفعه نشوة النصر وحدة التصادم العسكري والإعلامي والجماهيري مع الحزب للتشفي والغرور، أو في أحسن الأحوال التساهل وعدم الاكتراث وكأن الأمر لا يعنيه..
على المؤتمر الشعبي الآن أن يتعلم من أخطاء الاشتراكي بعد 94، وألا يسمح للتاريخ أن يعيد نفسه بصورة أكثر مأساوية عليه هو هذه المرة.. 
ما كان يتوجب أن يتجنبه الحزب عقب حرب 94، فعلى المؤتمر - وبمعطيات الظرف - أن يحذر الوقوع فيه..
ما كان يتوجب على الحزب أن يفعله وما كان ينبغي أن يجتهد في فعله وانتهاجه.. هو- وبمعطيات الحال- ما يجب على المؤتمر التزامه كخط سير وآلية عمل للملمة الصف والسير قُدماً في إعادة قوة ومشروعية واستكمال مشروعه وخلق فرص حياة جديدة وتأكيد نهجه كحزب وطني بمواصلة وتأصيل شواهد حية في ظروف تحتاج فيها المكونات الوطنية للتشابك والتآزر ومضاعفة الجهد وتجاوز التباينات في استكمال مهمة الدفاع عن البلد ومواصلة الصمود وإسقاط العدوان وإسكات العاصفة وإخماد الحرائق والوصول لسلام عادل وشجاع لا ينتقص سيادة البلد ولا يغمط تضحيات الجميع.. ومصالحة وطنية تحمي وتعزز المكتسبات، وتعيد تلاحم كل أيدي سبأ تحت سقف حراسة السيادة الكاملة للبلد والمواطنة المتساوية والحقوق المشروعة والحلول المنصفة.. 
على القيادات المؤتمرية التي أثبتت على مدى 1000 يوم من الصمود - إلى جانب كوادر وجماهير وأنصار المؤتمر- أثبتت مدى إخلاصها للوطن وولائها للشعب وشموخها في وجه الغزاة، وأسهمت بجانب قيادات وأنصار أنصار الله وكل شرفاء البلد في خوض معركة اليمن كل اليمن في مواجهة كل أعداء وخصوم اليمن.. عليها (قيادات المؤتمر) أن تقف بوعي ومسؤولية وحرص، وتتعلم من دروس الماضي، وتوظف خبراتها في تأمل وقراءة ودراسة وضع حزبها، وتعمل بكل جهد وإصرار على عمل ما من شأنه المحافظة على الحزب وتكوين قيادة جديدة بمهمة تجاوز آثار أحداث الأيام الثلاثة المجنونة (2 - 4 ديسمبر) وما تلاها، وإعادة التأكيد على الخط الوطني للحزب، والرد بالعمل والممارسة على الحملة التي تعرض ولا يزال يتعرض لها المؤتمر، والتي تستهدف مواقف المؤتمر ونهجه الوطني وتحاول تصويره كياناً رخواً وبنية هشة وطابوراً طويلاً من ضحايا البطالة الحزبية السياسية الفكرية الوطنية، وهو ما تحاول أبواق العدوان أن تكرسه كصورة نمطية للحزب منذ الأحداث المؤسفة، مستغلة حالة الفراغ التي شهدتها بعض كراسي القيادة العليا، ومستغلة غياب أو توقف وسائل إعلام المؤتمر خلال الأيام السابقة.. 
وحرصاً من العدوان وأدواته على الانتقام من المؤتمر وتشويهه وتمزيقه ليسهل على مراكز العدوان اقتسام التركة وتوزيعها على مرتزقتهم وتوظيفها لتأدية وتغطية مهمات وأدوار رخيصة لقوى ومجاميع أكثر صفاقة ورخصاً، متناسية حجم ووعي ووطنية وثقل وعمق المؤتمر.. وعلى الرغم من أن المؤتمر واسع الانتشار والتجذر كماً وكيفاً.. وأعضاء هذا الحزب أو أي حزب وازن في اليمن يساوي عدداً مجموعة من دول العدوان.. 
على أنصار الله.. على المؤتمر.. علينا جميعاً استشعار المسؤولية، ومساعدة المؤتمر للعودة المتسارعة لصدارة المشهد الحزبي والسياسي والوطني في جبهة الصمود ومواجهة العدوان واستكمال معارك الشرف..
وللقيادة الجديدة حال استكمال إعلانها في عاصمة الصمود، وباستطلاع جماهير المؤتمر، أن تدرس خيارها في استمرار المشاركة في السلطة ومستوياتها.. وأن تقرر وبما لا يتصادم أو يعيق مستوى المشاركة والتحالف ضد العدوان.. 
وختاماً.. علينا أن ندرك حجم الأخطار المحيطة، وطبيعة الصراع على كافة المستويات.. 
علينا.. وعلى المؤتمر والأنصار والشرفاء التحلي بالواقعية والإنصاف في معالجة الوضع الحزبي والسياسي والوطني في هذا الظرف البالغ التعقيد، وقبل فوات الأوان..! 

أترك تعليقاً

التعليقات