طريق العزة والانتصار
 

عبدالباسط السلامي

في مثل هذا اليوم.. طيران العدوان يقصف مؤسسة.. وفي مثل هذا اليوم العدوان يرتكب مجزرة راح ضحيتها عشرات الضحايا... وفي مثل هذا اليوم العدوان يستهدف مزارع المواطنين.. في مثل هذا اليوم دمر العدوان جسراً.. وطريقاً.. وفي مثل هذا.. محطة كهرباء..
وفي مثل... سوق... الشعبي، وفي مثل... مدرسة... وفي.. جامعة... و... زوارق الصيادين... عشرات الصيادين... سكن العمال... منازل مواطنين... مزارع الدواجن... صوامع الغلال... ميناء... مطار.. معهد... مصنع... ورشة.... متحف... ناقلات الغذاء... صيدلية... عيادة... مستشفى... و... و... و...
وفي مثل كل يوم استهدف العدوانُ طائراتُهُ وبوارجُه وأدواتُه وأساليبه، وقراراته وملياراته ونفطه ونفوذه، وتواطؤ ورخص وتسهيلات وشرعنة ومشاركة المؤسسات والهيئات والمجالس والاتحادات والجمعيات والحكومات والمنظمات الدولية.. في مثل كل يوم كلُّ مكونات وتفرعات وأدوات العدوان تستهدف بكامل عتادها ووسائلها كلَّ مقدرات وأملاك ووسائل حياة وتاريخ ومكتسبات وإرادة الإنسان والمواطن والشعب اليمني الصامد والصابر والمستعصي على الانكسار.. المتكئ على (عموده الفقريّ) الذي يمنحه غنىً واستغناءً وعزماً أصيلاً انكسر وينكسر على ثباته وكبريائه عزمُ وكبرُ عواصفِ الغزاةِ الطامعين وحمقُ وأوهامُ وتوسُّلاتُ ومراهناتُ اللائذين بها والمتكئين على وعودٍ جوفاء صرفها لهم هولاكو والتتار الجدد قبل أو قُبَيْلَ انطلاق إشارة البدء بإشعال العاصفة وصَبِّ قذائف ونيران الحقد والعيب الأسودين على أرض الجنتين وشعب الحكمة والإيمان... 
في مثل كلِّ يوم وكلِّ لحظة زمن، وعلى مدى عامين ونصف، ظلَّ العالم يقصفنا أو يتعامى عن النظر إلى بِرَكِ الدماء وأكوام المنازل وأشلاء الأطفال المتفحمة وركام المشافي وطوفان الأوبئة وطاعون اللحى والسكاكين وأحزمة الذئاب الأذناب والحصار الملوَّن والمحكم غلقُه ليكون جسرَ عبورٍ مفتوحٍ ومضمونٍ لتركيع وإذلال إرادة شعبٍ ومحو واستئصال أُمَّة، وكأن العالم لن ينعم بسلام أو حياة أو وجود إذا بَقِيَتْ لهذا الشعب باقية أو تَبَقَّى على خارطة الصراع أنفٌ يعشق الشموخ أو جبهة تأنف السجود للذل والعجز والانبطاح.. أو نفوس تأبى أن تُسَلِّم أجسادها وأذهانها خدماً لمذبح رب البيت الأبيض وقوادي النفط، لتلهوَ بها سكاكين فزاعة الاستكبار وطلائع الغزاة في كل بلد.
كأن الدنيا لن يستقيم شأنها والآخرة لن يقوم ميزانها إلا باجتثاث بلدنا ومحو وجودها الحضاري الأعرق والأعمق والأكثر اتصالاً بالمجد والخير والتعايش منذُ كانت فكان الكوكب وكانت الخارطة.
في مثل كل يوم مجزرةٌ ومقبرةٌ وجريمةُ حربٍ وإبادة ووصمة عار في وجه الحضارة المعروضة في مزاد القوة والصفقات ومعايير الربح ومقاييس (الخوذة) وقوانين العار والجرب.
لكن.. وفي المقابل، وعلى غير اشتهاء سفن الغزو ورغبات قوى الاستكبار وصناع القرار الدولي... وتوقعات الأمم والدول والكيانات الطارئة والقليلة الخبرة والمعرفة بعظَمة الشعب والإنسان والمقاتل والتاريخ اليمني الذي يحمل مخزوناً استراتيجياً وخبرةً توارثها ونمَّاها جيلاً  بعد جيل في شؤون الحرب والسلام، وصبراً وجَلَداً وحكمة وإيماناً بوطنه وتاريخه وطيبة وصلابة الأرض التي يقف عليها، والتي - ككلِّ أرض- تصطفُّ وتقاتل مع أصحابها، أهلها ليواجها معاً أطماع وجحافل الغزاة والمحتلين وخبالات وخناجر الخونة... خلافاً لرغبات وأطماع ونزوات العدو، كان اليمن وجيشه ولجانه وقبائله في كل يوم وفي مثل كل يوم، يظهر تفوقاً في المعركة العسكرية والسياسة والأخلاقية.. ويجسد البطولة والعظَمة التي - مهما كابر الكثير- حتماً ستجبر العالم شاء أم أبى، عاجلاً أم آجلاً، على المراجعة والتراجع واليأس من إمكانية واحتمالات انكسارنا أو طمس معالم أُمة وسحق إرادة شعب..
لكن الأهم، وفي وجه هذا القدر المُفْرِط من العنجهية والكبر والقوة والمال والَّلاأخلاقية والتآمر، والاختلال في موازين القوة المادية و...، الأهم أَلَّا ندَّخِرَ وسعاً في استنهاض الأُمَّة ولملمة الشتات والبحث عن فرص تعزز الموقف المناهض والجبهة المواجهة للعدوان، وابتكار الحلول الممكنة للوضع المعيشي الخانق لغالبية الفئات والشرائح والمواطنين الذين تكالب عليهم العدوان والحصار والخراب وقلة وندرة الدواء والمستلزمات وانتشار الأمراض، وفوق كل ذلك ضعف أو انعدام القدرة الشرائية، وبخاصة مع انقطاع الرواتب.. وهي جبهة توازي وتلازم الجبهة العسكرية والسياسية والدبلوماسية والأمنية، والنجاح في الجبهتين يحمي ويوفر ويدافع عن الكرامة والعزة والاستقلال، كما أن الإخفاق في أيٍّ منهما أو التراخي يهدر الكرامة والـ... دون شك، ويمنح العدوان فرصاً للنيل من الإرادة والصمود والإصرار والقدرة على البقاء والرد والردع، والنيل بصورة مباشرة من وحدة الصف ووطنية المواجهة... 
ولا يزال العدو، رغم تململ الكثير من أتباع فصائله وإدراك معظم مناصريهم حجم الخديعة التي أوردتهم إياها دول وإعلام العدوان وانتهازية قياداتهم، لايزال يؤمِّل ويمنِّي نفسه بتفكيك تحالف المواجهة.
وعليه فإن وضع معالجات عاجلة وبعيدة المدى لمساندة حالة الصمود الشعبي، سيعزز الصمود، ويقوي جبهة المواجهة، ويحطم معنويات ومخططات العدوان، ويدفعنا كأمة بخطىً أسرع في طريقٍ شاقٍّ وحتميٍّ نريق على جوانبه الدم الطاهر ليسلم لنا شرفنا ويمننا وكرامتنا وأهدافنا وأحلامنا...
طريقٍ تشيِّده كلَّ يوم خطى الصمود المجيد، وتنتظرنا في نهايته مرافئُ العزة والانتصار.

أترك تعليقاً

التعليقات