أنصاف الحلول
 

عبدالباسط السلامي

الحربُ -أيّة حرب- سيئة.. وأسوأُ منها حالة اللَّاحرب واللاسلام، وأسوأ منهما معاً الاستسلام ورفع الراية البيضاء وتسليم مفاتيح المدن.. القرى.. القلاع.. الوطن (أو ما بقي في يدك منه) للغازي المعتدي المحتل، والانحناء (للعاصفة) واعتماد حكمة (إنه ليس ثأرَكَ وحدك...)، والبدء بترتيب طقوس البكاء على وطن كان يمكن لمزيد من الصبر ومزيد من الصمود أن يؤجل ويضاعف على الغزاة المعتدين ضريبةَ احتلاله، ويحرمهم شرعية أو مشروعية احتلاله، بل على نقيض ما يتبادر لذهن المستسلم وهو يُؤثِر السلامة، ويحاول أو يدعي محاولة الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه.. على النقيض كان يمكن بالمصابرة والصمود ضمان قدر أكبر من السلامة، وتقليل الخسائر على شتى المستويات، مع الإبقاء على كامل فرص واحتمالات وإمكانات المقاومة والمجابهة، والتنغيص على المحتل ولو بأساليب وطرق مختلفة، والحفاظ على جذوة الرفض، وجعل المحتل يدفع أثماناً باهظة ومستدامة ومتصاعدة، وفتح الطريق واسعة والباب على مصراعيه لنشوء جبهات ومواجهات وثورة على سلطاته وجيوشه وأجهزته تبدأ بالتخلق من لحظة إعلانه الانتصار وحرمانه إياه في آن..
والأسوأ من الاستسلام بصفته تلك، الشكُّ في جدوى المواجهة ابتداءً، لا لاختلال موازين القوى المادية (بما في ذلك الإعلام بصوره ومتعلقاته وتأثيراته...)، بل وما يعكسه هذا من ضعف الإيمان بعدالة القضية وأهمية وضرورة ووجوب المواجهة، وتحمل تبعات اختيار الوقوف الطبيعي والمشروع والأقل كلفة في حقيقته (وهو ما يتكشف على المدى البعيد للجميع، وأيًّا كان الاختيار والمجال).
وما يجعل هذا الشك أسوأ من الاستسلام (رغم عدم رفع الراية البيضاء، ومع مواجهة العدو وخوض الصدام العسكري والسياسي والإعلامي ضد آلات وأبواق وسياسات العدو الغازي الساعي لاحتلال الأرض وفرض الوصاية بالقوة و...).. ما يجعله أسوأ وأخطر من الاستسلام ما يعنيه ابتداءً من غياب البوصلة وعدم توفر أهم عوامل النصر والاستعصاء أقصد عدم أو ضعف عنصر الإيمان بعدالة القضية و... وهو ما تستحيل أو تتعذر أو تتضاءل معه فرص النجاح في تهيئة الحد الأدنى من عناصر وأركان وأسس تَشْكيل أو تَشَكُّل جبهة مواجهة، ناهيك عن خلق ومضاعفة ومراكمة شروط وتعزيز ظروف المواجهة وفرص وعوامل الصمود والنصر...   وإضافة لضعف الإيمان، يؤثر الشك ويتمظهر في غياب أو ضبابية الرؤية والهدف اللذَينِ يُفْتَرَضُ اتِّساقُهما مع عنوان المعركة (الحرب) والتمثيلِ المفترَضِ للأمة والشعب والوطن المستهدف بالغزوِ والعدوانِ ومحاولةِ الاحتلال...
ويمكن التعرف على حالة ودرجة الشك في تأمُّل ودراسة تمظهراته في تصرفات الطرف المعني السياسية والإعلامية والدبلوماسية، ومحاولة اللعب على أكثر من حبل، وتحويل أو تَحَوُّل بعض الاستراتيجيات والثوابت إلى تكتيكات وشكليات ومواقف زمنية قابلة للمساومة والتغيير والتنازل.. 
وتتكشف أكثر في التصرف وإدارة المواجهة واتخاذ المواقف بحسابات الربح والخسارة الأنانية والضيقة، والتي -إلى ما سلف- تتناقض مع وجودية أو تاريخية وعظمة المواجهة والقيادة والتمثيل المخلص للأمة.. الشعب... الوطن.
كما ينعكس هذا الشك بالضرورة قوةً وتمادياً واندفاعاً لجحافل وسياسات واستراتيجيات الغزاة وذرائعهم وأذنابهم.
وتزداد في الأثناء احتمالات وظروف وفرص تصدع جبهة مواجهة الغزو، وهي في الأصل تتكون من مكونات وقوى وشرائح وطبقات وأفراد وأيديولوجيا متنوعة و... وحَّدَها طبيعة العدو وهدفه وشكل وصورة الاستهداف وحتمية المعركة... أو طبيعة وأهمية المستهدَف بالغزو والاحتلال، ودافع وغريزة الانتماء والارتباط الوجودي بالوطن والشعب والأحلام والحقوق المستهدفة.
في الحديث عن مآلات المعركة (الحرب)، لا أشك أن أنصاف الحلول تحمل من السوء والخطورة ما يتجاوز كل ما سبق، إذ تتوفر بقبولها شرعنة مساوئها والاعتراف بشرعية أو لنقل بنصف شرعية عدوان واحتلال وأحلام أو أطماع الغازي وذرائعه.
وفي مثل حالة العدوان على اليمن، فإن القبول بأنصاف الحلول يؤثر ويخل ويعبث بالخارطة السياسية والوطنية، حيث تفضي إلى منح المعتدي ومن لحظة الدخول في مفاوضات تدمج المحتل الدخيل، الذي لا يملك في الأصل حق التدخل، بشكل وطبيعة الحكم والحاكم والنظام والتوجه والإدارة والنمط الاقتصادي وغير ذلك... والشأن الداخلي عموماً... وفق الأعراف والمواثيق والقوانين الإنسانية.. وبدرجة أكبر من منطلق أن التفاوض مع المعتدي الغازي لا يكون مقبولاً ومنطقياً (في الحالة اليمنية) إلا إذا قام على أساس الندية بين طرفي المعتدي والمعتدى عليه، أو لنقل الغازي المحتل (النظام السعودي وحلفه) واليمن ممثلة بجبهة مواجهة العدوان والمؤسسات الرسمية القائمة أساساً والمنبثقة عنها لاحقاً، والتي تصطف جميعاً في إدارة البلد في العاصمة والمحافظات والمناطق التي لا تقع تحت سيطرة المحتل (مساحة واسعة تشمل العاصمة الحصينة وأغلب المحافظات ونسبة أعلى بكثير من السكان.. لكنها تمثل اليمن كل اليمن مشروعية وشرعية وجماهيرية وموقفاً)..
وهي مفاوضات يجب أن تفضي إلى توقف العدوان والانسحاب الكامل من كل شبر سيطر عليه الغازي، وكف التدخل في شؤون اليمن كبلد مستقل يتمتع بكامل السيادة على أرضه.. قراره.. ثرواته... حقوقه..
فيما الحوار الطبيعي مع القوى أو المجاميع الداخلية اليمنية التي خانت الأرض والعرض، وساندت الغزاة وشاركت في الحرب والخراب وإهدار السيادة اليمنية، وظلت تدعم وتتلقى دعم القوى الأجنبية، ونفَّذت ما استطاعت من رغبات ومشاريع التحالف العدواني.. الحوار مع هؤلاء له مستويات وضمن القانون والتشريعات اليمنية...
وهو في كل حال حوار سيتأسس أو يجب أن يتأسس أيضاً على القطيعة مع الأجنبي، والبراءة من مشاريع الفتن المستوردة ومشاريع الإرهاب والطائفية والارتهان.
وفي الغالب سيكون بعد ذلك لو أريد له النجاح حتمياً وضرورياً ووطنياً يصب في مصلحة الوطن، ويجتث آثار التضليل والتمزيق والفتنة التي زرعها وغذاها حلف العدوان.
على أن تمثل المكونات قيادات تملك القدرة على بتر شريان الخيانة والعمالة الموصول بالعدوان وحلفه المقيت.
ولا يمكن بحال تصور حوار جدي مع شخصيات رهنت مستقبلها بالمستعمر ومشاريع الفوضى والحروب، وباسم اليمن وقَّعوا صكوك الذل وبيانات التأييد للغزاة، وصارت بينهم وبين اليمن واليمنيين والتاريخ عداوات ومسافات و... 
أخيراً...:
اخترنا مواجهة العدوان والوقوف مع حقنا في الحياة وحق وطننا في البقاء، وهذا الطريق مهما طال فهو أقرب وأقصر وأضمن الطرق وأكثرها أمنا وأقلُّها تكلفة... 
طريق في اتجاه واحد وهدف واضح.. من كل الجهات لا يعترف بغير المضيِّ أَمَاماً.
الاسترخاء فخٌّ لا ولن نقع فيه.. (لأنَّ سريرَ مَنْ ناموا بمنتصفِ الطريقِ... كَخَشْبَةِ النعشِ...).. محمود درويش
وحتماً سيرفرف علم اليمن شامخاً وعالياً ومنتصراً على كل تلٍّ وسهل وساحل وجبل وقرية ومدينة وشبر عزيز في وطننا الطاهر ويمننا العظيم الصابر...
و...       
غداً يتغنى الزمنْ
بعَزْمَةِ هذا الوطنْ
وغداً
يكسرُ السَّبَئِيُّ الجَسُورُ سيوفَ الغزاةِ
ونُخْمِدُ نارَ الفتَنْ

أترك تعليقاً

التعليقات