مودة اسكندر- موقع (The Cradle)
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
أصبحت محافظة حضرموت شرقي اليمن ساحة اختبار للتنافس الإقليمي، إذ تتنافس المملكة السعودية والإمارات على السيطرة عليها تحت غطاء دعم الحكم الذاتي المحلي.
تشهد محافظة حضرموت اليمنية، ذات الأهمية الاستراتيجية، والغنية بالنفط والموارد الطبيعية، تحولاً سريعاً وغير مسبوق. ففي الأشهر الأخيرة، فرض حلف قبائل حضرموت -وهو تحالف قبلي كان في السابق ضعيف التنظيم- معادلة (سياسية - عسكرية) جديدة على الأرض، متحولاً من المطالبة بالتمثيل المحلي إلى مشروع حكم ذاتي شامل.
وقد أدى هذا التحول، الذي تدعمه السعودية بشكل مباشر من خلال التنسيق السياسي والدعم العسكري، إلى إحياء التنافسات القديمة على المنطقة الأكثر ثراءً بالموارد في اليمن.
تُغطي حضرموت 36٪ من مساحة اليمن، وفيها أكبر احتياطيات النفط في البلاد، وتضم موانئ حيوية مثل المكلا والشِّحْر ومحطة النفط في الضبة. وبما أن 80٪ من إنتاج النفط اليمني يأتي من الأراضي الحضرمية، فإن مَن يسيطر على حضرموت يملك ورقة رابحة في اقتصاد اليمن والوصول إلى الطرق البحرية في بحر العرب.
تهدف مشاركة الرياض إلى حماية مصالحها التجارية والاستراتيجية في المنطقة، لاسيما مع تطويرها بدائل للمنافذ البحرية مثل باب المندب ومضيق هرمز. لكن هذه الأجندة تصطدم بطموحات أبوظبي نفسها، التي تسعى لتحقيقها من خلال وكلائها في المجلس الانتقالي الجنوبي. ومع سعي كلتا القوتين الخليجيتين لترسيخ نفوذهما، تقع حضرموت في قلب مواجهة متنامية قد لا تقتصر على الساحة السياسية.

من التجمع القبلي إلى القوة العسكرية
في البداية، تأسس حلف قبائل حضرموت في تموز/ يوليو 2013 في وادي نحب بمديرية غيل بن يمين، كاستجابة قبلية للمظالم الطويلة الأمد المتعلقة بالتهميش السياسي واستغلال الموارد، فضلاً عن تنفيذ القرارات التي تم اتخاذها خلال مؤتمر قبلي شامل.
واكتسب الحلف، الذي يقوده الشيخ سعد بن حبريش العلي، زخماً سريعاً باعتباره تعبيراً محلياً عن السخط في أكبر محافظات اليمن.
وبحسب صبري سالمين بن مخاشن، القيادي في حلف قبائل حضرموت ورئيس تحرير صحيفة «المحرر»، فإن «الحلف إطار حضرمي مستقل، يستمد شرعيته من الميدان وإرادة أبناء حضرموت. وفي الوقت نفسه، هناك تنسيق مستمر مع السعودية والإمارات في إطار المصالح المشتركة والأمن والاستقرار؛ إلا أن جميع القرارات السياسية والعسكرية والتنظيمية تُتخذ من الداخل الحضرمي».
ما بدأ كجماعة منظمة بطريقة عشوائية فضفاضة، سرعان ما تطور إلى قوة هائلة ومنضبطة، خاصة بعد حصوله على دعم سعودي. وفي سعيها لموازاة الهيمنة الإماراتية في جنوب اليمن، نسقت الرياض عسكرياً وسياسياً مع الحلف الحضرمي، ودعمته لوجستياً وربطته بمصالح استراتيجية أوسع.
مع ذلك، فإن ظهور الحلف أثّر سلباً على تشكيلات سياسية جنوبية أخرى. فقد رأى الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، في تأكيد الحضارم على هويتهم المحلية تهديداً مباشراً لمشاريعه، وخاصةً خطة «المجلس» لإنشاء دولة جنوبية موحدة تحت وصاية إماراتية.
يقول الصحفي أحمد الحسني، المتحدث باسم المجلس الأعلى للحراك الثوري، لصحيفة «ذا كريدل»، إن المجلس يُحكم قبضته على المدن الساحلية الرئيسية (المكلا والشحر والديس) من خلال قوات النخبة الحضرمية والمنطقة العسكرية الثانية. في الوقت نفسه، يخضع وادي حضرموت، الذي يضم مناطق غنية بالنفط، مثل سيئون وتريم والعبر، لسيطرة سعودية عبر المنطقة العسكرية الأولى وحلفائها القبليين.
«أصبحت المحافظة ساحة صراع بين المشروع الإماراتي المتمثل بالمجلس الانتقالي، والمشروع السعودي الذي يسعى بدعمه للحلف إلى الحد من توسع الإمارات، وحماية مصالح المحافظة الشرقية».

شكل جديد من الحكم
خلال العام الماضي، اتخذ حلف قبائل حضرموت، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش - وكيل أول محافظة حضرموت، خطواتٍ حازمةً متزايدة. في آب/ أغسطس 2024، نصب الحلف نقاط تفتيش مسلحة في هضبة حضرموت، وأنشأ معسكراتٍ لمنع وصول الوقود إلى عدن، وذلك ما مثّل تحولاً من التعبئة القبلية إلى التنفيذ العسكري لمطالب الحكم الذاتي.
في شباط/ فبراير 2025، صعّد بن حبريش الأمور بتشكيل «قوات حماية حضرموت» وتعليق تصدير النفط. وقد أثارت هذه الخطوة، التي تزامنت مع مشاورات في الرياض، انشقاقات داخلية داخل الحلف الذي كان يدعمه. ورغم أن الحلف سحب منه الثقة، فقد واصل بن حبريش تمرده متحدياً السلطات المركزية.
في 12 نيسان/ أبريل 2025، أعلن الحلف عن «لقاء حضرموت التاريخي» كخطوة محورية نحو الحكم الذاتي، مؤكداً أن الاستقلال الإداري حقٌّ لأبناء المحافظة. ومثّل هذا اللقاء أول إعلان صريح عن قيام نظام إداري وسيادي خاص.
بعد ذلك، شنّ حلف قبائل حضرموت حملات تجنيد لتشكيل قوات عسكرية وأمنية في هضبة حضرموت، وأنشأ معسكرات تدريب خارج الدولة، وعيّن قيادات محلية وعسكرية. وقد تجلّى ذلك ميدانياً بالسيطرة على مديريات في الهضبة وبعض مناطق الساحل، ونشر نقاط تفتيش على الطرق الحيوية، ما مكّنه من إحكام السيطرة على خطوط نقل النفط الخام.
وأعلن مبارك أحمد العوبثاني، المعين قائداً لـ«قوات حماية حضرموت» ورئيساً للجنة الأمنية في الحلف، عن وجود خطة لتشكيل قوة من ستة ألوية عسكرية، مشيراً إلى أنه تم تسجيل أكثر من 35 ألف مقاتل في السجلات، منهم 25 ألفاً تلقوا تدريبات بالفعل.
أما التحول الرسمي من حراك قبلي إلى مشروع سياسي فتمثل في صدور وثيقة «المبادئ السياسية للحكم الذاتي» في 22 حزيران/ يونيو 2025، التي أكدت قيام نظام حضرمي مستقل وكامل السيادة. وتضمن ذلك خططاً لدستور حضرمي، ومجلس تشريعي، وقضاء، وعلم، وحتى نشيد وطني.
وفي تموز/ يوليو 2025 تم التوصل إلى هدنة مؤقتة بين بن حبريش والمحافظ مبخوت بن ماضي - بوساطة سعودية، ما سمح بتدفق مليون لتر من الديزل من شركة «بترومسيلة» يومياً إلى محطات الكهرباء.
لكن هذه الخطوة وصفت بأنها «تبادل مصالح على حساب المواطن الحضرمي»، وأثارت غضب المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي وصف تلك التفاهمات بـ«المشبوهة».
وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن الحلف أن الاتفاق انهار بسبب فشل السلطة المحلية في الوفاء بالتزاماتها.
بعد أربعة أيام، نظّم الحلف عرضاً عسكرياً واسعاً لقوات حماية حضرموت في مدينة المكلا، بمشاركة أربعة ألوية، في استعراضٍ واضحٍ للقوة، مؤكداً أن حضرموت ستواصل بناء مؤسسة عسكرية راسخة، وستمضي قدماً نحو مشروعها المستقبلي وتحقيق الاستقلال.
ويوضح أحد قادة التحالف لصحيفة «ذا كريدل» أن «العرض العسكري الأخير لم يكن مجرد استعراض للقوة، بل كان رسالة سياسية وأمنية مفادها أن حضرموت تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الحكم الذاتي، وطي صفحة 60 عاماً من التبعية وفشل الأنظمة المتعاقبة، مع تأكيد أن الحلف يسعى إلى العدالة الانتقالية، وضمان أن تكون حضرموت طرفاً فاعلاً في المعادلة اليمنية، إلى جانب صنعاء وعدن، من خلال عقد سياسي جديد قائم على الشراكة والمساواة والاحترام المتبادل».

الرهان الاستراتيجي السعودي على حضرموت
تُشكّل العلاقة بين حلف قبائل حضرموت والسعودية الآن محوراً استراتيجياً في شرق اليمن. في آذار/ مارس 2025، قام الشيخ بن حبريش بزيارة إلى الرياض، حيث عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين السعوديين، بمن فيهم وزير الدفاع وقائد القوات المشتركة، لمناقشة شراكة أمنية وتنموية مع الحلف. ومن أهم نتائج تلك الاجتماعات الاتفاق على بناء محطة كهرباء بقدرة 500 ميجاوات، بتمويل مباشر من الرياض، استجابةً للاحتياجات الملحة للبنية التحتية في حضرموت.
عززت الروابط التاريخية والاجتماعية بين قبائل وادي حضرموت والسعودية دعم الرياض، التي اعتبرت المنطقة خطاً سياسياً أحمر. ويتجلى هذا الدعم في الزيارات المتكررة التي يقوم بها شيوخ وشخصيات حضرمية إلى المملكة، ومنها زيارة عصام بن حبريش قبل تعيينه وكيلاً لوزارة الإدارة المحلية.
ويُؤكد الحسني أن العلاقات السعودية الحضرمية راسخة الجذور، وتمتد إلى المجالات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويشكل المغتربون الحضارم وشبكات الأعمال قنواتٍ للنفوذ السياسي السعودي، وغالباً ما يُشكلون التعيينات المحلية وتوجهات السياسات. ومع ذلك، يُؤكد أن هذا لا يعكس أي رغبة في التكامل مع السعودية؛ بل لطالما تم تعزيز طموح حضرموت إلى إدارة شؤونها بنفسها، بزعم ثرواتها الطبيعية وسكانها المتعلمين وساحلها الاستراتيجي.
رغم هذا الانخراط، المعروف باسم «التمكين الناعم»، لا يزال التشكك المحلي تجاه السعودية عميقاً. فقد صرّح مصدر إعلامي حضرمي لصحيفة «ذا كريدل» أن الكثير من الحضارم لا يثقون بنوايا الرياض؛ إذ إن «الهجرة الكبيرة إلى السعودية خلال العقود الماضية جعلت الحضارم يدركون ما يعتبرونه عنصرية سعودية ومصلحة الرياض في إبقاء اليمن مقسماً وضعيفاً اقتصادياً وسياسياً، وبعيداً عن أي استقرار أو تنمية حقيقية. ورغم أن النخبة السياسية المرتبطة بالسعودية تروج لفكرة قرب حضرموت من الرياض، إلا أن الرأي العام يراها دولة معادية لليمن».

«الانتقالي» والطموح الإماراتي
رغم المحاولات السابقة لوصف الحلف بأنه حركة مؤقتة، اضطر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواجهة قوته المتنامية. خلال الزيارة التي قام بها رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، إلى المكلا، في آذار/ مارس 2025، اتهم بن حبريش بتخريب المشروع الجنوبي. ومن جانبه، ردّ الأخير واصفاً الزبيدي بأنه «أداة في يد آل صالح»، ما كشف عن خلافات بين الطرفين. كما أن السعودية ردّت سريعاً بدعوة بن حبريش إلى الرياض واستقبلته بحفاوة ورفعت مكانته.
يقول الدكتور عمر سالم باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات والبحوث الاستراتيجية وعضو الجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي الجنوبي، لصحيفة «ذا كريدل»: «في البداية، رحّب الشارع الحضرمي بدعوات الحكم الذاتي، واعتبرها فرصةً للخروج من التبعية والوصاية، وتمكين المحافظة من إدارة شؤونها وثرواتها، وتحقيق مستوى معيشي أفضل. إلا أن هذا الأمل تضاءل مع مرور الوقت؛ إذ لم يُقدّم حلف قبائل حضرموت ولا مؤتمر حضرموت الجامع خطواتٍ ملموسة على مستوى الحكم المحلي أو على المستوى الخدمي، وتحول المشهد إلى صراعات سياسية وإدارية بين المحافظ والوكيل الأول للمحافظة».
في المقابل يقول بن مخاشن إن «الحلف لا يسعى للصراع، وإنما يتحرك وفق مصلحة حضرموت، ولن يقبل بأي جهة تحاول مصادرة إرادة المحافظة أو فرض وصاية على قرارها».
وأضاف أن «باب الحوار مفتوح للجميع»، مؤكداً أن «من يتفهم حق الحضارم في الحكم الذاتي يعتبر شريكاً في المستقبل، أما من يعارض هذا المسار فهو في خانة الخصوم».
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أصواتاً داخل المجلس الانتقالي الجنوبي أعربت مؤخراً عن دعم ضمني للحلف. واعتبر عمرو البيض، مستشار رئيس المجلس، أن حضرموت أقرب إلى السعودية تاريخياً وجغرافياً، بينما أكد هاني بن بريك أن أي قوة حضرمية خالصة تصب في مصلحة المحافظة.
ويرى الحسني أن الإمارات تسعى، عبر قيادات تابعة لها، لاستغلال القضايا الخدمية والحضرمية لتحقيق حضور سياسي. ويخلص إلى أن هذا الوضع يجعل حضرموت ساحة مفتوحة لتوازن القوى بين السعودية والإمارات والمكونات المحلية، مع إمكانية استمرار الصراع والتنافس على الأرض دون حسم عسكري مباشر.

استقلال أم تفتت؟!
يبقى السؤال قائماً حول ما إذا كانت الدعوة إلى الحكم الذاتي في حضرموت تحظى بشعبية حقيقية أم أنها مجرد خدعة جيوسياسية.
وبينما تدعم الإمارات «قوات النخبة الحضرمية» المرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، تدعم السعودية «قوات الدرع الوطنية»، والحلف هو القوة المسلحة المستقلة الثالثة تحت شعار حماية الأرض والحكم الذاتي.
وتركز السعودية على حضرموت كعنصر استراتيجي لضمان نفوذها الأمني والسياسي والاقتصادي، من خلال دعم حلف قبائل حضرموت المحلي وتمكينه من إدارة الأمن والموانئ والموارد النفطية، وصولاً في نهاية المطاف إلى تجاوز مضيق هرمز وباب المندب.
هذا المشروع، الذي سُرّب عبر «ويكيليكس» قبل سنوات، يرى في حضرموت بوابةً إلى بحر العرب. في غضون ذلك، تُشير مساعي الإمارات للسيطرة على المكلا والشحر وميناء الضبة النفطي ضمن شبكة تمتد من جنوب اليمن إلى الغرب وصولاً إلى القرن الأفريقي -إلى جانب تقارير عن عمليات تسليم أسلحة وتهريب أحجار كريمة- إلى أن أبوظبي مُصرّة على موقفها.
وكانت شحنات عسكرية وصلت قبل أشهر إلى ميناء المكلا وتم نقلها إلى مطار الريان الدولي، فيما تم ضبط شاحنات محملة بالأحجار الكريمة كانت متجهة عبر التهريب إلى الإمارات، في إطار استراتيجية أبوظبي لتعزيز حضورها العسكري والاقتصادي في المحافظة.
ويرى محمد القاعدي، الصحفي المتخصص في الملف الجنوبي، أن ظهور الحلف هو رد مباشر على إخفاقات المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويشير إلى أن لحزب الإصلاح، المدعوم من السعودية، دوراً في دعم هذه الدعوات سياسياً، محذراً من أن تصعيد الصراع قد يؤدي إلى انقسامات مستقبلية إذا لم يتم التعامل بشكل استباقي مع التحركات السياسية والعسكرية الحالية.
ويقول الدكتور باجاردانة إن غياب الحوار بين المكونات الحضرمية، وغياب رؤية واضحة، يجعل الأيام القادمة حافلةً بمزيد من التعقيد والصراع. كما أن الخلاف السعودي الإماراتي على إدارة شؤون حضرموت يُعمّق الأزمة من خلال فرض النفوذ واستقطاب القبائل وتشكيل قوات عسكرية على الأرض، ما يُفاقم الارتباك.
ويضيف باجردانة أن هذا الوضع يعكس غياب رؤية موحدة لإدارة المحافظة، ويهدد الاستقرار على المدى القريب، مع استمرار الاستقطاب بين القوى المحلية والإقليمية وغياب علامات الهدوء.
لا يزال حلف قبائل حضرموت راسخاً اليوم، مدعوماً بقوة مدربة تدريباً جيداً وقاعدة متنامية من الدعم المحلي. وسيعتمد نجاح هذا الحلف في تحقيق «استقلال» حقيقي، أو تفكك أعمق، على قدرة الحضارم على استعادة زمام المبادرة، أو استمرار الرياض وأبوظبي في رسم مستقبلهم عن بُعد.