بين احتلال جزيرة حنيش الكبرى من قبل إريتريا في 15 ديسمبر 1995، واحتلال الجزر وأجزاء من بر اليمن اليوم، يمكن ملاحظة الخيوط المبكرة الرامية لاحتلال الجزر اليمنية في البحر الأحمر، من قبل الولايات المتحدة وأذيالها في المنطقة، إضافة الى انخراط ما كان يعرف بقوى المعارضة في الداخل، مع المشاريع الاستعمارية عن قصد، مثل (التجمع اليمني للإصلاح)، أو بناء على أحقاد شخصية (الحزب الاشتراكي اليمني).
الوجوه القديمة تعود
ولعل استرجاع التاريخ يظهر أن العدوان على اليمن لم يكن وليد اللحظة، وعودة نفس الوجوه (أمريكا ـ السعودية ـ الكيان الصهيوني ـ باستخدام عملاء الداخل) لاحتلال جزر اليمن وأجزاء من البر الرئيسي، ليس من قبيل الصدفة، بل حصيلة مؤامرات مستمرة، وجدت في ما يسمى (الشرعية) ذريعة لتنفيذ المخططات المتربصة لتمزيق اليمن، واحتلال أراضيه.
 
بين فكي العنتريات والمؤامرة
فبمجرد أن تم احتلال جزيرة حنيش على يد إريتريا، شنت قوى المعارضة في التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني، حملة تحريض قوية ضد قيادة الدولة والجيش، بهدف إثارة الرأي العام ضد الرئيس والجيش، لإجبار اليمن على خوض حرب لاسترجاع الجزيرة، عبر تهييج الرأي العام من منطلقات عاطفية تفتقر للمنطق، والمجازفة بكل الوطن من أجل مصالح أنانية وأحقاد فردية، تلبيةً لرغبات نزقة أبعد ما تكون عن الهم العام ومصلحة الوطن.
فقد كانت اليمن تضمد جراحها عقب حرب صيف 1994، والظروف الاقتصادية والاجتماعية لاتسمح لليمن بالانجرار وراء الدعاوى النزقة لخوض حرب استرداد الجزيرة والوقوع في فخ تم الإعداد له جيداً من قبل قوى الهيمنة العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أخرجت المؤامرة من طور التكهنات، عبر تقديم مقترح لليمن بالتخلي عن جزيرة حنيش الكبرى لصالح إريتريا، وقد جاء الاقتراح الأمريكي، في الوقت الذي كان فيه الجميع يعلم أن الكيان الصهيوني كان هو من يخوض معركة احتلال حنيش بقناع إريتري، طمعاً في الحصول على موضع قدم للتحكم بحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

دور سعودي
في حين عملت السعودية في إطار دورها الوظيفي لخدمة مصالح القوى الاستعمارية، على تزويد إريتريا بزوارق حربية حديثة، إضافة الى أسلحة ومعدات عسكرية، كما استغل نظام بني سعود الأزمة في ممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة اليمنية بشأن المسائل الحدودية.

خيار شمشون الاشتراكي
لكن الأبعاد الحقيقية لاحتلال حنيش، لم تكن حاضرة لدى تيار المعارضة في البلاد، حيث كان كثير من منظري الحزب الاشتراكي يستدعون الحرب بحجة أن علي عبدالله صالح (يجيد الحرب على الجنوب، لكنه عاجز عن خوض حرب لاسترجاع الجزيرة المحتلة من إرتيريا). وهي ادعاءات كانت تأتي من منطلق أحقاد شخصية انتقاماً للهزيمة التي تلقاها المشروع الانفصالي عام 94، وكانت آثاره لاتزال مشتعلة في وجدان الكثير من منتسبي الحزب، وكانت هذه الأحقاد دافعاً لهم لتبني خطاب راديكالي عنيف، الغرض منه مشاهدة هزيمة علي عبدالله صالح على يد أي كان، ومهما كانت التبعات التي سيتحملها الوطن، وقد أخذت حملة (الإصلاح والاشتراكي) التحريضية أشكالاً متعددة، كان من ضمنها ذيوع أغانٍ شعبية تقول (طاب ليلك يا رئيس.. جيشك الكاسح هزم.. شبر واحد ما تقدم.. عندما حن الوطيس.. زوجوها من سمارة.. والعريس من أسمرة.. والشواعى من أديس).

لؤم إصلاحي حتى النفس الأخير
بينما حرك حزب الإصلاح ـ الذي كان حينها شريكاً في الحكومة ـ منابره وقواعده لاتهام علي عبدالله صالح والقوات المسلحة بالتفريط بأرض الوطن، وانعدام الكفاءة في مواجهة الاحتلال الإريتري لجزيرة حنيش. أول شرارة أطلقها حزب الإصلاح كانت تهجم عبدالرحمن بافضل الذي كان حينها وزيراً للتجارة، على وزير الدفاع عبدالله علي عليوة، خلال اجتماع مجلس الوزراء، واعتبره مهملاً لواجباته. وأخذ حزب الإصلاح يقدم نفسه للشعب باعتباره المنقذ لليمن من فشل علي عبدالله صالح في الدفاع عن حياض الدولة اليمنية، حيث أطلق الزنداني تصريحه الشهير في حينه عن الاستعداد لتحويل الأفغان العرب إلى ضفادع بشرية من أجل الانقضاض على جزيرة حنيش، وتخليصها من قبضة إريتريا.
وكان على قيادة اليمن في حينه أن تحسب مخاطر الانزلاق في أتون مواجهات يمكن تجنبها، والتعاطي مع المشكلة عبر استنفاد الحلول المنطقية، قبل القفز مباشرة الى خانة الحرب.
 
شركات الغيرة الوطنية
وقد اتضح لاحقاً أن حملة جماعة الإخوان لم تكن غيرة على الوطن، وإنما كانت في إطار توجه استغلالي لحزب الإصلاح لاستثمار قضية احتلال حنيش بشتى الوسائل الممكنة للخروج بأكبر قدر من المكاسب، عبر المزايدة لابتزاز الدولة دون أي اعتبارات لأبعاد المؤامرة.
وقبل أن تعود جزيرة حنيش إلى السيادة اليمنية، في نوفمبر 1998، بناءً على قرار محكمة العدل الدولية، كانت استثمارات جماعة الإصلاح في شركات الاصطياد والأحياء البحرية قد انتشرت بشكل كبير، والتي اتضح لاحقاً أنها كانت مجرد فخ للاحتيال على أموال المواطنين الذين سارعوا للمساهمة في تلك الشركات التي أعلنت إفلاسها بعد مدة وجيزة.
بينما ازدادت الذراع الإخوانية نفوذاً في اتجاه البحر، وكان أبرز مظاهر ذلك النفوذ، قيام علي محسن بتوزيع الزوارق البحرية المملوكة للدولة، على المقربين من جماعة الإخوان.

طبول في خدمة المؤامرة
لم تكن مطامع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بحاجة لخدمة أكثر من تلك الحملة التي شنها حزبا الإصلاح والاشتراكي، لدفع البلاد باتجاه الحرب لاسترداد جزيرة حنيش، حيث كان المخطط يسير في اتجاه تثبيت جزيرة حنيش تحت سيادة إريتريا بحكم الأمر الواقع، في حال أقدمت اليمن على خيار الحرب التي كانت ستتمخض عن هزيمة اليمن كنتيجة حتمية لظروف آنية موضوعية لم تكن في صالح اليمن.

ديدان الخيانة
بعد مضي قرابة 26 عاماً على أزمة جزيرة حنيش، عادت جحافل الغزاة لتحقق أمنياتها في احتلال الجزر والمدن اليمنية، بدون أقنعة، وصلت الى حد مجاهرة أمريكا في إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون قبالة باب المندب، بعد أن كان الفار هادي عمل على تأجير الجزر لدول العدوان، وكل ذلك يحدث في الوقت الذي تبرعمت فيه أحزاب المعارضة من طور العمالة، وأصبحت ديدان خيانة تعتاش على دماء الأبرياء ودمار الوطن.