تقرير / لا ميديا -
ما يحدث في قطاع غزة طوال 625 يوما، ليس مجرد عدوان عسكري، بل مشروع صهيوني للاقتلاع، وتحطيم الهوية الفلسطينية، وقتل ممنهج للمدنيين، وفرض واقع جديد بالقوة. لكن في غزة، كما في القدس، كما في الضفة، كل طلقة تسقط على الجسد الفلسطيني، تولد منها حكاية، وكل ركام بيت تهدمه الجرافات، تنبت تحته جذور شعب لا يموت.
في الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، استقبلت مستشفيات غزة جثامين 51 شهيدًا، بينهم ثلاثة انتُشلوا من تحت أنقاض بيوتهم التي تحولت إلى قبور. ومعهم، دخل 104 جرحى في سجلات الألم الفلسطيني، فيما لاتزال جثث أخرى حبيسة الردم أو ملقاة على الطرقات، تعجز طواقم الإنقاذ عن الوصول إليها بفعل القصف المتواصل وتعقيدات الواقع الميداني.
لم يعد في غزة شارعٌ إلا ويحمل آثار انفجار، ولا حارة إلا واكتوت بنيران عدوان حاقد لا هوادة فيه. حصيلة الشهداء منذ بداية العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغت حتى يوم أمس 55,959 شهيدًا، و131,242 جريحًا، وأكثر من 12 ألف مفقود، أرقامٌ لا تعبّر عن بشاعة الفاجعة بقدر ما تفضح النفاق العالمي عموما والغربي خصوصا.
ومنذ استئناف العدوان على غزّة ونقض العدو الصهيوني للعهد في 18 آذار/ مارس 2025، ارتقى 5,647 شهيدًا، بينهم أطفال في أحضان أمهاتهم، ونساء كنّ يحلمن بغدٍ أكثر أمنًا. لكن الحلم في غزة لا يُكمل ليلته.

عندما تصبح الإغاثة «معجزة»
مع استمرار المجازر، أعلنت منظمة «المطبخ المركزي العالمي» استئناف عملياتها الإغاثية بعد انقطاع دام 12 أسبوعاً، في خطوة وُصفت بالـ«إنجاز»، رغم أن الخبز وحده لا يكفي في غزة، حيث يختلط الماء بالدم، والرغيف برائحة البارود، والدواء بالدعاء.
في سياق موازٍ، كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن 450 شهيداً ارتقوا نتيجة ما وصفه بـ«مصايد الموت» الأميركية -«الإسرائيلية»، إلى جانب 3,466 جريحاً، و39 مفقوداً، في مجازر لا تشبه سوى حكايات الإبادة الجماعية التي تقرأها الشعوب في كتب التاريخ، لكن غزة تعيشها حيّةً كل يوم.

3 عمليات عسكرية للمقاومة
في الميدان، تقاوم غزة بلسان البندقية، إذ أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس أمس عن قنص جندي صهيوني شرق الشجاعية، واستهداف تجمعات الاحتلال بقذائف الهاون.
بدورها أكدت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تدمير جرافة عسكرية شرق خان يونس، وقصف تجمع للجنود والآليات قرب جبل المنطار. لا يرفعون راية بيضاء، لأن فلسطين لا تُرفع فيها الرايات إلا إن كانت خضراء أو ملفوفة على جثمان شهيد.

وتيرة متصاعدة للعدوان شمالاً
إلى الشمال، في الضفة الغربية المحتلة، تتكرر فصول النكبة. في مخيم نور شمس شرق طولكرم، تدخل قوات الاحتلال للمرة الـ134 في عدوان دموي، ترافقه ست جرافات ثقيلة، تُسوّي المباني بالأرض وتفتح طرقًا لمزيد من الدمار. أكثر من 30 مبنى سكنيا تم هدمه في حي المنشية فقط، ضمن مخطط معلن لهدم 106 مبانٍ في المخيمين، وتهجير آلاف العائلات.
وفي قلب طولكرم، يُحوّل شارع نابلس إلى ثكنة عسكرية، وتُغلق المداخل بالسواتر، ويُطرد السكان من بيوتهم، بينما تُستخدم الأبواق العسكرية لبث الرعب، وتُفرض السيطرة على المباني والحيّز الجغرافي للمدينة، في محاولة لتغيير الواقع السكاني والديموغرافي، في ما يشبه تطهيراً بطيئاً لم يعلن عنه العدو رسميًا، لكنه يمارسه يومًا بعد يوم.
في ذات السياق، يواصل العدو الصهيوني انتهاك حرمة المسجد الأقصى بالاعتداءات المتصاعدة.
فقد أعادت قوات الاحتلال أمس إغلاق أبواب المسجد الأقصى، وطردت المصلين والمعتكفين بالقوة، واقتحمت مصلياته، ونكّلت بحراسه، وداست المصاحف بذريعة التفتيش. أربعة من حراس الأقصى جرى اعتقالهم، فيما حُوّل الحرم القدسي إلى ساحة انتقام، وساحة البلدة القديمة في القدس إلى قفص يُخنق فيه صوت الدعاء ويُمنع فيه السجود.
واقتحمت قوات الاحتلال الصهيوني أمس، باحات المسجد الأقصى المبارك ومصلياته، ونفذت حملة مداهمات وتفتيش واسعة، تخللتها اعتقالات واعتداءات طالت مقدسات وممتلكات داخل الحرم الشريف.
وأفادت مصادر مقدسية بأن قوات الاحتلال داهمت جميع المصليات المسقوفة، إلى جانب مكتب الأحوال المسؤول عن تنظيم عمل الحراس، ومقر الإطفاء والإنذار المبكر، قبل أن تشرع بتفتيشها بشكل همجي، حيث أقدمت خلال العملية على إلقاء المصاحف على الأرض بحجة تفتيش خزائنها.
وخلال هذا الاقتحام، اعتقلت قوات الاحتلال أربعة من حراس المسجد الأقصى ممن كانوا في نوبة الحراسة الليلية، واقتادتهم للتحقيق، فيما خضع حراس آخرون لتحقيقات ميدانية داخل ساحات الأقصى.
وأكدت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس وقوع الاعتقالات والانتهاكات، محذرة من خطورة هذا السلوك المتكرر الذي يستهدف تقويض عمل الحراس وفرض قبضة أمنية صهيونية على المسجد، في محاولة لتغيير الوضع القائم.
ويأتي هذا التطور بعد تسعة أيام من الإغلاق المتواصل للمسجد الأقصى، شمل ستة أيام من الإغلاق التام، وثلاثة أيام من الإغلاق الجزئي، تم خلالها تقييد عدد المصلين إلى نحو 500 فقط، أي أقل من 1% من العدد الذي يتسع له المسجد الأقصى في العادة.