تقرير / لا ميديا -
في قطاع غزة مأساة كبرى، لا تعرف الأرقام كيف تحتويها، ولا تملك الكلمات ما يكفي من الحزن لاحتضانها. في غزة، حيث أصبح الخبز أمنية والنجاة معجزة، بلغ عدد شهداء الاستهداف الصهيوني لطالبي المساعدات الإنسانية 450 شخصا، وأكثر من 3,466 جريحًا، و39 مفقودًا لاتزال العائلات تنتظر أن يُعاد إليهم صدى صوته أو ظل صورته.
هكذا أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة مساء أمس السبت، في شهادة أخرى على بشاعة آلة القتل الصهيونية التي لا تفرق بين من يحمل السلاح ومن يحمل صحنًا فارغًا.
لا حديث هنا عن أخطاء أو أضرار جانبية. إنّ ما يحدث في مصائد الموت المسماة «مراكز توزيع المساعدات الأميركية -الإسرائيلية» هو استهداف ممنهج للمدنيين، قتلٌ منظم لمن ضاقت بهم الحياة حتى وقفوا في طوابير الإغاثة، باحثين عن طحين أو علبة فاصوليا. وحدهم في العراء، وتحت طائرات الاستطلاع، وجدوا أنفسهم بين مطرقة الجوع وسندان الغارات.

41 شهيدا في 12 ساعة
خلال ساعات قليلة يوم أمس السبت، ارتقى أكثر من 41 شهيدًا بنيران قوات العدو الصهيوني الحاقدة، كثير منهم عند نقاط توزيع المساعدات، حيث لم يكن بأيديهم سوى بطاقات الانتظار وأمل صغير في الحصول على كيس دقيق.
وفي محيط سوق الخضار بحي الشجاعية شرق غزة، استشهد ثلاثة أطفال بصاروخ صهيوني، اختار رؤوس صغار لم يحملوا سوى أكياس بلاستيكية.
وتواصل قوات الاحتلال قصفها المستمر في مختلف أنحاء القطاع، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف، وبمنهجية لا تستثني طفلًا ولا شيخًا.
وفي اليومين الماضيين فقط، استقبلت مستشفيات غزة أكثر من 200 شهيد و1,037 مصابًا، وسط انهيار المنظومة الصحية وندرة الأدوية، ومع استمرار الحصار، لم يعد هناك متسع حتى للموتى. ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ارتفعت حصيلة العدوان إلى أكثر من 55,908 شهداء، و131,138 جريحًا، وأكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، في حرب إبادة غير مسبوقة، سقط فيها الأطفال والنساء بنسبة تتجاوز الثلثين، وابتلعت المجاعة أرواح آخرين بصمت أبشع من القصف.
على جانب آخر من المأساة، وبلا ضجيج إعلامي، يُحرم للعام الثاني آلاف الطلاب في قطاع غزة من التقدّم لامتحانات الثانوية العامة «التوجيهي». ففيما انطلقت الامتحانات صباح السبت في الضفة الغربية والقدس، كانت قاعات غزة صامتة، خاوية، وقد تحولت المدارس إلى ملاجئ، أو أكوام ركام. إنها جريمة لا تحرق كتب الدراسة فقط، بل تحطم مستقبلًا بأكمله.

سرايا القدس تفجر حقل ألغام بالصهاينة
في خان يونس، تفجرت أرض السناطي تحت أقدام جنود الاحتلال، بعدما فجر مجاهدو سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي حقلاً من العبوات شديدة الانفجار، ردًا على التوغل الصهيوني الوحشي. كما وثقت كتائب القسام كمينًا مركبًا نفذ الفترة الماضية في منطقة الزنة، اشتبك فيه المقاتلون مع قوات الاحتلال من نقطة الصفر، وقتلوا ضابطًا وجنديًا، في مواجهة لاهبة بين إرادة الحرية وآلة الجريمة الصهيونية.
وأظهرت اللقطات عناصر القسام وهم يشتبكون مع جنود الاحتلال من المسافة صفر، ويلاحقون دبابة إسرائيلية انسحبت من موقع الاشتباك في المنطقة ذاتها، في مشاهد تُظهر كثافة النيران وقرب المواجهة.

الضفة الغربية... جرائم في الظلام
أما في الضفة الغربية المحتلة، فيبدو الاحتلال أكثر تعطشًا لقمع وقتل الحياة الفلسطينية. ففي الخليل وحدها، اختطفت قوات الاحتلال 16 مواطنًا في يوم واحد، عقب اقتحام منازلهم وتدميرها، في ممارسات إجرامية مستمرة منذ عقود. من بلدة دورا إلى بيت عوا، ومن حلحول إلى دير العسل، اجتاحت القوات الصهيونية البلدات كما تجتاح النار حقلًا جافًا، تُكبل الرجال وتعتدي بالضرب على الأسر، في مشهد يتكرر كل يوم دون محاسبة.
وفي كفر عين، أطلقت قوات الاحتلال الرصاص الحي تجاه الشبان، ما أدى لإصابة شاب يبلغ من العمر 19 عامًا برصاصة في الظهر، وجرى نقله إلى مستشفى سلفيت، حيث وصفت إصابته بالصعبة، وفق ما أفادت به جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وفي جنين، يستمر العدوان لليوم الـ152، بعدما حوّل المخيم إلى مسرح للخراب المنهجي، وهدم أكثر من 600 منزل، فيما استشهد 45 فلسطينيًا، بينهم أطفال ونساء، وتهجر أكثر من 22 ألف مواطن. وفي طولكرم، لاتزال جرافات الاحتلال تعمل على تدمير مخيمي طولكرم ونور شمس، ضمن خطة محو كامل، شملت حتى الآن 106 مبانٍ، وتشريد الآلاف، بينما يحاول 3,500 طالب وطالبة تقديم امتحاناتهم في ظل رعب يومي، وانقطاع الماء والكهرباء.
وخلال العدوان المستمر في طولكرم استشهد العشرات بينهم امرأة حامل في شهرها الثامن، ومات جنينها معها. منازل دمرت، عائلات شُردت، والشارع خالٍ، إلا من الدموع التي تنهمر دون توقف.
هذه ليست حربًا فقط، بل اجتثاث للوجود الفلسطيني، ومعاقبة جماعية لشعب لايزال يصرخ رغم جراحه: «نحن هنا، ولسنا أرقامًا في نشرات الأخبار».