تقرير- عادل بشر / لا ميديا -
يُجمع كثير من المحللين العسكريين والسياسيين على أن الاحتلال الصهيوني يقف اليوم على حافة أزمة وجودية؛ فالمواجهة المباشرة مع إيران أثبتت أن عقيدة التفوق الأمني والعسكري الصهيوني لم تعد كافية، بل باتت عبئاً يصعب تسويقه خارجياً. كما أن الخسائر الاقتصادية، إلى جانب الفشل الاستخباري والدفاعي، تدفع المستوطنين للهروب جماعياً من الأراضي المحتلة، في قوارب عبر البحر، رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط برحلات الفرار إلى قبرص.
 ويؤكد المحللون أن ما ينتظر كيان الاحتلال في المرحلة المقبلة مرهون بمدى قراءته لما يحدث، وإدراكه أن المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بشروطها الجديدة، لم تعد معركة توازن ردع، بل تحوّلت إلى معركة كشف هشاشة، وكسر هيبة، وتآكل أسطورة «الدولة الآمنة». ففي تطور نوعي يعكس تحوّلاً استراتيجياً في معادلات المواجهة، تواصل طهران عمليات «الوعد الصادق 3» للأسبوع الثاني توالياً، ضد العدو الصهيوني، رداً على هجماته الغادرة فجر 13 حزيران/ يونيو الجاري، التي استهدفت مختلف مناطق البلاد وطالت أحياء سكنية وقواعد عسكرية ومنشآت علمية، ما أدى لارتقاء وإصابة المئات من الإيرانيين.
وكثفت إيران، خلال اليومين الماضيين، عملياتها ضد العدو الصهيوني، مستخدمة صواريخ مطوّرة ذات قدرة تدميرية عالية وتقنيات تكنولوجية دقيقة. وشكّلت هذه الصواريخ، التي استهدفت مواقع استراتيجية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، صدمة عسكرية وأمنية داخل كيان الاحتلال، وكسرت جدار الوهم الذي ظلت منظومته الأمنية تتكئ عليه لعقود، خصوصاً وأن صواريخ «الوعد الصادق 3» طالت في الموجات 15-17، بنى تحتية سيبرانية وعسكرية في كيان الاحتلال وأصابت قلب المنظومة الرقمية التي تضم شركات عالمية ووحدات استخبارات متقدّمة، وحملت رسائل استراتيجية تتجاوز الطابع العسكري إلى الاقتصادي والأمني والتقني، ما ينذر بنقل المعركة إلى مستوى آخر تماماً بضرب البنية التحتية التكنولوجية لقوات الاحتلال.

رسائل سياسية وعسكرية
وفيما يمكن اعتبار صواريخ، أمس الجمعة وأمس الأول الخميس، رسالة من إيران إلى مراكز القرار «الإسرائيلية»، بأنّها تعلم جيداً المواقع الحسّاسة والحيوية داخل كيان الاحتلال وماهيّتها، بالإضافة إلى مكانها، وأنّها قادرة على استهدافها بدقّة، وجهت طهران، أيضاً، رسائل سياسية وعسكرية قوية إلى الولايات المتحدة و«إسرائيل»، متوعدة واشنطن بـ»مفاجأة استراتيجية».
في هذا الإطار توعد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، «إسرائيل» بردود أكثر قوة وقسوة، في حال واصل كيان الاحتلال هجماته على الجمهورية الإسلامية.
وأكد بزشكيان أن الرد القادم «سيجعل العدو يندم على أفعاله»، مشيراً إلى أن «السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو وقف غير مشروط للعدوان وتقديم ضمانات لإنهاء مغامرات الصهاينة».
كما توعد رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي، أميركا بـ»مفاجأة استراتيجية» في حال دخلت واشنطن ساحة المعركة دعماً لـ«إسرائيل».
وقال عزيزي إن «انخراط واشنطن ضدنا سيسرع وتيرة طردها عسكرياً وأمنياً من المنطقة»، مضيفاً أن على الولايات المتحدة أن تعلم أن مصالحها في المنطقة لن تكون آمنة.
من جانبه، قال علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، إن «على العدو أن يعلم أن الحرب معنا لعب بالنار، ولن تخلف له سوى الرماد».
في السياق، نقلت وكالة «فارس» عن وزارة الدفاع الإيرانية أنها تستعد لمعركة طويلة الأجل.
وقالت وزارة الدفاع في بيان: «جهزنا قواتنا المسلحة بكل احتياجاتها للقتال لسنوات عدة»، مضيفة: «كل منشآتنا تواصل عملها بقوة رغم الهجمات المتواصلة على صناعاتنا العسكرية».

لاءات عراقجي
أما وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، فوجّه رسائل إلى واشنطن، ووضع لاءات أمام المفاوضات النووية مع الترويكا الأوروبية مساء أمس في جنيف.
ونقل التلفزيون الإيراني عن عراقجي قوله: «لسنا مستعدين لأي محادثات مع أي طرف في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية»، مضيفاً: «أعتقد أن الدول ستنأى بنفسها عن هذا العدوان بعد مقاومتنا لإسرائيل».
وأشار إلى أن المفاوضات مع الدول الأوروبية في جنيف تقتصر على الملف النووي والملفات الإقليمية. وأكد أنه «لا تفاوض مع أي طرف بشأن قدراتنا الصاروخية، والجميع يعرف أنها للدفاع عن أراضينا».
وقال عراقجي: «لن نجري محادثات مع أميركا؛ لأنها شريكة في الجريمة الإسرائيلية بحقنا». وأكد: «لم يكن لدينا أي تواصل مع واشنطن، ولن نتواصل معها في الظرف الراهن».
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تريد الحوار، وأرسلت رسائل جادة بهذا الشأن؛ لكن طهران أكدت لواشنطن أنه «لا يمكن الحديث عن تفاوض في ظل استمرار العدوان، ونحن نقوم بدفاع مشروع عن النفس».

الموجة الـ17 من «الوعد الصادق 3»
ميدانياً، أطلق الحرس الثوري الإيراني، عصر أمس، المرحلة الـ17 من عملية «الوعد الصادق 3»، مستهدفاً مواقع مختلفة في الأراضي المحتلة من الشمال إلى الجنوب.
وأعلن حرس الثورة، في بيان، استهداف «المراكز العسكرية والصناعات الدفاعية ومراكز القيادة والسيطرة والشركات الداعمة للعمليات العسكرية للنظام الصهيوني، وقاعدتي نافاتيم وهاتزريم الجويتين».
وأشار إلى أن هذه المواقع كانت «مركز الشر ضد الشعوب المظلومة في غزة ولبنان واليمن والحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ بداية طوفان الأقصى»، مؤكداً أن «الإصابات الدقيقة في تل أبيب وحيفا وبئر السبع تظهر أن قوتنا الصاروخية الهجومية تتزايد».
من جهته قال المتحدث باسم عملية «الوعد الصادق 3»، العقيد إيمان طاجيك، إن الموجة الـ17 من الصواريخ الإيرانية جرت باستخدام صواريخ بعيدة المدى وفائقة الوزن، وطائرات مسيّرة هجومية وانتحارية.
وأضاف: «فلينتظر العالم مفاجآتنا... دفاعنا المقدس سينتصر بدعم الشعب».
بدورها، أفادت وسائل إعلام عبرية بدوي صفارات الإنذار في كافة أنحاء الأراضي المحتلة، في حين قدّرت قوات العدو عدد الصواريخ المُطلقة في الموجة الأخيرة بـ25 صاروخاً بالستياً، مشيرة إلى أن هذه الصواريخ سقطت بشكل مباشر في 6 أماكن في مختلفة من الأراضي المحتلة، لاسيّما في منطقة بئر السبع جنوباً، ومدينة حيفا شمالاً، ووقوع إصابات عديدة وأضرار مادية كبيرة.
من جهته أقرّ رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، بأن القصف الإيراني الأخير استهدف نقطتين استراتيجيتين. وأعرب عن شعوره «بالاكتئاب»، داعياً المستوطنين إلى اتباع التعليمات التي تصدر عن الجبهة الداخلية للاحتلال. 
وقالت وزارة الصحة لدى كيان الاحتلال أن عدد المصابين جراء الهجمات الإيرانية بلغ حتى مساء الخميس 2500 مصاب، إضافة إلى 25 قتيلاً.
وصباح أمس، أفادت وسائل إعلام العدو بسقوط صاروخ إيراني بشكل مباشر على موقع في مدينة بئر السبع جنوبي فلسطين المحتلة، ما تسبب بسقوط 36 إصابة في صفوف المستوطنين، وألحق أضراراً كبيرة بعدد من المباني.
ووفق التقارير، تسبب الصاروخ بدمار واسع، وأدى إلى إغلاق محطة القطار في المدينة، بسبب تعرضها لأضرار، كما أدى إلى احتراق عدد من المركبات في المنطقة.
وأفاد إعلام العدو بأن الصاروخ الإيراني استهدف مركزاً للتكنولوجيا فائقة الدقة والأبحاث والأمن السيبراني والمعلوماتية، على مقربة من مبنى تابع لشركة «مايكروسوفت» في بئر السبع.
وأكد إعلام العدو أن التقديرات الأولية تشير إلى أن الصاروخ يحمل عدة رؤوس متفجرة، ما تسبب بأضرار كبيرة جداً، في واحدة من أبرز الإصابات الدقيقة ضمن الموجات الصاروخية الأخيرة التي أطلقتها إيران تجاه عمق الأراضي المحتلة.

تحول تكتيكي
وقال مراسل «القناة الـ12» العبرية إن أحد الصواريخ الإيرانية في الضربة الأخيرة كان مزوداً برأس حربي متشظٍّ يحتوي على 26 صاروخاً فرعياً صغيراً.
وأشار إلى أن الصاروخ انفجر على ارتفاع محدد، وأطلقت حمولته الفرعية ضمن دائرة تأثير واسعة، تسببت بأضرار جسيمة في محيط امتد لمئات الأمتار.
وأوضح أن هذا النوع من الرؤوس الحربية يهدف إلى تشتيت أنظمة الاعتراض وزيادة حجم الإصابات المادية والبشرية، ما يعكس تحولاً تكتيكياً في تركيبة الضربات الإيرانية الأخيرة.
وأفاد الاعلام العبري بأن «الجيش يجري تحقيقاً بشأن سقوط الصاروخ دون اعتراضه».
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر في قوات العدو قولها إن منظومات الدفاع الجوي لم تتمكن من اعتراض الصاروخ الذي أُطلق من إيران، وأن الحادثة قيد التحقيق.
وفي إيران، قالت وكالة الأنباء الإيرانية إن الهجوم الصاروخي على بئر السبع استهدف «مركز غاف يام نيغيف التكنولوجي»، مشيرة إلى أن المركز المستهدف يضم مؤسسات عسكرية وسيبرانية نشطة.
هذا الاستهداف ليس الأول من نوعه لمدينة بئر السبع؛ إذ كانت إيران قد استهدفت، أمس الأول الخميس، الحديقة التكنولوجية العسكرية الواقعة بالقرب من مستشفى «سوروكا» الصهيوني. كما أنّه ليس منفصلاً عن استهداف  معهد «وايزمان» في «تل أبيب» قبل أيام، الذي كان يُستخدم كمختبرات بحث في مجالات الأحياء، والكيمياء الحيوية، وعلوم الحياة.

تدمير 45 مختبراً
في غضون ذلك أقرّت وسائل إعلام عبرية، أمس، بأنّ الهجوم الإيراني الذي استهدف، قبل أيام، معهد «وايزمان» للأبحاث أسفر عنه تدمير 45 مختبراً تابعاً له.
ووفق موقع «تايمز أوف إسرائيل» فقد دمّر الهجوم الإيراني مبنيين بالكامل، أحدهما للعلوم البيولوجية والآخر قيد الإنشاء، بالإضافة إلى تضرر عشرات المباني الأخرى، ومعظم المعدات المتطورة.
وتقدّر تكلفة بناء مختبر فارغ وحده بحوالى 50 مليون دولار. وقد يكلف تجهيزه بالمعدات المناسبة 50 مليون دولار أخرى، بحسب الموقع.

التكلفة الفلكية لأسبوع الحرب الأول
في سياق متصل، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن تكلفة حرب «إسرائيل» مع إيران، في الأيام الثمانية الأولى، لا تقل عن 7 مليارات شيكل (نحو 2 مليار دولار).
من جهتها قالت جريدة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إن «إسرائيل» تتكبد تكلفة تقدر بمئات الملايين من الدولارات يومياً في حربها على إيران، وأن ارتفاع التكلفة قد يحدّ من قدراتها الحربية.
ونشرت الصحيفة آراء خبراء تحدثوا عن تكلفة أنظمة الدفاع الجوي «الإسرائيلية» في مواجهة الصواريخ الإيرانية، وأثر ذلك على اقتصاد الاحتلال.
ووفقاً لتقديرات معهد «آرون» للسياسة الاقتصادية، فإن حرب مدتها شهر واحد مع إيران، تكلف «إسرائيل» 12 مليار دولار.
في غضون ذلك طالب مسؤول في حكومة الاحتلال دول الخليج، وفي المقدمة السعودية، بتمويل الحرب على إيران.
وقال وزير المالية «الإسرائيلي»، سموتريتش، لـ»القناة 14» العبرية، إن «على دول الخليج التي تكسب تريليونات الدولارات وألمانيا وبريطانيا وفرنسا المشاركة في تكاليف هذه الحرب على الأقل اقتصادياً».
وتكبد كيان الاحتلال خسائر اقتصادية هائلة جراء الحصار اليمني المفروض على «مطار بن غوريون» (مطار اللد) وميناءي «إيلات» وحيفا، علاوة على الخسائر الكبيرة الناجمة عن عدوانه على إيران.