تقريـر: عادل عبده بشر / لا ميديا -
تحول نوعي غير مسبوق في مسار المواجهة بين الجمهورية الإسلامية في إيران والاحتلال الصهيوني، مثلته سلسلة الهجمات الصاروخية الدقيقة والواسعة النطاق لحرس الثورة الإيرانية التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية المحتلة من أقصاها إلى أقصاها خلال اليومين الماضيين، رداً على العدوان «الإسرائيلي» على إيران، حيث نجحت طهران في قلب المعادلة ووضعت الكيان أمام واقع استراتيجي جديد تجاوز كل حساباته الأمنية والعسكرية التقليدية.
وتؤكد جميع المعطيات الميدانية أن حجم الضربات الإيرانية، ونوع الصواريخ المستخدمة، ودقة إصابتها للأهداف الحيوية، في «عملية الوعد الصادق 3» قد تجاوزت بكثير ما كانت تتوقعه المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، التي اعتادت الرهان على تفوّق دفاعاتها الجوية وقدرتها على اعتراض أي هجوم. غير أن الواقع جاء صادمًا: منشآت صناعية وعسكرية حيوية ضُربت بدقة، وحالة من الشلل أصابت المدن المحتلة، في ظلّ عجز المنظومات الدفاعية عن احتواء الموجات المتتالية من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ولم تدم النشوة التي عمَّت الاحتلال الصهيوني كثيراً، بعد ورود تقارير أولية في اليوم الأول للعدوان على إيران، تفيد بأن «جيش الكيان» نجح في اغتيال عدد من كبار الجنرالات والعلماء النوويين الإيرانيين، فسرعان ما تبدد هذا الشعور وتحول الفرح إلى حزن وقلق بعد أن ردت طهران بموجات من الصواريخ، أحالت النصر «الإسرائيلي» المزعوم إلى سراب.
وفي ظل التطورات المتسارعة التي شهدها ميدان المعركة، أمس، تؤكد الوقائع أن إيران ليست بصدد التراجع أو تخفيف وتيرة الرد، بل إنها، وفقاً لخبراء عسكريين، ماضية في استخدام أوراقها الاستراتيجية بذكاء حاد، وسط إصرار على كسر منطق التفوّق «الإسرائيلي» الذي طالما شكّل عنصر هيبة للكيان في المنطقة. وفي ظل هذا التوازن الجديد الذي تميل كفّته نحو الفعل الإيراني، تزداد حالة الإرباك داخل الكيان، الذي بات يجد نفسه أمام سيناريوهات مفتوحة، يفتقر إلى المبادرة فيها، ويواجه تحديات قد تكون الأشد منذ إعلان قيامه.

من الردع إلى الرد
وبحسب الخبراء فإن الواقع الراهن لا ينبئ بانفراجة قريبة، بل يشير إلى مرحلة جديدة من الصراع، عنوانها الرئيسي «من الردع إلى الردّ»، حيث لم تعد الجغرافيا المحتلة بمنأى عن النار، ولم تعد الجبهة الداخلية الصهيونية مستعدة للتكيّف مع تهديد لا يُشبه ما سبقه. هذا التحول البنيوي في قواعد الاشتباك يضع الاحتلال أمام معادلة قاسية: إما التراجع والتنازل، أو الاستمرار في نزيف الكلفة، حتى الانهيار.
ومع استمرار العدوان «الإسرائيلي» على الأراضي الإيرانية، وتورطه في اغتيالات استهدفت شخصيات علمية ومراكز حساسة، بدا واضحًا أن طهران اختارت تصعيدًا من العيار الثقيل، مدروسًا من حيث التوقيت والأهداف، ويهدف إلى فرض معادلة ردع جديدة تُعيد رسم خطوط المواجهة الإقليمية.

الضربات الجديدة
وفي تطورات الهجمات المتبادلة أعلن التلفزيون الإيراني، مساء أمس، أنّ الجمهورية الإسلامية أطلقت دفعة جديدة من الصواريخ باتجاه مواقع في عمق الأراضي المحتلة، وذلك من مناطق متعددة داخل إيران، في إطار الرد المستمر على العدوان «الإسرائيلي».
وأفاد مصدر إيراني مطّلع بأن الكيان الصهيوني، وفي خطوة يائسة، اضطر إلى تفجير عدة سيارات مفخخة في العاصمة طهران، وذلك في أعقاب النجاح الذي حققته الدفاعات الجوية الإيرانية في التصدي للموجة الرئيسية من الهجوم الذي استهدف العاصمة.
وأشار المصدر إلى أنه، وبعد انفجار خمس عبوات ناسفة في مناطق متفرقة من طهران، ردّت إيران بإطلاق ما لا يقل عن خمسين صاروخًا باليستيًا من نقاط مختلفة داخل البلاد باتجاه الأراضي المحتلة.
وفيما دوّت صافرات الإنذار في مناطق واسعة من الأراضي المحتلة، بما في ذلك مستوطنات الضفة الغربية، أفادت وسائل إعلام عبرية بسماع دوي انفجارات عنيفة في «تل أبيب»، ناتجة عن سقوط صواريخ إيرانية.
وسُجّل دوي انفجارات ضخمة في القدس المحتلة، وحيفا، ويافا، وطبريا، إضافة إلى مناطق الجليل الأعلى والجليل الأسفل والناصرة، جراء دفعة جديدة من الصواريخ أطلقتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في إطار عملية «الوعد الصادق 3».
وذكرت وسائل إعلام عبرية أنّ «القصف الإيراني استهدف محطة الكهرباء في الخضيرة ومسكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في قيسارية».
ونقلت القناة «الـ12» عن مصدر أمني كبير قوله إنّ الإيرانيين «قرروا الارتقاء في شدة الرد على إسرائيل».
في غضون ذلك، مدد الاحتلال حالة الوضع الخاص في الجبهة الداخلية حتى 30 حزيران/ يونيو الجاري، وفق الإعلام العبري.
كما أمر وزير الدفاع في كيان الاحتلال، يسرائيل كاتس، بإغلاق مؤسسات التعليم، ومنع النشاطات التربوية والتجمعات حتى نهاية الشهر الجاري.
وصفت وسائل إعلام العدو الصهيوني الهجوم الإيراني الجديد بأنه تطوّر نوعي غير مسبوق، مؤكدة أنه “للمرة الأولى تنفّذ إيران هجوماً مباشراً في وضح النهار”، وهو ما اعتبرته تحولاً خطيراً في قواعد الاشتباك.
وبحسب وسائل الإعلام العبرية، فإن هذا التوقيت يحمل دلالات واضحة على جرأة طهران وثقتها بقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة، دون الحاجة إلى عنصر المفاجأة الليلي، الأمر الذي يعكس تصعيداً استراتيجياً في المواجهة المفتوحة بين الطرفين.
ونفذت إيران، فجر أمس، عملية إطلاق مركبة بالصواريخ والمسيرات الانقضاضية استهدفت وسط فلسطين المحتلة، وتحديداً مناطق «تل أبيب»، وذلك في إطار ردها المستمر على العدوان «الإسرائيلي» على البلاد، ما أسفر عن قتلى وعشرات الإصابات باعتراف الاحتلال.
وتحدّثت «القناة 12» العبرية عن دمار كبير في مبنى متعدّد الطبقات في مدينة بوسط «إسرائيل»، كما شهدت مبانٍ في «تل أبيب» و«بات يام» جنوبي المدينة، دماراً هائلاً واشتعال النيران من جراء الصواريخ الإيرانية.
وفي تعليقٍ له بعد زيارته موقع سقوط الصاروخ الإيراني، قال رئيس بلدية بات يام: «لقد مررت بالكثير من المواقع في حياتي، لكن هذا الدمار غير مسبوق. لم يسبق أن رأيت دمارا بهذه الأبعاد، عدد المباني، 61 تضرروا، ضمن شعاعٍ كبير. من بينها ستة مبانٍ نعلم أكيدا أننا سنضطر لهدمها ولن يكون بالإمكان العودة إليها. والعدد قد يصل إلى عشرة، دمار هائل. أنا هنا منذ طفولتي، وهذا بأبعادٍ لم يسبق أن رأيناها».
وتحدث إعلام الاحتلال عن إصابة 6 مواقع في «تل أبيب»، وإصابة أحد الأبراج العالية في «تل أبيب الكبرى» بشكل مباشر.
كما حقّقت الصواريخ الإيرانية إصابة مباشرة في «ريشون لتسيون» و«رحوفوت» جنوبي «تل أبيب»، وفي مستوطنة «موديعي» قرب القدس المحتلة.
وأصاب صاروخ إيراني مبنى مؤلفا من 14 طابقاً في «بات يام». وقال قائد الشرطة في منطقة «أيالون» وسط يافا المحتلة دانيال حداد، في تصريحٍ للصحافيين في مدينة بات يام: «قُتل 6 أشخاص وأصيب 180 آخرون»، مشيرا إلى أن هناك 7 أشخاص على الأقل في عداد المفقودين ويرجح أنهم تحت الأنقاض.
وبحسب سلطات الاحتلال، قُتل 4 مستوطنين آخرين في موقع آخر في شمال «إسرائيل».
وبحسب وزارة الصحة الصهيونية، ارتفعت حصيلة صلية القصف الأخيرة من إيران إلى 14 قتيلًا و385 مصاباً خلال الساعات الـ24 الماضية. فيما ذكرت وسائل إعلام عبرية أن عدد المصابين تجاوز الـ500 مصاب خلال الـ48 ساعة الماضية.
كما طالبت «نجمة داوود الحمراء» الإسعاف بالتبرع بالدم نتيجة النقص الحاد.
وأعلنت وزارة الرفاه «الإسرائيلية» أن 742 مواطنًا باتوا دون مأوى إثر الهجوم الإيراني الأخير.

الحرس الثوري: ضربة دقيقة وواسعة ضد أهداف استراتيجية داخل الكيان الصهيوني
في السياق كشف حرس الثورة الإسلامية في إيران، ليل السبت/ الأحد، عن بنك الأهداف «الإسرائيلي» الذي استهدفه في هجومه الأخير، في سياق استمرار العملية المركّبة «الوعد الصادق 3» والتي جاءت في إطار الرد على الاعتداءات المتواصلة التي يرتكبها كيان الاحتلال على الأراضي الإيرانية.
وذكر بيان حرس الثورة، أن «العملية الأخيرة استهدفت منشآت إنتاج وقود الطائرات ومراكز إمداد الطاقة التابعة للكيان، وذلك باستخدام وابل من الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة».
وأكد أن هذه العمليات ستتواصل بوتيرة أشد وأوسع نطاقاً، في حال استمرار الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية ضد إيران.
وأشار الحرس إلى تمكن نظام الدفاع الجوي للقوة الجوفضائية ضمن منظومة القيادة الموحدة وغرفة العمليات المشتركة للدفاع الجوي، من رصد واعتراض وتدمير 3 صواريخ «كروز» و10 طائرات مسيرة وعشرات الطائرات المسيرة الصغيرة التابعة لـ»جيش» الاحتلال في مناطق الاشتباك داخل البلاد.
وكان الحدث الأبرز أمس، في حيفا، حيث ضربت الصواريخ الإيرانية مصفاة نفط «إسرائيلية»، ما أدى إلى اندلاع حرائق ضخمة. وأفادت إذاعة العدو بأن خطوط الأنابيب والنقل في مصفاة حيفا تضررت بشدة، ما يهدد بشلّ قدرتها التشغيلية.
وتُعد هذه الضربة الإيرانية الأوسع والأكثر جرأة منذ عقود، في إشارة واضحة إلى تبدل قواعد الاشتباك. وتُطرح تساؤلات جديّة حول قدرة كيان الاحتلال على احتواء التصعيد المتسارع، في ظل هشاشة منظوماته الدفاعية أمام الضربات الدقيقة والمتتالية.
في غضون ذلك أعلن قائد حرس الحدود الإيراني، العميد أحمد علي كودرزي أنه بفضل يقظة حرس الحدود الشجعان، تم رصد 44 طائرة مسيرة وطائرة صغيرة تابعة للكيان الصهيوني على بعض حدود البلاد، وتم تدميرها.

الجيش الإيراني يتوعّد العدو الصهيوني بضربات قاسية
في السياق شدّد القائد العام الجديد للجيش الإيراني، اللواء أمير حاتمي، على أن قوات الجيش الإيراني تصدّت منذ اللحظات الأولى للعدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية، مؤكّدًا استمرار توجيه الضربات القاسية للكيان المزيّف والقاتل للأطفال.
جاء ذلك في رسالة شكر بعث بها إلى القائد العام للقوات المسلحة، الإمام السيد علي الخامنئي بمناسبة تعيينه في منصبه الجديد.
وأشار حاتمي إلى أن الجيش الإيراني، ومنذ اللحظات الأولى للعدوان الغادر، أظهر بسالة فائقة في الدفاع عن حرمة البلاد، مستلهمًا شجاعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تحت راية “ذو الفقار حيدر”، متعهّدًا بمواصلة الضربات الموجعة للكيان الصهيوني المزيّف.
من جهته أعلن اللواء علي شادماني، قائد مقر “خاتم الأنبياء (ص)” المركزي، أن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة الإيرانية ضد الكيان الصهيوني ستتواصل بوتيرة أعنف وأوسع حتى يشعر العدو بندم حقيقي.
وقال شادماني في تصريح صحفي: “القوات المسلحة الإيرانية، الجاهزة والقوية، مستمرة في تنفيذ عملياتها المتتالية ضد الكيان المعتدي، ولن تتوقف حتى يتحقّق الردع الكامل ويُرغم العدو على التراجع”.
وأضاف أن هذه العمليات تأتي ردًا مباشرًا على الجرائم الصهيونية، مؤكدًا تصميم الجمهورية الإسلامية على الاستمرار في هذا المسار حتى تحقيق أهدافها.
وأعلنت إيران عن تدمير ميناء حيفا بالكامل، في الضربة الصاروخية التي وجهتها مساء أمس ردا على العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية.
كما ذكرت وسائل إعلامية أن الصواريخ الإيرانية استهدفت مساء أمس شركة للصناعات العسكرية في حيفا.

كتائب حزب الله في العراق و«الشيوخ الباكستاني»
من جهة أخرى أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق كتائب حزب الله أن ”الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تحتاج إلى أي دعم عسكري من أحد لردع الكيان الصهيوني المجرم، فهي تملك من الرجال والإمكانات ما يكفي لتمريغ أنف نتنياهو بالتراب، وكبح جماح طغيان هذا الكيان الغاصب”.
وأضافت في بيان لها: ”في الوقت الذي تواجه فيه إيران العدوان الصهيوني بشجاعة وصمود، فإننا نراقب عن قرب تحركات جيش العدو الأمريكي في المنطقة؛ وإذا ما أقدمت أمريكا على التدخل في الحرب، فسنعمل بشكل مباشر على مصالحها وقواعدها المنتشرة في المنطقة دون تردد”.
وتابعت: ”انطلاقًا من الوضع الراهن فإن الواجب يفرض على الحكومة العراقية، والإخوة في الإطار التنسيقي، والمخلصين من المتصدّين تحمل المسؤولية، واتخاذ موقف شجاع كي لا تتسع رقعة الحرب، وذلك بغلق سفارة الشر الأكبر، وطرد قوات الاحتلال الأمريكي من البلاد، كونها التهديد الأوضح والأخطر لأمن العراق واستقرار المنطقة”.
إلى ذلك أقر مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع مشروع قرار لدعم إيران في مواجهة الاعتداءات التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي.
وأفادت وكالة مهر الإيرانية للأنباء، أن المجلس صادق، أمس، على المشروع المقدم الذي يهدف إلى دعم إيران ضد التهديدات الإسرائيلية.