عادل بشر / لا ميديا -
يوماً بعد آخر يتزايد الحديث في الأوساط الغربية عن هزيمة البحرية الأمريكية أمام القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، بعد أن ورّطت واشنطن نفسها في حرب ضد صنعاء، حماية للكيان الصهيوني في مجازر الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
في هذا الإطار نشر موقع  "أنهيرد" (Unherd) البريطاني الشهير، أمس، تحليلاً مطولاً تحدث فيه عن الإذلال العسكري الذي تعرضت له القوات الأمريكية -رغم ضخامتها- في البحر الأحمر، خلال ولايتي بايدن وترامب، وكيف اضطر الأخير إلى "رفع الراية البيضاء" والحفاظ على ما تبقى من ماء وجه "القوة العظمى" بعد "خسائر فادحة وفضيحة كانت الولايات المتحدة في غنى عنها"، وفقاً لتعبير محللين أمريكيين.
وفي تحليله، الذي بعنوان "إذلال عسكري لأمريكا"، قال الموقع البريطاني: "عندما بدأ الحوثيون في اليمن فرض حصارهم على البحر الأحمر، رداً على الحرب في غزة، اعتُبر ذلك علامة مؤكدة على تضاؤل القوة الأمريكية. وفي لهفتهم لفهم سبب حدوث ذلك، زعم منتقدون لبايدن آنذاك أنه كان ببساطة ضعيفاً جداً، لدرجة أنه لم يستخدم كامل القوة العسكرية الأمريكية لسحق المشكلة".
وأوضح أن الرئيس الأمريكي بايدن أذن بحملتين عسكريتين لكسر الحصار البحري اليمني على العدو الصهيوني، حيث كانت الحملة الأولى، عملية "حارس الازدهار"، التي قال الموقع إنها "سرعان ما تحولت إلى فضيحة محرجة" نتيجة انسحاب معظم شركاء أمريكا من هذه العملية، واستمرت قوات صنعاء في استهداف السفن المرتبطة بـ"إسرائيل"، وعملية "بوسيدون آرتشر"، التي شملت قصفاً جوياً أمريكياً - بريطانياً مشتركاً استهدف العاصمة صنعاء وعدداً من المحافظات اليمنية طوال العام، في محاولة "لإخضاع الحوثيين"، بحسب الموقع البريطاني، الذي أكد أن هذه العملية أيضاً "لم تكن ناجحة، ولم تفعل شيئاً تقريباً لردع هجمات الحوثيين أو فتح البحر الأحمر أمام الملاحة".
وأشار التحليل إلى أنه "بمجرد وصول ترامب، رُفعت القيود التي كان بايدن يُتهم بوضعها، وأمر بها ترامب بعملية رافر رايدر في آذار/ مارس الماضي"، لافتاً إلى أن هذه الحملة حاولت "إظهار استجابة عسكرية أمريكية جديدة وأكثر قوة بكثير ضد أهداف الحوثيين في اليمن".
وأضاف: "لمدة ستة أسابيع، قصفت الطائرات الحربية الأمريكية اليمن، على مدار الساعة. ومع ذلك، بمجرد انتهاء الأسابيع الستة، أعلن ترامب بفخر أن اليمن قد استسلم، وأنه لم تعد هناك حاجة لاستمرار القصف الأمريكي".
وقال الموقع: "كان على الحوثيين فقط التوقف عن مهاجمة السفن الأمريكية مقابل توقف أمريكا عن القصف؛ كانوا أحراراً في الاستمرار في عملياتهم البحرية أو إطلاق الصواريخ على إسرائيل. بعبارة أخرى: منحت أمريكا الحوثيين تفويضاً مطلقاً لمواصلة السلوك الذي كان سبب دخول أمريكا في الحرب في المقام الأول. وهكذا، كان وصف هذه الصفقة بالاستسلام مناسباً تماماً؛ كل ما في الأمر أن الحوثيين لم يكونوا هم من رفع العلم الأبيض".

فوضى الحرب
وأكد موقع "أنهيرد" أن عملية "رافر رايدر" لترامب، على عكس عمليات بايدن، استخدمت العديد من أسلحة أمريكا الأكثر محدودية وتكلفة وتطوراً لمحاولة إخضاع الحوثيين، ومع ذلك استسلمت، مشيراً إلى أن "أسلوب الحرب المفضل والمتزايد الوحيد القابل للتطبيق في أمريكا (الحرب الجوية) لم يعد فعالاً من حيث التكلفة ولا عملياً. ولكن ليس لدى الولايات المتحدة أنماط حرب بديلة تعتمد عليها، ما يعني أن أيامها كقوة عسكرية مهيمنة قد تقترب من نهايتها".
وأضاف: "لفهم مدى فوضى الحرب الجوية ضد الحوثيين، من المهم فهم قاعدة أساسية جداً في المخزون العسكري الأمريكي. فبينما تمتلك أمريكا، على الورق، 11 حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، وهو رقم مثير للإعجاب يفوق بكثير أي بلد آخر على هذا الكوكب، فإن هذا الرقم الإجمالي لا يكاد يكون ذا صلة في الممارسة العملية"، مشيراً إلى أن أمريكا "لا يمكنها بشكل واقعي وضع أكثر من حاملتي طائرات إلى أربع حاملات في البحر في أي لحظة معينة".
وأرجع ذلك إلى أن قدرة الولايات المتحدة على زيادة "قدراتها العسكرية في أوقات الأزمات محدودة؛ لأن المكونات الاحتياطية المختلفة للقوات المسلحة الأمريكية قد تدهورت بشكل كارثي، فإذا استبعدت حاملات الطائرات الأمريكية المخصصة للخردة، أو تلك التي تفتقر حالياً إلى مفاعل نووي وظيفي، أو تلك التي تخضع لصيانة عميقة، فإن عدد الحاملات النشطة والقابلة للاستخدام هو حوالى ثلث الرقم على الورق. وقد تم استخدام نصف تلك الحاملات ضد الحوثيين".
وإلى جانب حاملات الطائرات، قال الموقع البريطاني إن القوات الجوية الأمريكية ساهمت في حملتها الأخيرة ضد اليمن بحوالى ست قاذفات شبح من طراز (B-2 Spirit) الأكثر تطوراً والأغلى بكثير في الترسانة الأمريكية.
وأضاف: "للوهلة الأولى، يبدو هذا مجرد جزء صغير من قوة أمريكا؛ لأنها تمتلك حوالى 20 قاذفة من هذا النوع في مخزونها. ولكن نظرة فاحصة على هذه الطائرات تشير إلى أن تلك القاذفات الست التي استخدمت في "رافر رايدر" تمثل على الأرجح المخزون العامل بالكامل لقاذفات الشبح الأمريكية. ونظراً لأن طائرات (B-2) لم تُبنَ منذ عقود، فإن الطريقة الوحيدة للحفاظ عليها قيد التشغيل هي تفكيك طائرات (B-2) أخرى للحصول على قطع الغيار، ونتيجة لذلك، تم تفكيك عدد كبير منها وظيفياً، ولا يمكنها أبداً أن تأمل في الطيران مرة أخرى. نصف القاذفات الأمريكية فقط مؤهلة لما يسمى بحالة "قادرة على أداء المهام" في المتوسط اليومي، وهي حالة لا تعني فعلياً أن الطائرة تعمل؛ بل تعني ببساطة أن الطائرة ليست معطلة تماماً وغير قابلة للتشغيل". 

أسلحة نادرة
من حاملات الطائرات إلى قاذفات الشبح، النمط هنا واضح تماماً، ويتأكد أيضاً من خلال شهادات من داخل البنتاغون نفسه. وفقاً للموقع ذاته، الذي أضاف: "لقد بذلت أمريكا كل ما في وسعها لمهاجمة الحوثيين، وشنّت حرباً جوية مكلفة ومكثفة للغاية ضد جماعة تسيطر على معظم اليمن".
وأوضح أنه "كما التزمت أمريكا بحوالى نصف حاملات طائراتها النشطة، وأنفقت ثروة على صواريخ الهجوم الأرضي والدفاع الجوي، في هذه العملية؛ إلا أنه يتضح أن كل هذا الجهد لم يفعل شيئاً جيداً، ولم تتمكن الولايات المتحدة من إرساء التفوق الجوي".
وأكد الموقع أن أمريكا "لا تستطيع المخاطرة بتحليق طائراتها الأقدم غير الشبحية خوفاً من فقدانها. كما أنها لا تستطيع تحمل تكلفة استبدال الطائرات المفقودة والطيارين الذين يُقتلون".
وقال: "في عملية رافر رايدر، نشرت الولايات المتحدة العديد من أندر أسلحتها وأكثرها تخصصاً. وبحسب جميع الروايات، كان لذلك تأثير ضئيل جزئياً"، مشيراً إلى أنه "عندما فقد بايدن اهتمامه بالدفاع عن البحر الأحمر ضد الحوثيين لأول مرة، أصيب الناس بالذهول. عدم القيام بما يكفي كان بمثابة إخبار العالم بأسره أن الولايات المتحدة أضعف من أن تبقي قناة السويس مفتوحة. لكن ترامب، بعد توبيخ سلفه، انسحب أيضاً، واعترف بحكم الواقع بسيطرة الحوثيين. ويبدو أن الولايات المتحدة ليس لديها في الواقع الكثير من الأوراق لتلعبها".
ووفقاً للتحليل البريطاني فقد "كان من المفترض أن تكون عملية رافر رايدر عرضاً حاسماً للقوة ضد دولة من العالم الثالث ذات تجهيزات ضعيفة ومقسّمة داخلياً. بدلاً من ذلك، انتهى بها المطاف كآخر حفل وداع لشكل عتيق حقاً من أشكال الحرب، غير قادر على مواجهة أنظمة أسلحة الدفاع الجوي الأرخص والأفضل". وأشار إلى أنه "مع العجز المتزايد، والأزمة السياسية الداخلية المتنامية، والجيش الذي ينهار ببطء، أمريكا هي نمر يفتقر إلى الوسائل حتى لمحاولة تغيير جلده".