تقرير / لا ميديا -
في قلب النار، ظهرت الطفلة «ورد»، تتفادى ألسنة اللهب التي أحاطت بها من كل جانب في مدرسة الجرجاوي بمدينة غزة، التي تعرضت لغارات صهيونية مفزعة. كانت تتعثر بين جثث أسرتها، تتنفس رماد مَن كانوا لها وطناً، وتصعد من بين الرماد كما تصعد المعجزة من قلب الجحيم.
ورد جلال الشيخ خليل، الناجية الوحيدة في أسرتها من مجزرة مدرسة الجرجاوي بحي الدرج خُلِق اسمها ليُقال في الحدائق، لا في تقارير المجازر.
هربت «ورد» من الموت بقدمين صغيرتين ورعبٍ يسع أعماراً، فيما التهمت النيران كل شيء من حولها، إلا روحها التي تشبثت بالحياة رغم الجراح. في لحظة واحدة، كانت «ورد» تمشي لا لتنجو فقط، بل لتشهد -أمام العالم- على أن الطفولة في غزة لا تُقتَل فقط، بل تُحاط بالنار.
فجر أمس الاثنين، استيقظ العالم -أو بالأحرى، لم يستيقظ- على واحدة من أبشع المحارق في تاريخ العدوان الصهيوني على غزة. قصفٌ حاقد استهدف مدرسة فهمي الجرجاوي، الواقعة في حي الدرج، وسط مدينة غزة، حوّلَ فناءها المملوء بخيام النازحين إلى مقبرة جماعية، احترقت فيها أجساد 36 شهيداً، بينهم 18 طفلاً وست نساء.
صرخة واحدة انطلقت ثم خمدت: «المدرسة تحترق!»، وما أعقبها كان موتاً جماعياً، وناراً تشهد على جريمة لا تحتمل التأويل.
لم يكن هذا الهجوم الصهيوني معزولاً، بل يندرج ضمن سلسلة جرائم متصاعدة ترتكب بحق المدنيين في قطاع غزة منذ 596 يوماً، حيث بلغ عدد مراكز الإيواء التي طالها القصف الصهيوني حتى الآن 241 مركزاً، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. هذه ليست أرقاماً مجردة، بل مآسٍ حقيقية نُسجت من لحم البشر ودماء الأطفال. إنها جريمة ممنهجة لتفريغ القطاع من سكانه، وإعادة تعريف المأساة على المقاس الصهيوني.
في الليلة ذاتها التي احترقت فيها المدرسة، انتشلت الطواقم الطبية 19 شهيداً آخرين من عائلة عبد ربه، بعد أن قصف الطيران الحربي منزلهم في جباليا البلد شمالي القطاع. إنها عائلات تُباد بأكملها، بلا سابق إنذار، بلا صوت يحذر، بلا رحمة.
لكن الحقد الصهيوني الهائج لا يكتفي بالقنابل، بل يقطع شريان الحياة؛ يُغلق المعابر، يمنع دخول الغذاء والدواء، يحاصر المستشفيات ويقصفها، ويمنع إجلاء الجرحى، فيما يعاني القطاع الصحي من انهيار تام. إنها حرب على الحياة بكل أشكالها. إنها عقيدة انتقام لا تعترف بطفل ولا بإنسان.

إدانات دولية جديدة
البيانات الدولية تتوالى، بعضها خجول، وبعضها أكثر جرأة. المستشار الألماني وصف المجزرة بـ»كارثة إنسانية وسياسية»، بينما أعلن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا صراحة أن ما تفعله «إسرائيل» في غزة هو «إبادة جماعية»، مؤكداً أن «ما نراه ليس دفاعاً عن النفس، بل انتقام بوجه إنساني أعزل». كذلك، استدعت السويد السفير «الإسرائيلي» احتجاجاً على الوضع الإنساني، بينما وصف رئيس وزراء أستراليا الحصار «الإسرائيلي» بأنه «مشين» و»غير مقبول».

4 عمليات للمقاومة
على صعيد المقاومة، يستمر المجاهدون الفلسطينيون في التصدي للجريمة الصهيونية. كتائب القسام وسرايا القدس أعلنتا عن استهداف آليات وقوات صهيونية متوغلة في بيت لاهيا وخان يونس، في مشاهد تعكس أن غزة، رغم الجراح، ما زالت تقاوم، وتُمسك بخيط الحياة مهما اشتدت حمم الإبادة.
وأعلنت كتائب القسام أنها استهدفت دبابتين بقذائف «الياسين 105» في بيت لاهيا شمالي القطاع، ما أدى لاشتعال النيران في إحداهما. كما تمكنت من استهداف قوة متحصنة داخل أحد المنازل في منطقة القرعة الخامسة ببيت لاهيا بقذيفة مضادة للأفراد.
في السياق ذاته، أعلنت سرايا القدس عن استهداف تجمع لجنود وآليات الاحتلال المتوغلة في محيط مدرسة المعري شمال شرقي خان يونس بوابل كثيف من قذائف الهاون الثقيل. وقد جرى رصد هبوط طائرة مروحية مع إطلاق قنابل دخانية في الموقع المستهدف لإجلاء المصابين، في مشهد يعكس مدى الخسائر التي لحقت بالقوة المهاجمة.
كما أعلنت كتائب المجاهدين عن إسقاط طائرة مسيّرة من نوع (EVOMAX4T) أثناء قيامها بمهام استطلاعية في حي الشجاعية بمدينة غزة، في نجاح يؤكد تطور قدرات الرصد والتصدي لدى المقاومة.

العدو يرفض مقترحاً لحماس
سياسياً، لم تترك «إسرائيل» مجالاً للشك: العدوان على غزة بالنسبة لها ليس وسيلة، بل غاية بحد ذاتها. وفق «رويترز» فقد قدمت حماس مبادرة إنسانية، تقترح الإفراج عن عشرة رهائن «إسرائيليين» على دفعتين، مقابل هدنة تستمر سبعين يوماً بضمانة أمريكية؛ لكن الرد الصهيوني جاء سريعاً، وبارداً: لا لهدنة، لا للإفراج.
رفض العدو المجرم أن يمنح غزة سبعين يوماً من الصمت فوق أرض أنهكها الصراخ. وكما يبدو العدو الصهيوني، يخشى السكون أكثر من القذائف. فما معنى «رهائن» إذا كان بقاؤهم في الأسر يخدم سردية «الضحايا الأبديين»؟! وما معنى «وساطة» إذا كانت الحرب مربحة والدم خطاباً انتخابياً؟!

اقتحامات صهيونية
في القدس، تتواصل سياسات الاحتلال في استفزاز مشاعر الفلسطينيين والعالم الإسلامي، حيث قاد من يعرف بـ»وزير الأمن القومي الإسرائيلي»، إيتمار بن غفير، اقتحاماً جديداً للمسجد الأقصى، برفقة زوجته وأعضاء في الكنيسيت ومئات الغاصبين، في ذكرى احتلال القدس الشرقية، في رسالة واضحة بأن التصعيد ليس عرضياً، بل مدروس بعناية لإشعال كل الجبهات.
من جهتها، حذرت حركة حماس من تداعيات الاقتحامات والانتهاكات المتزايدة في المسجد الأقصى، معتبرة أن هذه التصرفات تمثل تصعيداً خطيراً ومحاولة يائسة لفرض واقع تهويدي على المسجد.