عادل بشر / لا ميديا -
لازالت تداعيات قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقف العدوان على اليمن، تتفاعل وسط الأوساط السياسية والمؤسساتية الأمريكية، ويبدو أنها ستستمر على هذا النحو إلى أمد غير بعيد، وفي كل مرة سيخرج أحد من أركان إدارة رئيس الولايات المتحدة، ليكشف عن واحد من أسباب خضوع واشنطن للاتفاق مع صنعاء على وقف النار بين الجانبين، محاولاً، بلغة ناعمة، تبرير موقف ترامب لوقف القتال، باعتبار ذلك "الحل الأفضل لبلاده مما كان سيحدث لو أصر على مواصلة المسار العسكري".
أحدث الاعترافات، وليس آخرها، جاءت على لسان نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، بانتهاء عصر الهيمنة الأمريكية على البحار والأجواء، في ظل المتغيرات الكبيرة التي صنعتها معركة البحر الأحمر بين القوات المسلحة اليمنية والبحرية الأمريكية، وبموجب ذلك أُجبرت الولايات المتحدة على الانسحاب وإعادة النظر في استراتيجيات نشر قواتها.
ودعا فانس في كلمته خلال حفل تخرج شهدته الأكاديمية البحرية الأمريكية بولاية ماريلاند، المشرعين الأمريكيين إلى "أن يتعلموا التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته التكتيكات والأسلحة الجديدة في مواجهة البحرية الأمريكية".
ووفقاً لموقع وزارة الدفاع الأمريكية فقد تحدث فانس مع الخريجين الذين يتجاوز عددهم الألف خريج، مؤكداً أن تجربتهم في الخدمة العسكرية ستكون مختلفة عن تجارب من سبقوهم، مشيراً إلى أن إدارة ترامب "جاءت لتنهي نهجا استمر لعقود في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث قايضنا الدفاع الوطني والحفاظ على تحالفاتنا ببناء الأمة والتدخل في شؤون الدول الأجنبية، حتى عندما كانت تلك الدول الأجنبية بعيدة كل البعد عن المصالح الأمريكية الجوهرية".
وقال فانس: "لا مزيد من المهام غير المحددة، ولا مزيد من الصراعات المفتوحة، نحن نعود إلى استراتيجية قائمة على الواقعية وحماية مصالحنا الوطنية الأساسية"، موضحاً أن التعامل مع أي تهديدات سيتم بانضباط، وعندما تُرسل واشنطن جنودها إلى الحرب، فإنها ستفعل ذلك بأهداف محددة للغاية.
وكنوع من التبرير لتلافي البيت الأبيض لخسائر فادحة "مالياً ومادياً وفي الأصول العسكرية الأمريكية" في حال استمرت بالدفاع عن "إسرائيل" والقتال ضد القوات اليمنية في البحر الأحمر، وما يرتبط بذلك من حملة قصف جوية على مدار الساعة، قال فانس إن أمريكا دخلت الحرب "بهدف دبلوماسي واضح، وليس توريط جيشها في صراع طويل الأمد مع الحوثيين".
وأشار إلى أن ذلك الهدف هو "ضمان حرية الملاحة الأمريكية، بإجبار الحوثيين على التوقف عن مهاجمة السفن الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي"، بالرغم من أن القوات المسلحة اليمنية أكدت في معظم بياناتها العسكرية، خلال العدوان الأمريكي على اليمن في عهد الرئيس بايدن، أو الحملة الأخيرة التي أمر بها ترامب، أن عملياتها ضد السفن الأمريكية ستتوقف في حال أوقفت الولايات المتحدة عدوانها على اليمن.. وأن الملاحة البحرية آمنة لجميع الدول عدا السفن "الإسرائيلية" أو المرتبطة بكيان الاحتلال أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وقال فانس: "لقد تمكنا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع الحوثيين في صراعٍ استمر قرابة عامين"، لافتاً إلى أن "هذا التحول في التفكير من الحملات الأيديولوجية إلى سياسة خارجية مبدئية سيساعد في استعادة مصداقية الردع الأمريكي في عام 2025 وما بعده"، حسب تعبيره.
وتطرق نائب ترامب إلى الطبيعة المتغيرة للحرب، مقراً بأن "عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة على البحر والجو والفضاء قد انتهى الآن".
وفي اعتراف بأن الهجمات اليمنية بالصواريخ والطائرات المسيرة على حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية المرافقة لها في البحر الأحمر، قد ألحقت أضراراً بالغة بتلك الأصول، قال فانس: "يجب على مشرّعينا وقياداتنا العسكرية على حد سواء أن يتعلموا التكيف مع عالم تُلحق فيه الطائرات المسيّرة الرخيصة، وصواريخ كروز المتاحة بسهولة، والهجمات الإلكترونية أضرارًا بالغة بأصولنا العسكرية وأفراد خدمتنا".
وأشار إلى أن "القادة السابقين أرسلوا أفراد الجيش الأمريكي في مهمات متوالية بدون استراتيجية خروج، ولا نهاية تلوح في الأفق، وبدون توضيح كافٍ للشعب الأمريكي أو للمقاتلين".. مضيفاً: "عندما نمدد فترة نشر حاملة طائرات، يكون لذلك تأثيرٌ حقيقي على حياة الناس" سواء الجنود الأمريكيين أو عائلاتهم في الولايات المتحدة.

فشل أمريكي
في ذات السياق أقرّ وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث بفشل العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد اليمن إسناداً للكيان الصهيوني، مؤكداً أنها لم تحقق أهدافها المعلنة بالقضاء على القدرات العسكرية اليمنية أو حتى ردع عملياتها القتالية الداعمة للشعب الفلسطيني.
وقال هيغسيث في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية: "لم ندمر الحوثيين. لدينا أولويات أخرى نحتاج للتركيز عليها، كالصين وإيران". مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة لن تكرر ما فعلته في العراق وأفغانستان".
وأوضح أن الرئيس ترامب قرر في نهاية المطاف وقف العمليات العسكرية في البحر الأحمر بعد اتضاح أنها معركة استنزاف للجيش الأمريكي وترسانته العسكرية، وأضرت كثيراً بصورة التفوق العسكري الأمريكي، حدّ تعبيره.
وكانت الولايات المتحدة بقيادة ترامب قد شنت في 15 آذار/مارس الماضي، عدواناً عسكرياً مكثفاً على اليمن، فيما سُميت بـ"عملية الراكب الخشن" بهدف إيقاف العمليات العسكرية اليمنية المساندة لقطاع غزة، ولكنها منيت بالفشل الذريع ولم تحقق الأهداف المرسومة لها ودفعت الولايات المتحدة في 6 أيار/ مايو الحالي إلى إعلان وقف إطلاق النار بعدما تكبدت خسائر فادحة.
وقبيل ذلك نفذت إدارة بايدن بالاشتراك مع بريطانيا حملة قصف جوي وبحري على اليمن استمرت طوال عام 2024م، دون أن تحقق شيئاً سوى المزيد من الخسائر وانتكاسة كبيرة للبحرية الأمريكية التي عجزت عن حماية الكيان الصهيوني أو حتى الدفاع التام عن حاملات طائراتها وسفنها الحربية من الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية.